حالة المراوحة التي تعيشها الساحة الفلسطينية على صعيد العلاقات الداخلية المتوترة تُنبئ بخطر كبير لم يعد أمره خافيًا على أحد، فكلُّما تقدم المشروع الصهيوأمريكي إلى الأمام حملَ المتصارعون الفلسطينيون على تحميل بعضهم البعض مسؤولية الفشل الداخلي، ومسؤولية تمدُّد المشروع الاستعماري الاحتلالي.

حالة المراوحة الفلسطينية التي تمر بين معادلة الاتفاق ثم الضحكات ثم الاحتفال، إلى حالة الانفكاك ثم محاولات القتل ثم الردح أصبحت حالة تنبئ بشيء لم تعهده السياسة الفلسطينية، فإنَّ وراء الأكمة ما وراءها، فليس الموضوع داخليًّا بحت، وإنّما في الأفق تداخلات مصلحية مرعبة من أطراف الإقليم التي ترغب في بقاء الأزمة ودوام الانفصال بين الضفة وغزة.

انتخابات لمرة واحدة

حركة "فتح" ترى أنّ الزمن الذي تساهلت فيه، وتركت فيه المساحة لـ"حماس" لتعبّئ فراغ السلطة في غزة قد ولّى، وتعتقد أنَّ الشرعية ممثّلةً بالقانون وقيادة السلطة يجب أن تنطلق من حقيقة أنّها جزء لا يتجزّأ من منظمة التحرير الفلسطينية التي أنتجت السلطة بعد اتفاق أوسلو فكانت الرئاسة والحكومة والتشريعي.

"حماس" ترى أن الحكم ينبع من قاعدة: انتخابات واحدة وصندوق واحدة وفوز واحد وإلى الأبد! كما عبرت عن ذلك بعد العام 2006 حين أصبحت الانتخابات مباحة بعد أن كانت تُدان لديها بأشد عبارات التحريم الإسلامي، وكما قال النواطق الرسميين آنذاك ما لحقهم به ما قالته جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، ولم تكتفِ "حماس" منذ ذاك الوقت بالفوز الديمقراطي بل ألحقته "بفوز عسكري مقيت" خلّف جراحًا لا تندمل حتى اليوم وخلّف نظامًا قمعيًّا في غزة أصبح أسوأ من أي نظام عربي بائد، كنا نتغنّى بتقبيحه فيما مضى.

حركة التحرير الوطني الفلسطيني- "فتح" وضعت إيمانها بالفكر الوطني في العمق العربي في عمق الأمة، وفي متن حضارتنا العربية الإسلامية السمحة في مقدمة تفاعلها مع كل مكونات المجتمع ومع كافة الفصائل، وأثبتت ذلك بالتجربة فلم تقابل الطعن أو التكفير أو التخوين من الآخرين أنظمة ومنظمات وأفراد بالمثل.

مفارقة عجيبة والتنظيم البستاني

في المفارقة العجيبة الغريبة مؤخرًا لنا خير شاهد: فحين تقف كل المنظمة (م.ت.ف) وحركة "فتح" إلى جانب "حماس" في الأمم المتحدة لم تكن لتمنّ على "حماس"، وإنّما كانت تقف مع شعبها فتنجح في منع اتهامها بالإرهاب، وبدلاً من رد الجميل بالحد الأدنى تقوم دائرة "حماس" بالتشريعي -المنتهية صلاحيته منذ وافق أو صمت عن الانقلاب عام 2007 - تقوم هذه الدائرة بتوجيه رسالة للأمم المتحدة تدين الرئيس أبو مازن! أي فكر أو تصرف هذا! مهما كان حجم الخلاف الداخلي؟ إن لم يكن إمعانًا في الفرقة والانفصال.

حركة "فتح" هي التنظيم البستاني (من البستان) الذي حمى كافة وجهات النظر، ورعت حرية التعبير والاختلاف والتعددية رغم ما استخدمه البعض ضدها في الانقضاض على جسد الحركة، في مراحل عديدة طوال أكثر من خمسين عامًا، وكان آخرها ما فعلته "حماس" بانقلابها الأسود، وما تلاه حتى اليوم من إعدامات وقطع الأرجل واطلاق نار على الأبرياء، وتعذيب في السجون واعتقالات غير قانونية وغير مبررة.

