جرت الانتخابات الأميركية النصفية في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، التي علق عليها الكثير من المراقبين الآمال في هز موقع الرئيس دونالد ترامب خصوصًا والحزب الجمهوري عمومًا، أو على أقل تقدير التيار المحافظ في الحزب. غير إنَّ النتائج لم تحمل مفاجآت غير متوقعة، العكس صحيح، حيث جاءت وفق ما ذهبت إليه استطلاعات الرأي، وجميعها أجمع على فوز الديمقراطيين بمجلس النواب (الكونغرس) فقط، ومواصلة الغلبة للجمهوريين في مجلس الشيوخ وهو ما حصل فعلاً.

مع ذلك يعتبر فوز الديمقراطيين بالأغلبية في الكونغرس 219 مقابل 194 للجمهوريين خطوة بالاتجاه الصحيح نسبيًا لضبط إيقاع عملية التشريع عمومًا، وحماية ما سنته إدارة باراك أوباما السابقة، خاصة فيما يتعلق بالتأمين الصحي (اوباما كير)، وأيضًا لكبح شطط الرئيس الشعبوي، الذي كان يعتقد أنه طليق اليدين والصلاحيات فيما يريد من توجهات وقرارات. لا سيما وإنه خلال العامين الماضيين من ولايته كان يتمتع بدعم الجمهوريين في المجلسين (النواب والشيوخ) دون معارضة حقيقية. وبالتالي فوز الديمقراطيين بمجلس النواب يعطيهم القدرة على مواجهة أيَّة قرارات لا تخدم الولايات المتحدة الأميركية، أو تؤثر سلبًا على مكانة أميركا الداخلية والأممية.
غير أن فوز الديمقراطيين، كان فوزًا ناقصًا، وعكس عدم تمكنهم من تغيير قواعد اللعبة مع الإدارة الجمهورية الفاشلة من وجهة نظرهم، لأنَّ عدم تمكنهم من الغلبة في مجلس الشيوخ أثر سلبًا على قوتهم وتوجههم بالتسريع بعزل ترامب. لا بل إنَّ القراءة الموضوعية تشير إلى إنَّ قاعدة وشعبية الرئيس الجمهوري الشعبوي، مازالت تحافظ على قوتها، ولم تهتز نهائيًا بالمعنى الدقيق للكلمة. وهو ما منح بعض المراقبين الاستنتاج بأنَّ إمكانية فوز ترامب بولاية ثانية، هي إمكانية واقعية، وليس المحافظة على بقائه طيلة سنوات الدورة الحالية.

وعليه فإنَّ المعادلة الجديدة في الساحة الأميركية، رغم إنَّها غيرت موازين القوى بين الحزبين لصالح الديمقراطيين، الذين غابوا عن الأغلبية في الكونغرس طيلة العقد الماضي تقريبًا، لكنها عكست تمكن الجمهوريين من الإمساك بقرون السياسة الأميركية، لأنَّ الدستور الأميركي يسمح لساكن البيت الأبيض في حال تصادم مع الأغلبية البرلمانية في الكونغرس بتجاوز ذلك، والمصادقة على أي قرار أو قانون، مع أنَّ ذلك يوسع الفجوة بين الحزبين، ويعمق الانقسام داخل الشارع الأميركي، ويضاعف من الأزمات العميقة، التي تعصف بالولايات المتحدة منذ نهاية عام 2008.
لكنَّ الانتخابات الأخيرة حملت في طياتها مجموعة من الملامح الإيجابية النسبية، مثل:

أولاً: زيادة الإقبال في أوساط الشعب الأميركي على الانتخابات وخاصة بين الملونين والسود والمسلمين المستهدفين من قبل الرئيس الأميركي وإدارته والبيض العنصريين، وتمكَّنوا من الدفع بعضوتين عربيتين إلى الكونغرس، وهن الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، والصومالية إلهان عمر. وهي المرة الأولى لوصول المرأة العربية لمنصة التشريع.

ثانيًا: وصول عضوتين من السكان الأصليين أيضًا لسدة الكونغرس.

ثالثًا: انتخاب مئة امرأة لعضوية الكونغرس، معظمهن من الحزب الديمقراطي، 84 عضوة مقابل 16 من الحزب الجمهوري.

رابعًا: انتخاب مثلي، هو جاريد بوليس، حاكم ولاية كولارادو، وهو ما يتناقض مع توجهات الحزب الجمهوري، وهو جمهوري. فضلاً عن انتخاب مناصرين للإجهاض من أوساط الجمهوريين. وهذا يكشف أنَّ الحزب الحاكم ليس متزمتًا في توجهاته الفكرية والاجتماعية. ما يضع علامة سؤال على مصداقية تمسك الحزب ببرنامجه الانتخابي.

في كل الأحوال الانتخابات النصفية الأخيرة شكَّلت محطة في مسيرة الشعب الأميركي، رغم إنَّها لم تحمل مفاجآت دراماتيكية. وبالتالي بقي الحال على ما هو عليه بالمعايير المعروفة والسائدة من التوازن بين الحزبين المركزيين في أميركا.

تبقى مسألة هامة تملي الضرورة التأكيد عليها، إنَّ ما حدث لم يقدم أو يؤخر فيما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته السياسية، لأنَّ كلا الحزبين لا يختلفان في هذه المسألة، لأنهما داعمان لإسرائيل الاستعمارية. وهو ما يفرض على العرب والمسلمين ومن معهم وضع خطة عمل لإحداث نقلة إيجابية في الانتخابات المستقبلية للتأثير على صانع القرار في الولايات المتحدة الأميركية.