بلال غيث كسواني

تتجلى معركة الأرض في يومها بأقصى صورها بالعاصمة المحتلة شبرا بشبر وذراعا بذراع وبيتا ببيت.. يسعى الفلسطينيون للحفاظ على كل حجر في القدس عبر التصدي لمحاولات التهويد المحمومة التي ينفذها المحتلون، والتي تصاعدت منذ إعلان ترمب القدس عاصمة للاحتلال.

العام المنصرم والربع الأول من العام الجاري يعتبران الأسوأ في تاريخ القدس، بالنسبة لأبناء شعبنا، فقد نقلت أميركا سفارتها إلى العاصمة بشكل مخالف لكل القوانين والقواعد الدولية، وألغت عمل القنصلية الأميركية واعتبارها دائرة خاصة بالفلسطينيين وألحقتها بالسفارة غير الشرعية، واستبدل عدد كبير من الموظفين الفلسطينيين في القنصلية بإسرائيليين.

في المقابل ورغم كل الضغوطات نجح الفلسطينيون في حماية العديد من العقارات من التسريب في القدس القديمة بإمكانيات قليلة، وسجلوا اختراقا أيضا بإعادة فتح باب الرحمة المغلق منذ 17 عاما، وأفشلوا مخططا إسرائيليا كان يهدف لتحويله إلى كنيس.

خبير الخرائط في بيت الشرق المغلق من الاحتلال خليل التفكجي، يؤكد أن القدس عشية يوم الأرض الخالد تمر بأوضاع صعبة، إذ أصبح الاحتلال يسيطر على 87% من الأـرض في المدينة ولم يتبقى للمقدسيين الأصليين سوى 13% من الأرض فقط، كما أن الاحتلال أخرج نصف المقدسيين إلى أحياء خارج جدار الفصل العنصري بهدف إبعادهم عن المدينة.

ويوضح أن الاحتلال نشر مستعمرات وشوارع عريضة لتطويق الأحياء المقدسية، تمهيدا لتفتيت هذه الأحياء والقرى، وأكبر مثالا على ذلك ما يحدث في قرية بيت صفافا التي تم توحيدها بعد عام 1967 وثم تم تفتيتها نتيجة المستعمرات الإسرائيلية التي نهبت كل أرضها.

وتحدث التفكجي عن مساع للسيطرة على التعليم، فالجانب الإسرائيلي يسيطر على 65% من المدارس التي يتلقى بها الطلبة المقدسيون تعليمهم، كما يقوم بنشاطات من شأنها تفتيت الأسرة الفلسطينية والسيطرة عن الوعي، فهو يريد أن تتحول النكبة إلى استقلال ويتحول علم الاحتلال إلى عنوان.

وتطرق التفكجي إلى سيطرة الاحتلال على الجوانب الاجتماعية والصحية في مدينة القدس أيضا؛ فمنذ عام 2001 بدأت المؤسسات الإسرائيلية تسيطر على المواطنين وتمنع أي لقاء فلسطيني في مدينة القدس بعد إغلاق جل المؤسسات التي تقدم الخدمة للفلسطينيين.

وبالجانب الآخر ورغم كل هذه المعاناة إلا أن المدينة حسب ممثل منظمة التعاون الإسلامي في فلسطين السفير أحمد الرويضي تعيش حالة صمود غير مسبوقة، تجلت في ردة فعل المقدسيين جلية تجاه المخاطر التي تتعرض لها مدينتهم ومسجدهم الأقصى، وتجاه الاستيطان فالجانب الفلسطيني نجح في فرض ما يريد في الخان الاحمر وباب الرحمة والأسباط وغيرها.

ويرى الرويضي، وهو من مواطني مدينة القدس، أن المقدسيين يشكلون حاليا حالة نضالية فريدة في الدفاع عن أرضهم في يوم الأرض، وسيؤكدون كما أكدوا دائما على هذه الحالة النضالية التي سجلت نجاحات في منع فرض البوابات الالكترونية ومنع إغلاق مصلى باب الرحمة وغيرها من معارك الدفاع عن القدس.

وبين أنه رغم بشاعة الهجمة الإسرائيلية على المقدسيين إلا أنهم لا يزالون في حالة صمود ويسجلون نموا ديمغرافيا نشطا رغم كل محاولات اقتلاعهم، إذ بلغ عدد المقدسيين القاطنين داخل جدار الضم والتوسع العنصري قرابة 300 ألف مقدسي.