"حماس" تغضب وتنتفض ضد المخالفين السلميين لها في كل مهرجان أو احتفال أو رفع راية تأييد للرئيس أو ضرتها وعدوتها السلطة، وهي أي "حماس" بتصرفها السقيم هذا إنّما تؤشر إلى رعب فقدان السطوة والسيطرة على الإمارة الموهومة، لمن هُم يظنّون إمكانية أن ينجحوا في انتزاع هذا الجزء من جسد فلسطين ويخترقون فيه التاريخ فيجعلونه مقدمة "للخلافة على هدي النبوة" وهم قطعًا واهمون حالمون.

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "إنه يؤسفني أن أقول: إنني كنتُ إذا صارحت بأنّ "للإخوان" أخطاء وجدت العيون تحمر، والوجوه تثبت، وكأني كفرت، إنها عصبية عمياء.. إنه لا حرج أبدأ من اختلاف وجهات النظر، لكن لا يجوز لصاحب رأي ما أن يحسب نفسه المتحدث الرسمي باسم الله ورسوله، وأن من عداه خارجون عن الإسلام، بعيدون عن الحق.. قد تستطيع عصابة من الناس أن تخطف (حكما) بالاغتيال والنسف أو بالاحتيال والعسف، بيد أن نسبة هذا الحكم لله حُمق كبير... من حق العقلاء أن يمقتوا الدين، وينبذوا تعاليمه يوم يكون الدين مرادفًا لجمود الفكر، وقسوة الطبع، وبلادة العاطفة، ويوم يكون استيلاؤه على زمام الحياة عودة بها إلى الوراء وتغييرًا لفطرة الله...إنه يومئذ لن يكون دينا من عند الله، بل أهواء من عند الناس، ولن يكون السير عليه تقوى ومثوبة، بل معصية وعقوبة".

"حماس" الغاضبة بمجملها دومًا تعبّر عن غضبها من خلال بعض مراكز القوى فيها التي لم يعد لمثل خالد مشعل أو أبو مرزوق أو الرشق من كادر الخارج أي سيطرة عليها، فهي وكأنها تقوقعت لتصبح تنظيمًا فلسطينيًّا غزّيًّا محليًّا بحتًا، فتعيث في أرض غزة فسادًا إلى الدرجة التي تجد تساوقًا من رئيس المكتب السياسي الجديد في أطوار متعددة.

"حماس" التي تتغنى بالعلاقة الوطيدة مع مصر! وتنكر أنها ترتدي رداء "الإخوان المسلمين" المنصوص عليه نصا صريحا واضحا في ميثاقها، وفي قسم التزامها "بالإخوان المسلمين" هي "حماس" التي ترى أن حلفاءها الفاشلين من "الإخوان المسلمين" في مصر وراء القضبان، فتصمت عنهم! ربما لأنها تأخذ العبرة، فتعلن دومًا غرامها بمصر! فيما هي تناقض ذاتها وتعلن اللعنة المكرورة ضد بني جلدتها في مفارقات تحتاج لمنجّم ليفهمها.

لا للإقصاء المتبادل، وفكر خالد مشعل

كيف نفهم التقلبات في مسيرة "حماس" التي ما نشأت إلا لمناوءة منظمة التحرير الفلسطينية "الكافرة العلمانية الملعونة"! وللّحاق بها بعد سنوات موات وسُبات أزرقت فيها عيون "الإخوان المسلمين" الفلسطينيين من لكمات الناس يعيّرونها بالقعود دونا عن أبطال العمليات الفدائية الذين كانوا يموتون "فطايسا" وليس شهداء وفق نظرة الاسلامويين المهينة.

قد لا نفهم مبررات الغضب؟ ولكن كيف لنا أن نضع يدنا مع فصيل لا يجد غضاضة أن ينقض من الاتفاقيات مثنى وثلاث ورباع! فتجد لغة التناقض والتضاد الحدّي بين حركة "فتح" وحركة "حماس" تلك اللغة التي لا أفهمها حين يتم تبادل فكر الاقصاء، وكأن الطرفين-او تيارات فيهما- قد أقسما بعزم على الافتراق فيما لا يجوز من أبعاض حركة فتح، وفيما هو أصيل في التعبئة الداخلية في "الإخوان المسلمين" حيث نظرية المظلومية تقابلها نظرية أهل الكفر والايمان! وأن الله ناصر عباده المؤمنين، أي هم دونًا عن المسلمين، ولو طال الزمن، وأن "التمكين" لهم كما هو حاصل في غزة بأمر رباني لا يجوز افلات عنان حصانه أبدا.

