ليست حركة "فتح" فصيلاً من فصائل العمل الوطني الفلسطيني، بقدر ما هي أساس الوطنية الفلسطينية، وعمودها الفقري، وقائدة نضالها التحرري، وحين تُقرِّر "فتح" انطلاقًا من هذا الواقع الذي لها أمرًا ما، فإنَّه لن يكون لغير صالح الوطنية الفلسطينية ومشروعها التحرُّري.

وبلغة التاريخ فإنَّ "فتح" هي قدر الوطنية الفلسطينية، وعلى عاتقها تقع مسؤولية القيادة الإجرائية إن صح التعبير، لا الاستعراضية، ولا الاستحواذية، والتي عليها أن تتحمَّل أكثر ممَّا تحمل، والتي لا تخشى في صواب النضال الوطني، لومة لائم، في الوقت الذي تقبل فيه النقد المسؤول، والمراجعة الأمينة، ولها دومًا مهمة اتخاذ القرارات المفصلية والتاريخية، برؤية واضحة وبرنامج عمل واقعي، ولطالما كانت "فتح" كذلك، وما زالت، وهكذا ستبقى حتَّى انتصار المشروع الوطني الفلسطيني مشروع دولة فلسطين المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، وبالحل العادل لقضية اللاجئين.

ولم تُغفِل "فتح" يومًا، ولن تُغفِل، ضرورة الوحدة الوطنية، لتعاظم مسيرة الحرية الفلسطينية، وضمان تقدمها نحو تحقيق كامل أهدافها العادلة، لا بل إنَّ "فتح" في واقعها العملي ليست إلَّا بيتًا للوحدة الوطنية وحامية لها، والوحدة الوطنية هي بالقطع ليست وحدة الفصائل والأحزاب فحسب، وإنَّما هي وحدة الشعب بكل قواه وفعالياته المدنية، كما هي وحدة الأرض في إطار مشروعها التحرري.

ومن هُنا تدعو "فتح" اليوم لتشكيل حكومة وحدة وطنية، من فصائل منظّمة التحرير الفلسطينية الممثِّل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، وشخصيات مستقلّة، لضمان الإجماع الوطني نحو ضرورة العمل للخروج من جائحة الانقلاب الحمساوي البغيض، بعد أن بات واضحًا تمام الوضوح إنَّ الحوار مع "حماس" وما أنتج من اتفاقات، لم يعد يجدي كسبيل لتحقيق المصالحة الوطنية، وإنَّ خيار الحسم بعد اليوم لن يكون غير خيار صناديق الاقتراع، في الضفّة والقدس وغزّة، وهذه ستكون واحدة من أبرز مهمات حكومة الوحدة الوطنية المنوي تشكيلها، إضافة طبعًا لمهمات استراتيجية أخرى أهمها الوصول إلى واقع الدولة، والمضي قدمًا في استكمال مشاريع البناء في كافة مناحي الحياة التي أقرَّتها حكومة الوفاق الوطني .

هذه هي الحكومة التي تدعو "فتح" إلى تشكيلها اليوم، وهذه هي مهماتها الوطنية الضرورية، ومن شاء أن يأتي إليها ليُساهم في إنجاز هذه المهمات، فإنَّه سيأتي إلى عربة التاريخ الوطني الفلسطيني، ليمضي قدمًا مع الكل الوطني نحو تحقيق كامل أهداف شعبنا وانتزاع حقوقه المشروعة كافة، وغير ذلك فالمتفرّجون والمشكِّكون والمرجفون والاشتراطيون الرومانسيون والقابضون على صكّ المال الحرام، لا مقعد لهم في عربة التاريخ الوطني الماضية إلى الأمام، وستبقى لكلِّ أولئك قارعة الطريق يلوكون فيها أحاديث الوهم القاتلة.