تمنَّى الرئيس أبو مازن على أشقائه العرب، في اجتماع وزراء خارجياتهم، أمرين اثنين، الأول الدعم السياسي، وليس بالمطلق "فإذا كنّا مخطئين قولوا لنا، وإذا كنّا على صواب، اقبلوا فقط ما نقبل به، وارفضوا ما نرفضه، لا نريد أكثر من ذلك ولا أقل" على هذا النحو البليغ، الخالي من كل ادّعاء، واستعراض، ومزاودة، وبمصداقية "الجراح الصحيحة" يضع الرئيس أبو مازن الأشقاء العرب، أمام مطلب الحق والعدل والضرورة القومية: لا تدعمونا إذا ما كنّا على خطأ، وإذا ما كنّا على صواب- وفلسطين لا تخطئ الصواب، وهي بمثل هذا الوضوح في جراحها، وفي خطاب شرعيتها - هاتوا دعمكم كي نمضي إلى خلاص استراتيجي من الاحتلال، ومن مجمل الأوضاع المتردية الراهنة، هو في المحصلة خلاص لصالح مستقبل آمن ومزدهر للعرب جميعًا.

الأمر الثاني الدعم المالي، عبر تأمين شبكة الأمان المالية التي قرّرتها القمة العربية الأخيرة في تونس بمقدار 100 مليون دولار شهريًّا، إذًا كيف "سنتدبّر أمرنا" ونمضي إلى ما نريد من الخلاص الاستراتيجي، والإدارة الأميركية تشنُّ حربًا ماليةً ضدّنا، وإسرائيل تُقرصِن أموالنا؟ لن يستقيم الدعم السياسي بدون شبكة الأمان هذه، وهذا يعني أنّ التحديات الصعبة التي نواجهها اليوم في مثل هذه المرحلة، لم تعد تقبل خطب البيانات السياسية ووعودها فحسب!!

أمران بمطلبين لا ثالث لهما، ولا تكلِّف فلسطين هنا أشقاءها العرب ما لا طاقة لهم به، دعم سياسي، تحمله شبكة الأمان المالية إلى مصداقيته الفاعلة، ولن تقبل فلسطين في المحصلة غير ما يحقّق مستقبل الأمن والاستقرار والسلام لها ولأشقائها العرب جميعًا دولا وأنظمةً وشعوبًا.

أمران لم يطلب الرئيس أبو مازن خلالهما ما هو مستحيل، واللحظة الراهنة هي لحظة الحقيقة، كي نكون ولكي نكون، فما من خيار لدينا سوى هذا الخيار، وسؤال فلسطين إلى أشقائها العرب بكلمة الرئيس أبو مازن بشأن هذين الأمرين "هل أنتم فاعلون؟" ليس سؤالاً استفهاميّا بقدر ما هو سؤال الدعوة إلى صواب الموقف الذي لا بدّ أن يكون.

وفي ذات الوقت، فلسطين كلّها آذان صاغية، لما سيقرّره الأشقاء، وما سيقررونه سيكون موضع بحث ومراجعة في المجلس الوطني، أو المجلس المركزي الفلسطيني، لينظر الفلسطينيون ماذا يريدون، وهذا يعني بمنتهى الوضوح، ما من قرارات مصيرية في كل هذا الشأن، ستكون من خارج الأطر الشرعية، وهذا هو دأب الشرعية الفلسطينية، وهذه هي سيرتها الديمقراطية، التي لا تفرد فيها ولا هيمنة، ولأنّ القرار الوطني الفلسطيني المستقل، هو قرار أُطره الشرعية، والذي لا يتقدَّم سوى نحو مستقبل الحرية والاستقلال، مهما كانت الصعوبات وأيًّا كانت التحديات، وستنظر الأيام المقبلة ماذا سيفعل الفلسطينيون.