إن التقلبات في مسيرة فصيل "حماس" من التطرف والتشدد الكلّي البغيض بمعنى سعيها الحثيث لوراثة "الكفار والعلمانيين والمنافقين" الممثلين في منظمة التحرير الفلسطينية قد يراها البعض مفهومة ضمن عقلية الأقفال والصناديق، فيما قبل سطوع شمس التنوير في أذهان البعض من مثقفي الجماعة وفي "حماس".

التشدد في المقابل غير مفهوم مطلقًا في رفض الآخر حين يكون العدو صريحًا واضحًا بلا لُبس، وهو لدينا في حركة "فتح" العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا وشعبنا وسماءنا وبحرنا وقدسنا الخ، فلا تستطيع "حماس" الرسمية أن تقتدي بالشيخ الغنوشي في تونس، رغم محاولة خالد مشعل الهامة في وثيقة 2017 والتي كتبتُ أنا فيها مديحا يستحقه قائلها، ويستحق أكثر على مقدمته الفلسفية والفكرية الجميلة، والتي ظننت حينها أن أنوار الحقيقة والواقعية السياسية قد طغت في "حماس" على ظلامية التعبئة الداخلية المرعبة، والتي للأسف بدا أنها -أي الظلامية- مازالت قائمة حتى الآن.

بين "الأيديولوجية" والانتهازية

إنَّ التقلبات في مسيرة "حماس" كان من الممكن النظر لها من المنطلق الانتهازي فهي تنظيم فكراني (أيديولوجي) جوهري الفكرة لا يتخلى عنها، بمعنى أن ما يستخدمه من تكتيكات أو مواقف متذبذبة أو مناورات مع الآخرين إنما يأتي في ظل وحدة ووضوح الهدف وهو "التمكين" لـ"حماس" ، وليس الشراكة التي يدعون لها نظريا.

وقد يرى البعض وأنا منهم أن تقلبات "حماس" من التشدد والتعصب المقيت إلى حد التكفير والتخوين والتشهير، وظهور نور الحقيقة في عقل كوكبة من مثقفيها هي ما لا يجب أن نغفله.

في كل مجتمع أو جماعة أو تنظيم ترى السواد وترى البياض، وحتى مع الحُلكة فالفجر قادم، بمعنى أن منطق التذبذب قد يكون هو منطق تغيير حقيقي في "حماس" التي كان قد قفز إلى قلبها مع خالد مشعل عام 2017 لكنه أطفئ بكلمة واحدة قالها أبو مرزوق في حوار موسكو عام 2019 حين قال: "إنّنا مزقنا وثيقة مشعل"!

لا يجب أن يملّ المتابعون لمسيرة الفصائل وعلى راسها حركة "فتح" و"الشعبية" و"الديمقراطية" و"الجهاد" و"حماس" من النظر إلى الصورة الكلية فلا قضية ولا مسيرة ولا فعل ناجز دون تفاعل هذا المجموع على اختلافاته التي يجب فهمها من زاوية التعددية والإثراء، حتى مع من يسمونها التنظيمات المجهرية تهكّمًا، وما هي كذلك وإنما هي تعبيرات وطنية فلسطينية يجب أن تحظى بالاحترام والمحبة، مهما كان حجم الاختلاف بيّنًا أو يسيرا، فما لي أنا والنظر من زاوية الحجم، فلربما رأي قادح أفضل من فعل جماعة ظليمة الوجه خارجية الفعل تشهر المقدس في وجه الآخرين فتقتلهم وتريق دمهم بالفتوى أو بالألسنة الحداد أو بالطلقات السريعة. ألم يحصل ذلك!

"حماس" المتقلبة أو المتذبذبة هي "حماس" المتغيرة بعنفها أو صراعها الداخلي والخارجي، وأي تنظيم يجمُد ويتكلّس عند حدود فهمه الأول فهو يجعل عقله في صندوق مغلق لا يفتحه، على فرضية صحة ما يشتمل عليه، والدنيا من حول الصندوق تتغير.

فعندما يأتي أوان فتح صندوق الأفكار لا يستطيع مالك المفتاح استيعاب الأحداث والمتغيرات، فإما انه يتوه ويتخبط، ويلجأ إلى التجريبية دون اعتبار، أو أنه يتمسك بالقديم البالي يبجّله ويجّله ويقدّسه، أو ينفض الغبار عن مقولاته الجاهزة وشعاراته العاطفية في محاولة لإظهارها طاهرة نقية مقدسة كما هو شان أصحاب الفكر الماضوي في أي تنظيم ديني او فكراني (أيديولوجي)، ولا تظنّوا هنا أنني أقصر بحديث الماضوية على "حماس" بل ينطبق على كل الفصائل وعلى راسها حركة "فتح" التي إن تحولت لنعامة، فإن صندوق أفكارها يكون مدفونا تحت التراب.

