تشهد العاصمة الفلسطينية، القدس هجمة مستعرة من قِبَل (إسرائيل) الاستعمارية والولايات المتحدة بهدف أسرلتها، وتغيير طابعها وهُويتها الفلسطينية العربية. ورغم أنَّ الهجمة ليست جديدة بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنَّها ازدادت حدة وشراسة في العام الأخير بعدما أعلن الرئيس الأميركي ترامب الاعتراف بها عاصمةً لدولة (إسرائيل)، وبعد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب لها، وهو ما اعتبرته الحكومة النتنياهوية بمثابة ضوء أخضر لمواصلة عمليات التهويد والمصادرة واغتصاب العقارات وأملاك الحكومة الفلسطينية العامة وأراضي الوقف، وتشديد القبضة الحديدية على القيادات والكوادر الوطنية عبر سياسة الاعتقالات، والاستدعاءات المتكرّرة، وفرض الإقامات الجبرية عليها، أو منعها من مغادرة أماكن سكناها، أو منعها من التواصل مع قياداتها في رام الله، واستمرار سياسة الاقتحامات للمسجد الأقصى بشكل يومي ومنهجي كمقدمة لفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه، وبحيث يتلو ذلك عملية السيطرة الكلية عليه لتدميره وبناء ما يُسمّى الهيكل الثالث.

حرب إسرائيلية - أميركية مسعورة تجري في زهرة المدائن لتتكامل السياسات المعلَنة عن تهويدها وأسرلتها مع الانتهاكات الخطيرة الجارية على الأرض، حيث تتعاظم عمليات الإفقار والتجويع لأبناء شعبنا الفلسطيني من المقدسيين من خلال التضييق عليهم، وزيادة الضرائب، وتزوير الملكيات للعقارات، وفرض الإرهاب العنصري عليهم من قِبَل قطعان المستعمرين الصهاينة وأجهزة الأمن دفعًا تحت سيف الملاحقة والاعتقال للهرب من واقع الحال البائس والمريع، واللجوء للمساومة على أماكن سكناهم، بالإضافة لبناء المشاريع الاستيطانية على أراضيها بما في ذلك الحدائق العامة، وسقوط بعض السماسرة من الفلسطينيين والعرب ورجال الكنيسة الأرثوذكسية لشراء العقارات بمبالغ خرافية وبيعها للجمعيات الصهيونية، واللجوء لعمليات الإسقاط للشباب والفتيات بوسائل الترهيب والترغيب، ونشر المخدرات والدعارة لتفسيخ التماسك المجتمعي، وفقدان الثقة بالذات وبالمستقبل الوطني.

غير أنَّ الهجمة الاستعمارية الإسرائيلية لم تفلح حتى الآن في بلوغ ما تصبو إليه، لأنَّ أبناء الشعب الفلسطيني من أباء الوطنية الفلسطينية تصدوا لها، ومازالوا يقاومون بكل ما ملكت أيمانهم من عزيمة وإصرار لإسقاط المخطط الصهيوني الخبيث. وحتى العائلات الفلسطينية وقفت موقفًا شجاعًا في مواجهة حرب التزوير الإسرائيلية واغتصاب العقارات الفلسطينية، ونبذت كلَّ مَن سوَّلت له نفسه من أبنائها بالسقوط في المستنقع الإسرائيلي الأميركي ومن لفَّ لفهم في المنطقة، وأصدرت بيانات البراءة والتنكُّر لكلِّ من خان الأمانة والمسؤولية الشخصية والعائلية والوطنية، وساوم على حبّة تراب في القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المحتلة.

لكنَّ هذه الحرب المنفلتة من عقالها في مسرى النبي الكريم محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، وحيث تربض كنيسة القيامة تحتاج إلى جهود أكثر تنظيمًا وقوة، وتتطلّب رصد الموازنات المالية الكفيلة بتقديم الدعم للمحتاجين من أبناء القدس الفلسطينية، لا سيما أنَّ نسبة الفقر تزداد يومًا تلو الآخر في أوساطهم، وعمليات الملاحقة والاعتقال والمطاردة وسحب الهويات، وتزوير ملكية العقارات من قبل السماسرة واللصوص الصهاينة تتضاعف، وهو ما يملي علينا الضغط على الأشقاء العرب والقيادات الإسلامية والمؤسسات الكنسية العربية والعالمية وأنصار السلام في العالم لتأمين الأموال اللازمة لمواجهة التحدي، وأيضًا تصعيد المواجهة ضد كل العملاء من خلال الملاحقة السياسية والقضائية والأمنية لمحاصرتهم، وخنق وتصفية وجودهم نهائيا، وأيضًا مطلوب تعزيز وتصليب الوعي الوطني في صفوف الشعب، ورفع سوية الأمل والثقة بالمشروع الوطني من خلال تصعيد المقاومة الشعبية داخل القدس العاصمة وأحيائها كلها.

معركة القدس العاصمة، معركة حياة أو موت للدفاع عن كل شبر فيها، وهي عنوان وركيزة الاستقلال السياسي للدولة الفلسطينية. وعلى أهمية كل المدن والقرى الفلسطينية، فإنَّ القدس تحتل الأولوية المركزية في النضال الوطني، ولا يجوز التراخي أو التهاون في ملفاتها المختلفة. وهنا لا يكفي ما كنا وكان غيرنا يطالب به، وهو توحيد جهات ومؤسسات الاختصاص بالعاصمة، بل يفترض توفير كل مقومات الصمود والمواجهة، ووضع برنامج كفاحي شعبي ورسمي، إعلامي وثقافي وفني وتعليمي تربوي، ديني ودنيوي، اقتصادي وسياسي وأمني واجتماعي ورياضي وبيئي وعلى كل الصعد والمستويات.

وليكن شعارنا الدائم والثابت: "لا سلام ولا استقرار دون تحرير القدس عاصمة فلسطين الأبدية"، حتى تبقى زهرة المدائن بوصلة كفاحنا التحرري الوطني، وحتى يعلم القاصي والداني من إسرائيليين وأميركيين وعرب وعجم والعالم كله مركزية القدس في المشروع الوطني.