ويضيف الرويضي: إن مدينة القدس تشهد تسونامي تهويدي مرتبط بعدة أحداث: أولهما الاعلان الأميركي عنها عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة إليها. وتابع قائلا: تطورات المواقف الأميركية شجعت الاحتلال توسيع الاستيطان.

وقال: إن الاستيطان يتربع على رأس تسونامي تهويد القدس، بقيادة حكومة الاحتلال لإنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية وتحديدا في منطقة (E1) بهدف عزل القدس كليا عن الضفة.

وبين أن الخطر المحدق بالقدس أيضا يتمثل بهدم المنازل ومنع البناء وبالتالي حرماننا كمقدسيين من السكن في القدس، ودفعنا إلى الهجرة منها، وكذلك يوجد خطر كبير يتعلق بالمساس بالمقدسات وتحديدا المسجد الأقصى المبارك إذ يشهد المسجد اعتداءات متواصلة وتتوسع تتمثل في زيادة الاقتحامات ومشاريع استيطانية في محيط المسجد أبرزها مشروع القطار الهوائي، واستهداف مقبرة باب الرحمة ومحاولة السيطرة على مصلى باب الرحمة وتقسيم المسجد الأقصى مكانيا.

وبين الرويضي أن ما يجري من سيطرة الاحتلال على المنازل في مدينة القدس هي عمليات تزوير كبرى تجري، ولم يسجل حالات بيع سوى حالات فردية قليلة جدا يحاول الاحتلال تروجيها بان المقدسيون يبيعون منازلهم وهذا أمر خاطئ.

ورأى أن المطلوب من أجل حماية القدس في الإطار السياسي مواصلة التأكيد على أنها عاصمة فلسطين الأبدية، وبالتالي أن نستمر بالضغط والتحرك دوليا ضد الدول التي تفكر في نقل سفارتها للقدس، وتحميل العالم مسؤولياته تجاه القدس، وفي الجانب التنموي يجب دعم صمود الناس ودعم الخطة القطاعية التنموية التي أعدت من قبل الرئاسة للقدس، ودعم البرنامج المتعلق بالمحافظة على القطاعات الصحية والتعليمية والثقافية في القدس.

وفي سياق متصل، قال المختص في الشؤون المقدسية فضل طهبوب، إن مساعي الاحتلال لعزل القدس عن محيطها يهدف إلى تخفيف عدد الفلسطينيين في المدينة، واليوم يوجد 200 ألف فلسطيني خارج مدينة القدس وفق التقسيمات والحواجز والجدار الذي أقامه الاحتلال، وقد أقامت سلطات الاحتلال الكثير من المستوطنات ليصبح عدد القاطنين في شرق القدس 200 ألف مستوطن، وقد طوقوا المدينة بعدد من المستوطنات من مختلف الجهات بهدف أن يصبح العرب يعيشون وسط بحر من المستوطنين.

وأضاف: إن عمل الاحتلال يتركز حاليا على تهويد المدينة بطريقة تدريجية وتخفيف عدد السكان ومثال على ذلك أحياء مثل كفر عقب ومخيم شعفاط، وفتح مجال للسكن (للمقدسيين) فيهما بشكل أسهل من السكن داخل القدس، حيث بات الحصول على منزل داخل جدار الاحتلال حلما وهاجسا لكل فلسطيني.

وأوضح طهبوب، أنه رغم كل إجراءات الاحتلال ودفع السكان لخارج مدينة القدس يوجد 300 ألف فلسطيني داخل الجدار وهذا تأكيد على صمود الشعب الفلسطيني وثباته فوق أرضه وحماية مقدساته.

وأظهرت معطيات صدرت الاسبوع الجاري، عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، قيام الاحتلال الاسرائيلي في العام 2018 بإصدار أوامر ترحيل 12 تجمعاً بدويا شرق القدس تضم حوالي 1,400 نسمة ضمن الجهود الرامية لتهويد القدس، وهدم الاحتلال خلال العام المنصرم 215 مبنى في محافظة القدس، مما أدى الى تهجير 217 نسمة منهم 110 أطفال.

وعشية يوم الأرض، يظهر تقرير أصدره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، مؤخرا، أن الاحتلال هدم 145 منزلا فلسطينيا في القدس العام المنصرم بحجة البناء دون ترخيص مقابل المصادقة على بناء 6823 وحدة استيطانية جديدة في المدينة.

وبحسب ذات التقرير فإنه في الأشهر الأخيرة فقط وضعت جماعات استيطانية يدها على 6 منازل فلسطينية في مدينة القدس العتيقة وفي بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى.