التنسيق الأمني لدى "حماس"، والكتفان المثقلان

إن فهمنا التقلبات بمعنى التخبط فإن السبب يكون في وجود التيارات المتعارضة، وأنت لا بد تجد هنا تعارض المصالح الحزبية بل والشخصية مع المصلحة العامة، وتجد أيضا تدخلات لأنظمة في الإقليم تسهم بقوة بذلك، ولا تعتقد أن العدو الصهيوني ببعيد مطلقا عن مثل ذلك بل هو في أتون معركة المحاور في كل الفصائل وخاصة "حماس" التي رهنت مسيرات العودة لملايين قطر القادمة بأوامر "نتنياهو" أبو العصا والجزرة أي مقابل توقف الإزعاج الليلي من غزة.

بمعنى أن الاسرائيلي استطاع شراء الهدوء بثمن بخس يدفعه الآخرون، فجعل من التنسيق الأمني مع "حماس" عبر قطر منهج عمل مفاده التالي: تتظاهرون بخفة فتأخذون الاموال، وتتظاهرون بقسوة فتمنع عنكم الاموال!

هذا وغني عن القول أن ذكر "العودة" كأساس لهذه المسيرات الهامة قد أصبح مجرد ذكرى! وتم استبداله بوحشية بمطالب معيشية بحتة وليس بسياق وطني عام.

"حماس" التي كانت تدعي أنها تضع على كتفها الأيمن القرآن الكريم على افتراض باطل أنها الممثل الشرعي لله على الأرض، حاشاه، وضعت -منذ فترة قصيرة من التاريخ الحديث- البندقية على كتفها الأيسر، ومع متغيرات الاقليم وصعود "الربانيين" لكرسي السلطة سقط المصحف عن الكتف الأيمن، وأصبح نسيا منسيًّا تماما كما قال الوليد بن عبد الملك للمصحف بين يديه –كما يروى بالتاريخ-عندما وصلته الخلافة بعد موت أبيه، قال للمصحف: هذا آخر عهدي بك؟ وأغلقه وقام ليجلس على كرسي السلطان.

عدد من الشخصيات أو مراكز القوى في فصيل "حماس" حين تتقاتل فهي لا تتقاتل على المصحف، فكلنا والحمد لله مسلمون، بل تتقاتل أن تحوز رضى الداعم من جهة، وتتقاتل من أجل زيادة مساحة النفوذ في غزة، وعلى رقاب الناس وأموالها، مع ما يمثله ذلك من هيلمان وخفة عقل ونزق هو خلّب يظنونه ذهبا وهم لآخرتهم كما دنياهم خاسرون، ولا أبريء رجال السلطة الفاسدين في أي جهة من هذا الوباء أبدا.

إذن لم يعد يقتنع أحد البتة حتى الطفل في بلادنا بتلك العلاقة المبتورة مع الدين التي حاولت غالب التنظيمات الاسلاموية أن تنسبها لذاتها دونا عن كل المجتمع المسلم.

أما البندقية على كتف "حماس" الأيسر فحدث ولا حرج حين سالت منها الرصاصات بدماء أبناء الشعب، ولا نريد أن نعيد ونكرر مهزلة "الحسم العسكري" واذهبوا وانتم الطلقاء، ما لا يُقال لنا أبدا.

حركة "فتح" المهانة وتجاوز "حماس"!

لم أفهم ألا تغضب حركة "فتح" حين تهان يوميًّا بفكرها وتنظيمها ورئيسها وقيادتها وكوادرها من قبل بعض أقطاب في "حماس"، ومليشياتها غير الشرعية بشكل يخرج خروجًا فظا عن آداب الحوار أو النقد!

ولكم في مئات الرسائل والتصريحات والاعتقالات ما لا يخفي من ذلك، ما يضع غضب "حماس" من أفواهها الملغّمة بالاتهامات في بوتقة السد المانع للوحدة الوطنية.

فكيف لي أنا المشتوم والمتهم دوما -أفعلت صوابًا ام فعلت خطأ- أن أقترب منك أنت الشتام الصخّاب الأشر؟ إنها لمعادلة غير عادلة مطلقًا.

