جوابهم على هذا السؤال سيكون: هذه ليست كذبة، لكن الحرب خدعة. فهم يرون الآخر -مهما كان ذلك الآخر- عدوًّا مستباحًا، حلال لهم أن يفعلوا به ما يشاءون. لذا فإنَّ هذه الكلمات ليست موجَّهة لهم، بل هي للناس الذين غرَّر بهم إعلام "حماس" وكذَّب عليهم. السطور اللاحقة درسٌ لكلِّ من يريد ألّا يسقط في فخِّ الإعلام الكاذب.

في خطبة الجمعة 1-3-2019، أورد قاضي القضاة د. محمود الهباش حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية تعامل المجتمع الإسلامي مع مَن يحاول شقَّ صف الأمة، فقال الهباش حرفيًّا في فيديو الخطبة، وعند الدقيقة (17:47): "مَن أتاكم، انتبهوا جيّدًا أيها الإخوة إلى كلام النبي، هذا ليس كلامي، وليس كلام أحد من الناس ولا حتى كلام الصحابة، هذا كلام مَن لا ينطق عن الهوى، انتبهوا وتأمّلوا واعلموا كيف يجب علينا أن نتعامل مع هذه الظواهر الشاذة التي شذَّت عن سياق المنهج القرآني وعن سياق مصالح وتاريخ الأمة".

وتابع: "مَن أتاكم وأمركم جميعًا على رجل واحد، يريد أن يشقَّ عصاكم، أو يُفرِّق جماعتكم، فاقتلوه"، حديث شريف.

وانتهى حديث الهباش عند هذا الحديث الشريف عند الدقيقة (20:18) من نفس فيديو الخطبة، ثُمَّ أردفه بشرح عن الحديث، ثُمَّ انتهت الخطبة الأولى.

وعند الدقيقة (29:33)، أي بعد 9 دقائق من حديثه الأول (وفي الخطبة الثانية)، قال الهباش: "شيء غريب في هذه اللحظة بالذات، بيطلع بعض المرتزقة يقولون (ارحل)، نعم، هو سيرحل لكن إلى الأمام باتجاه القدس".

وكالة شهاب (الذراع الإعلامية الضاربة) لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين (حماس)، نشرت مقطعًا من الخطبة، فاجتزأت وحرَّفت وبدَّلت فيها، وخرجت في مقطع فيديو من 37 ثانية نشرته على صفحتها بموقع فيسبوك بعنوان (شاهد محمود الهباش يدعو إلى قتل كلِّ مَن يطالب عبّاس بالرحيل ويصفهم بـ(المرتزقة)".

في الفيديو الذي بثَّته الوكالة الحمساوية يظهر الهباش وهو يقول: (شيء غريب، في هذه اللحظة بالذات بيطلع بعض المرتزقة بيقولوا ارحل، صُنّاع الفتن الذين لو خرجوا فينا ما زادونا إلّا خبالا، فهؤلاء ليس لهم إلا العار، عار الدنيا وعار الآخرة، فاقتلوه كائنًا من كان لأنَّ وحدة الأمة أهم من الحفاظ على نفس إنسان يريد أن يشقَّ عصا هذه الأمة وجماعة هذه الأمة".

وهنا تلاحظون كيف انتقت وكالة شهاب ما تريد انتقاءه، وكيف صفَّت هذه الجمل وراء بعضها مع أنّها متباعدة خلال الخطبة، ومع أنَّها جاءت في سياقات مختلفة، إلّا أنَّها عرضتها وكأنَّها جملة واحدة في موضع واحد وعن موضوع واحد، فخرج الهباش وكأنَّه يحرض على قتل مَن يقول (ارحل) للرئيس محمود عبّاس.

الأخطر من هذا كله هو حجم التفاعل مع الفيديو المحرَّف، عشرات آلاف المشاهدات والتعليقات والإعجابات بالفيديو، بل قل عشرات آلاف المغرَّر بهم والمضحوك عليهم اصطادهم إعلام "حماس" بفيديو من 37 ثانية!

هل من المعقول أنَّ هذا الفيديو هو الوحيد الذي زورَّه إعلام "حماس"؟! هل من المعقول أنَّ تلك الكذبة هي الوحيدة لهم؟! هل من المعقول أنَّ إعلامهم سيتوقَّف بعد كشف هذه الكذبة عن كذبه؟

الجواب: قطعاً لا، فـ(ما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا).

بقلم: محمد العواودة