وبالحديث عن سلوان وهو الحي المجاور للمسجد الأقصى فقد سجلت انهيارات أرضية وصفها متابعون بالخطيرة جدا، فهي تهدد منازل الفلسطينيين، وتنتج عن تفريغ الأتربة من سلطة الاثار التابعة للاحتلال بحثا عن أي آثار تربط الإسرائيليين بالمدينة دون جدوى.

وحذر مركز معلومات وادي حلوة وهو مركز يرصد انتهاكات الاحتلال في حي سلوان، في تقرير له، من خطورة الأعمال التي تنفذها جمعية "العاد" الاستيطانية في حي وادي حلوة فوق الأرض وتحتها، من أعمال مختلفة لخدمة المستوطنين والأهداف الاستيطانية دون مراعاة سلامة مواطني الحي.

كما حذر المركز من خطورة قرارات الإخلاء التي تصدرها بلدية الاحتلال بحجة "مبان خطرة"، مُستنكرا موقف المؤسسات الرسمية والحكومية الإسرائيلية وعلى رأسها بلدية الاحتلال في القدس التي تكتفي بتحويل منازل المواطنين الى بيوت غير آمنة فقط والمطالبة بإغلاقها وإخلائها لشدة خطورتها، وبالمقابل لا تتخذ الإجراءات الضرورية واللازمة ضد الجهات التي تقوم بالحفر أسفل الحي أو بأعمال ترميم والبناء على الأرض بصورة غير قانونية.

ونبّه المركز من أن خطر الانهيار يهدد حي وادي حلوة بأكمله نتيجة أعمال المستوطنين، ومساحة التشققات الأرضية والانهيارات في الأبنية والشوارع الآخذة بالتزايد، مُطالبا المؤسسات الحقوقية الدولية والمحلية الوقوف عند مسؤولياتها لحماية المواطنين الفلسطينيين والضغط على سلطات الاحتلال لوقف هذه الحفريات التي تهدد منازلهم وحياتهم.

وبين خليل التفكجي، أن الصراع الديمغرافي في أشده في فلسطين عبر مساعي الاحتلال للسيطرة على المواطنين والسيطرة على الأرض وهدم المنازل وسحب الهويات وأسرلة المقدسيين ومحاولات تجنيسهم، وسن القوانين للسيطرة على المواطنين والأرض.

وأضاف: لدى الجانب الإسرائيلي مشروع للتخلص من المقدسيين القاطنين خارج جدار الضم والتوسع العنصري بشكل نهائي، وأن المطلوب تخصيص ميزانيات أكثر لدعم صمود المقدسيين.

في سياق متصل، قال الباحث المتخصص في شؤون الاستيطان في القدس أحمد صب لبن، أن القدس تعاني بشكل كبير من سياسة هدم المنازل والزحف الاستيطاني في المدينة، فلسطات الاحتلال قامت منذ عام 1967 بهدم ما يزيد عن 2400 منزل في القدس، وهي تهدد 20 ألف منزل بالهدم بحجة البناء دون ترخيص، وذلك يترك أعباء اقتصادية كبيرة جدا على كاهل المواطن المقدسي الذي يقوم بدفع الضرائب والمخالفات بشكل دائم.

وقال صب لبن: إن ما يزيد عن 80% من المجتمع المقدسي يعيش تحت خط الفقر والمواطن المقدسي رغم ذلك صامد في مدينة القدس.

وبين أنه انه منذ 52 عاما حتى اليوم قامت إسرائيل ببناء 57 ألف وحدة استيطانية في مدينة القدس يقطن بها ما يزيد عن 200 ألف مستوطن بنيت على ثلث مساحة القدس الشرقية تم الاستيلاء عليها من قبل سلطات الاحتلال لصالح البناء الاستيطاني، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المقدسي من نقص في الوحدات السكنية، حيث يحتاج المقدسيين لبناء 20 ألف وحدة سكنية لسد رمق حاجة المقدسيين للسكن، إلا أن سلطات الاحتلال تمنع ذلك.

وأوضح ان سلطات الاحتلال تدفع المقدسيين للبناء غير المرخص ولا تمنح أي تراخيص للبناء بعد أن استولت على الغالبية العظمى من أراضي القدس للبناء الاستيطاني. وبقي فقط قرابة 9 كيلو مترات من مساحة القدس البالغة 72 كليو مترا مربعا.

وبحسب نادي الاسير الفلسطيني فإنه منذ بداية العام حوالي 1600 فلسطيني من القدس، ربعهم من الأطفال بمن فيهم 30 طفلا دون سن الـ14، و55 سيدة، كما تواصل قوات الاحتلال احتجاز 4 جثامين لشهداء في مدينة القدس.