عدد من الدول العربية تتسابق لإقامة علاقات (طبيعية) مع الدولة الصهيونية العنصرية العرقية التي تكره العرب وتزدريهم، وتسعى جاهدةً للسيطرة عليهم جغرافيًّا واقتصاديًّا، وفي ترويجها للرواية الأسطورية القديمة والحديثة.

الدول العربية الرسمية -إلّا مَن رحم ربي- تظنُّ أنَّها تجد في علاقاتها المتطورة مع الدولة الصهيونية حضنًا دافئًا يُقرّبها لحامية المنطقة أمنيًّا واقتصاديًّا وأنظمةً أي الولايات المتحدة الأمريكية.

لا شك أنَّ عددًا من زعماء الدول العربية يخافون على أنفسهم وأنظمتهم إلى حد الرعب، لذا فهم قد خنعوا وجثوا على ركبهم، وتوسلوا السلطان الأعظم أن يبارك لهم هذا الخنوع والخضوع، فلم يكن من صاحب المشهد الفاقع إلّا أن يُلزِم مثل هؤلاء أن يقدّموا فروض الولاء والطاعة للربيبة "إسرائيل".

لا شك لدي ولدى كل العرب والفلسطينيين بثبات الانتماء الديني والقومي والحضاري للأُمّة تجاه فلسطين، وتجاه القدس وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

كما لا شك لدى كل أحرار العالم وأبناء الأمة بأنَّ فلسطين المقدسة مقصد مسيحيينا ومسيحيي العالم حيث مهد المسيح وكنيسة القيامة. نعم لا شك.

إنَّ القضية الفلسطينية، التي تعني أرض فلسطين جغرافيًّا ومكانًا وتراثًا وشعبًا، كانت القضية المركزية للأمة، وستظل، رغم أنَّها تبدو اليوم متوارية خلف المسرح أو تحت ثقل الكثير من الأزمات التي ينوء بها ظهر زعماء العرب الذين ما كان تفتيتهم إلّا مخطّطًا مقصودًا، فالنتيجة تؤشّر على طبيعة المخطط القديم والمشؤوم.

حساب هؤلاء الزعماء-ونحتسبهم قلة في الأمة- بدأ يتخذ مجرى بعيدًا كليًّا عن التيار الجماهيري العام، أي بعيدا عن تيار الارتباط الوحدوي بالأمة من الشرق إلى الغرب.

المخطَّط الغربي-الصهيوني المشؤوم ضد فلسطين والأمة مخطط قديم، لا يمكن أن يديم وجود الكيان الصهيوني في قلبنا، إلّا بحالة واحدة فقط وهي: تفكيك الانتماء الحضاري العربي الإسلامي-المسيحي الشرقي وهذا ما تبدو بوادره.

هل كان "الربيع" أو "الخريف العربي" الذي دعا بدايةً لرفع الظلم، ودعا للعيش والحرية والعدالة نعيمًا أم كان سيفًا؟ هل كان هذا الربيع ثورة حقيقية ثم رُكبت الموجة وتمَّ حرفها لتجز عنق كل المشتركات العربية إلى اللحظة التي قال فيها الإسرائيليون أن العلاقات مع الدول العربية تعيش اليوم (ربيعًا) وذلك في 28/11/2018،كما أوردت الإذاعة الإسرائيلية بفرحٍ طاغٍ!

هل يمكننا فك ألغاز ركوب موجات "الربيع العربي" فنقول أنه وصل بنا لهذه المرحلة من الانهيار العربي غير المسبوق؟ أي إلى مرحلة الربيع (الإسرائيلي العربي)! بإقامة العلاقات الودية إلى الدرجة التي يزورون فيها بعضهم البعض برحابة غريبة! وكان آلاف الاعتداءات اليومية الصهيونية والقتل الوحشي والإرهاب الإسرائيلي، وجثوم الاحتلال على فلسطين، ومئات الممارسات والقوانين العنصرية ضدنا وضد العرب أنفسهم كأنها هباءً منثورًا!

الأُمّة العربية وكما كان يشدد القادة الأوائل من حركة "فتح" والثورة الفلسطينية هي أمة يشد بعضها بعضا، فهي ومهما حاولت القوى الاستعمارية الغربية وخنجرها في جسد الأمة "إسرائيل" هي أمة لا تلتفت لبضعة منهارين من الأفراد أو لمجموعة من الزعماء الذين آثروا العاجل المصلحي على الآجل الاستراتيجي.

يلجأ كثير من العرب لتبرير بنائهم العلاقات مع الكيان الإسرائيلي إلى أنّ السلطة أو الفلسطينيين أو المنظمة هي من فعلت ذلك مسبقًا، وما صدقوا، وكأنّهم لم يعرفوا أو تناسوا أو لم يقرأوا أن خرق الإجماع العربي منذ عام 1977 قد كسر ما كان يسمّى الحاجز النفسي، فتنفّس عديد الأنظمة الصعداء! ولتبدأ محطات الضغط المتواصلة على القيادة وصولاً لما وصلت إليه كما ذكر الكاتب عمر حلمي الغول واتفق معه.

لا مبرِّر مطلقًا لأي دولة عربية أن تقيم علاقات مع الدولة الصهيونية العنصرية مادامت جميعها منذ الخالد ياسر عرفات قد وافقت على المبادرة العربية التي ترى زوال الاحتلال كليًّا عن دولة فلسطين واستقلالها هو المدخل الوحيد لهذه العلاقات.

سواء أكان الربيع ربيعًا عربيًّا، أم خريفًا، وسواء أكان المتربّصون بالأمة من الشمال والشرق والغرب كثيرون في كل الأحوال فإنَّ أمّةً بلا قلب حتمًا سيتوقَّف فيها شريان الحياة، فكيف وفلسطين هي القلب؟