قد تغضب "حماس" حين يتم تجاوزها –كما ترى-في مراحل معينة أو أطر معينة أو مواقف معينة- فيتم تفهم ذلك أحيانا- وتدعو للشراكة ما هو مطلب حق يراد به باطل، كما كان الحال من الخوارج على الرسول صلى الله عليه وسلم من (ذي الخويصرة) ثم على علي بن أبي طالب من عبدالله بن وهب الراسبي وزمرته.

فمن قال أن الشراكة تُفرَض باقتسام الحكم أو باقتسام الأرض والبلد!

ومن قال أن الشراكة تأتي بمنع الانتخابات حتى في الجامعات في غزة؟

ومن قال أن الشراكة تتم بفتح السجون لكل فم يقول لا على قاعدة الاختلاف السياسي!

ومن قال أن المشاركة تأتي بالانصياع لأوامر هذا البلد الممول أو ذاك؟

ومن قال أن فهم الشراكة يعني إضمار حيازة السلطة بمنطق التمكين الإلهي الموهوم إلى الأبد؟

ومن قال أن الشراكة تُفهم ضمن معادلة الكفر والإيمان التي مازالت قائمة في قلب "حماس" الأسود المرعب؟ أقصد في صلب تعبئتها الداخلية التي طالب خالد مشعل ذاته من الدوحة مشكورا بتغييرها حين طالب بتدريس وثيقة "حماس" التغييرية التي أعلنها.

مبررات الغضب عند "حماس" ترتبط بالحكم فقط، فليس لله سبحانه وتعالى فيها أي دور، فكل مسؤول عن أفعاله، فلا يحاول أحد أن يكذب على ضميره وعلى الناس بل وعلى الله سبحانه وتعالى فيصوّر الخصومة السياسية أو المعركة معركة كفر وإيمان، أو مقاومة مقابل خيانة، وإن كان كما قلنا أن هناك الكثير من يراها كذلك! وهو بذلك واهم وكاذب ومخادع لذاته وللناس بل وحاقد.

إن ما بيننا وبينهم أي بين حركة "فتح" وطبيعة الخلافات -مع أي كان- داخليا بالحركة، وخارجيا في السياق الوطني هو خصومة أو معركة سياسية تجاوزت عند البعض من الحدود الكثير، وان كان من مبررات الغضب الذي تعملق لدى بعض مراكز القوى في "حماس" خاصة مُنتج أوسلو الأصيل والمفضل لدى "حماس" أي دائرة تشريعي "حماس" مبررا من وجهة نظرها!

الغضب هل يكون عادلاً؟

إن كم الحقد والبغضاء والاتهام المصبوب في قوالب ما تسميه دائرة تشريعي "حماس" قراراتها ينم عن عقيدة إقصائية خطرة جدا، أجازت الانقلاب والقتل كما أجازت الشتم والتخوين والتكفير، وهي عقيدة لا تؤسس مطلقا لشراكة يتم التغني بالدعوة لها أحيانا، أو تداول للسلطة، تلك التي يتم قصفها بالاهانات ومحاولات الاغتيال المتكررة، والمقصودة في فصل الربيع خاصة! أي في ربيع 2018 وربيع 2019 عندما تعرض رئيس الوزراء ومدير المخابرات، ثم قائد فتح بغزة لمحاولات الاغتيال المدبرة.

غضب حركة "فتح" من "حماس" له ما يبرره وغضب "حماس" من "فتح" له ما يبرره، لو وضعت الموازين العادلة لتحكم، فلنا في حركة "فتح" من الأخطاء الكثير، ولا نخاف أبدا أن نضع الأصبع على الجرح وهذا دأبنا، ففي الكثير من المحطات كان لنا من السقطات التي جهدنا على تجاوزها وربما لم ننجح، و ما كان من المؤمل أن يكون مثله من نقد وتجاوز لدى مراكز القوى في "حماس" فلا تعود تحمل على كتفيها الأيمن والأيسر إلا الهمّ الوطني فقط دون أي استهبال لإمكانية حمل المصحف والبندقية حصريًّا حصرًا مانعًا الآخرين عن الوصول لأيهما.

إنَّ الغاضب ما لم يكظم غيظه لن ينجو، والغاضب لذاته ونفوذه وسطوته ونزقه وليس للمصلحة الوطنية التي هي جزء من مسببات الوصول لرضا الخالق هو أبدًا لا يستطيع العفو والغفران، ولن يكون أبدًا بتسامح ومحبة وعطاء الإمام الكاظم رضي الله عنه، فالله سبحانه وتعالى أبدًا "يحب المحسنين".