إذا جاز لنا إطلاق مسمَّى على حكومة الوحدة الوطنية القادمة المتوقَّع تشكيلها، فإنَّنا نُفضِّل تسميتها "حكومة العقلانية الفلسطينية".

لماذا العقلانية؟ لأنَّها الشرط الرئيس والأساس لإدراك المعنى الحقيقي للوحدة الوطنية، ولأنَّها النواة الحية التي لا بدَّ منها لتشكيل الوطنية كفكرة وثقافة وسلوك وعقيدة سياسية.

العقلانية منهج علمي على أساساتها ترفع قواعد وركائز مؤسسات أي مجتمع ودولة، ودونها فإنَّ كل ما يفعله الانفعاليون الانفصاليون عن واقعهم مجرَّد محاولات للبناء على رمال متحركة.

العقلانية هي مسار آمن، شرط أن يكون الوطن نقطة بدايته، ونقطة نهايته، مسار لا محدود لارتباطه بالمستقبل، في هذا المسار تجري الحسابات وتستخلص العِبَر إثر التوقُّف عند كل محطة فيه، وعند المنعطفات والتقاطعات توجد الشارة التي تمنعنا من الاصطدام، وبعدها التي تشير علينا بالاستعداد للانطلاق والتقدم بسلام.

العقلانية الفلسطينية تعني التأمّل والتفكير والفحص والغوص عميقًا في أصول المشكلة قبل رسم الأفكار وطرح الحلول التي لا جدوى منها ما لم تكن على هيئة برامج وخطط، ومنهج عمل يلمس المواطن صوبه إنجازات ميدانية وشواهد حية على الأرض، وخلاف ذلك يعني "الهوبرة".

العقلانية الفلسطينية هي إنجازات حقيقية ثبتت أركان دولة فلسطين ووضعها القانوني في القانون الدولي، ومكَّنت فلسطين من الحضور في المجتمع الدولي كحضور أي دولة ذات سيادة مع إقرارنا إنَّ فلسطين ما زالت دولة تحت الاحتلال، فالعقلانية الفلسطينية برهنت للعالم أحقيتنا التاريخية وجدارتنا في المستقبل بدولة واستقلال وحرية بكل ما لهذه المصطلحات من معنى.

العقلانية الفلسطينية جعلت العالم يقر حسب منطوق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 19/67 - الذي نلنا على أثره موقع دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة بأنَّ المجلس الوطني الفلسطيني هو برلمان الفلسطينيين، وأنَّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي حكومة كل الفلسطينيين الذين في فلسطين وكذلك اللاجئين أينما كانوا.

العقلانية الفلسطينية تعني البناء على هذا الإنجاز لدى الشرعية الدولية وليس تدميره بأيدينا، فهذا الذي أغرق العالم بضجيج (الهوبرات) حول إعادة بناء هيئات ومؤسسات منظمة التحرير وضرورة استعادة مكانتها لقيادة كفاح الشعب الفلسطيني ونضاله، ويحاول الآن تكوير نفسه، ليدحله الآخرون إلى مربع حواجزهم وعوائقهم وعراقيلهم، وحقول ألغامهم التي زرعوها على درب مشروعنا الوطني هو في المقام المضاد للحكمة التي تعني حقًا العقلانية.

العقلانية مرادف للحِكْمَة التي تعني أيضًا في لسان العرب: الرشد، والعِبرة، الفطنة، الخبرة، سداد الرأي، المشورة، الصواب، الصرامة، العظة، والحنكة والرصانة والهداية.

أما أضدادها فهي الجَهل، والتَهَوُّر، والحماقة والرعونة والسفاهة والضَلال، والطيش والغَباء والنزق، والغِوَى والتَسَرُّع والتّيه.

الفارق ما بين الهداية والتيه كالفارق بين واحد يأخذك إلى الأمان، وآخر يأخذك إلى الجحيم !!

أيريد الرافضون تشكيل حكومة وحدة وطنية من الفصائل البقاء في مربع رمادي وهمي غير موجود أصلاً ما بين مربعي الحكمة والسفاهة؟! كيف لا يعلمون بانعدام المساحة ما بين مربعي الرشد والضلال، ما بين مربعي الوحدة والانفصال، ما بين التهور والعقلانية، ما بين الذكاء والحنكة، والغباء والحماقة؟!

لا عذر لمَن وضع على عينيه عصبة سوداء، وفقأ عيون بصيرته حتَّى لا يقر بسقوطه مع (جماعة الغواية)، رغم أنَّه أول ضحايا رعونتهم وطيشهم وضلالهم وتهورهم، وجهلهم!! إنَّ الفلسطينيين يرونه حتَّى وإن كان قد حجب رؤيته بيديه!!

آن الأوان للتحرُّر من حلقات قيود أوسلو الواحدة تلو الأخرى، ولكن ليس بالتسرُّع والنزق، وإنَّما بالحنكة والرصانة والرأي والموقف السديد، واستكمال العمل لتجسيد مؤسّسات دولة فلسطين وترسيخ مبادئ النظام السياسي الوطني التحرُّري الوحدوي العقلاني وتمكين منظمة التحرير بكلِّ أركانها من قيادة المرحلة المقبلة، مرحلة الانفكاك الكامل عن الاحتلال، مرحلة تنفيذ قرارات المجلسَين الوطني والمركزي، مرحلة خلق الانسجام بين منهجي التحرُّر والبناء.

فكِّروا لمرة واحدة وقرَّروا السير بإخلاص وصدق في درب النضال الوطني مع الرئيس أبو مازن (بورقيبة فلسطين) ورئيس السَّلام الفلسطيني الرئيس الإنسان، إذا كنتم تؤمنون بالعقلانية منهجًا صالحًا وصائبًا ليس للحياة وحسب، بل للحرية والاستقلال، فإنَّ أحببتم واحترمتم وقدرتم الزعيم المناضل نيلسون مانديلا - رحمه الله - فما الذي يمنعكم من السير مع الذي يشاوركم ويشارككم في القرار والمصير.