تقرير: رشا حرز الله

أنارت الفوانيس والمصابيح الكهربائية حارة القريون، وهي واحدة من حارات البلدة القديمة في مدينة نابلس، استعدادا لاستقبال شهر رمضان المبارك، وسط أجواء احتفالية.

وعلى امتداد الأسابيع الماضية عمل عشرات الشبان كخلية نحل، بهدف تنفيذ سلسلة فعاليات وأنشطة تستهدف إحياء العادات والتقاليد الرمضانية القديمة، وتعيد لها بهجتها بعد سنوات طويلة من الإهمال والتهميش.

جهاد التكروري أحد القائمين على هذه الفعاليات يقول إن "الفكرة جاءت من خلال مجموعة مواطنين سكنوا الحارة لسنوات طويلة قبل أن ينتقلوا للسكن خارجها، وكنا في كل جلسة نستعيد ذكرياتنا فيها وعادات أهلها الرمضانية التي اندثرت، وتساءلنا لماذا لا نحاول التفكير في إعادة إحياء هذه العادات دون أن ننتظر مؤسسات أو جمعيات لتقوم بذلك، ولننقذ تاريخنا من الضياع وحتى نبقي الجيل الحاضر على صلة بماضيه".

ويضيف أن "ما اقترحناه لم يأخذ وقتا طويلا ليدخل حيز التنفيذ، بل سارعنا للبدء وبخطوات عملية، بدأناها باجتماع ضم أهل الحارة، واستمعنا إلى مقترحاتهم ومبادراتهم، لتكون أول خطوة في 4 نيسان/ابريل الماضي، بالتزامن مع ذكرى اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي لنابلس وبلدتها القديمة، حيث أقمنا يوما تطوعيا لتنظيف الحارة وأزقتها بمشاركة الأهالي".

وتابع التكروري، "عقب ذلك جرى اقتراح أن يتم استغلال ساحة القريون الواسعة لإقامة فعاليات رمضانية، فبادر أحد الأشخاص ممن يملك منشأة فيها بالتبرع بـ200 فانوس لإنارتها، وفعليا تم ذلك، حيث احضرنا الفوانيس التي تعمل على "الكاز"، لكن الشباب حولوها لفوانيس كهربائية حيث استغرق العمل في ذلك أسابيع".

ويقول إنه "جرى تنظيم احتفالية تم خلالها إنارة الحارة وساحتها الرئيسية بالفوانيس بحضور مئات المواطنين، ويوما تطوعيا آخر تم فيه طلاء أبواب منازل ومحال الحارة بلون موحد وزراعة النصب التذكارية للشهداء بالورود".

وبحسب التكروري فإن شهر رمضان سيشهد مجموعة فعاليات تم التحضير لها، "حيث سيشهد 9 أيار/مايو ما يعرف بالسوق نازل، ويتضمن عربات حلويات مجانية للأطفال تم التبرع بها من أحد المواطنين، وإفطارا جماعيا يشمل 200 شخص من أهل الحارة، كذلك فقرات الحكواتي وفرق إنشادية".

وتابع أن فعالية مركزية ستقام في ساحة القريون تشمل فرق كورال ومسرح، ودعوة أكبر عدد من الناس للمشاركة بهدف تشجيعهم لزيارة البلدة القديمة، وتنشيط الاقتصاد فيها.

وهناك من يراهن أن هذه الفعاليات ستنتهي بانتهاء شهر رمضان وعيد الفطر السعيد، لكن التكروري يؤكد استمرارية العمل على المدى البعيد. وقال: "وضعنا خطة عمل ومن ضمنها إقامة ديوان داخل أحد مصانع الصابون المغلقة، وسنحاول جلب تمويل لترميمه وإعادة تشغيله، بهدف إحياء الأبنية أيضا".

كما سيجري استغلال ساحة القريون لإقامة معارض الصناعات الوطنية والمحلية والنسوية، ووضع طاولات لعرض تلك المنتجات وتشجيع الناس للإقبال عليها، واستغلال أحد بساتين الحارة المهملة والبالغة مساحته دونمان، ليكون ملعبا للأطفال.

وبين التكروري أن "هذه الأعمال أعادت للشباب روح العمل التطوعي وعكست مدى حرصهم على البلدة"، مضيفا "لقد فوجئنا بالهمّة الموجودة لدى شبابنا، لديهم روح للعمل وحب وخوف على بلدهم، هؤلاء هم ثروتنا ويجب المراهنة عليهم، واللافت أن ما يجري في حارتنا شجع حارات البلدة الأخرى وأحياء واسعة من مدينة نابلس على المبادرة والعمل".

وأنشئت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" باسم الحارة لنشر الأنشطة التطوعية إلى جانب معلومات تاريخية عن أبنيتها وسكانها القدامى وتاريخهم.

ويشير التكروري إلى أن ذلك جعلهم يبادرون للتبرع وتبني المشاريع المراد تنفيذها، مستدركا: "لكن بالنسبة لنا فالموضوع المادي حساس واتفقنا أننا سنقوم بطلب احتياجاتنا من المتبرع ثم يقوم بشرائها بنفسه، ما يعزز الثقة والمصداقية فيما بيننا".

وتتميز حارة القريون كغيرها من حارات البلدة القديمة بطابعها المعماري الموروث من الحضارات القديمة التي تعاقبت على المدينة، والتي تركت بصماتها التراثية والمعمارية على مختلف معالمها.

وأصل الكلمة "قريون"، لاتيني واشتقت من كلمة "كرايون" ومعناها "الأنبوب"؛ وسميت بذلك لكثرة الأنابيب المائية والينابيع فيها، وكانت كثير من العائلات النابلسية تسكنها، وفيها العديد من القصور التاريخية.

وفي عام 2002، تعرضت تلك الأبنية للتدمير من قبل طائرات ودبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي، عقب اجتياح المدينة في عملية يسميها المواطنون "نيسان الأسود"، وجرى إعادة ترميم معظمها. كما استشهد العشرات من أبناء الحارة.