خاص/ مجلة القدس العدد 316 - حـوار: ولاء رشيد

كان لقرار الأونروا الأخير والقاضي بوقف بدل الايواء المخصّص للاجئين الفلسطينيين من سوريا وقعٌ مدوٍّ على المجتمع الفلسطيني لا سيما انه اقترن مع حديثٍ عن سعي الاونروا لوقف خدماتها او تقليصها للاجئين الفلسطينيين في لبنان مما أثار موجة من التساؤلات والتَّكهُّنات، التي وصلت حد التوجُّس من سعي الأونروا لانهاء خدماتها بشكل نهائي. وللاستيضاح حول حقيقة الأمر وحيثياته، كان لنا لقاء مع مدير عام الأونروا في لبنان السيد ماتياس شمالي.

 

كثُرَ الحديث عن نية الأونروا وقف عدد من الخدمات في لبنان او تغيير طريقة تقديمها لها بسبب وجود عجز مالي في ميزانيتها. فما هي حقيقة هذا الأمر؟

كنا قد أعلنا أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تعاني عجزًا في الميزانية العامة التي تغطي أقاليم عملها الخمسة وهي لبنان وسوريا والاردن والضفة الغربية وغزة، وذلك ناجم عن تزايد حاجات الأونروا بسبب الازدياد الهائل في أعداد اللاجئين ونشوء عدد من حالات الطوارئ في مناطق عملها، وفي الوقت ذاته، فإن الجهات المانحة والدول الاعضاء في الامم المتحدة الدول الذين يموّلون ميزانية الأونروا عبر مساهمات طوعية أعلنوا أنهم يعجزون عن رفع سقف تقديماتهم لمواكبة هذا التنامي في حجم نفقات خدمات الأونروا الأمر الذي أدى لحصول العجز. وبالتالي فإن هذا العجز المالي فرضَ علينا التفكير في اجراءات من شأنها تقليل النفقات لتتلاءم مع الميزانية الـمُتاحة.

ولدى اعلاننا ذلك أُثيَر كثير من اللغط من قِبَل المجتمع المحلي والأوساط الفلسطينية والإعلام حول ما ستقوم به الأونروا، لجهة وقف او تعليق او تقليص الخدمات، ولكننا نؤكّد أنه لن يكون هناك وقف لأيٍّ من الخدمات الأساسية التي تقدّمها الاونروا. ولكن لنوضح ما سيحدث ينبغي بدايةً أن نميّز بين الخدمات الاساسية الثابتة التي تُموَّل مما يسمّى بالتمويل العام التي تقدّمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في لبنان أو أي من أقاليم عملها، ويُقصَد بها بالدرجة الاولى خدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية، وغيرها، وبين برامج الطوارئ، وهي برامج تنشأ للتخفيف من آثار الحالات الإنسانية الطارئة، ومن الامثلة على عمل الطوارئ هو الدعم الذي نقدّمه للاجئين الفلسطينيين من سوريا. بالنسبة للميزانية العامة للعام 2015  فهي تبلُغ 680 مليون دولار أمريكي توفَّر منها حتى اللحظة حوالي 350 مليون دولار امريكي فقط، وقد فاق العجز حتى اللحظة 100 مليون دولار امريكي لتغطية أنشطتنا الرئيسة للعام 2015، وبحكم المعطيات فإذا لم نتمكّن من الحصول على مزيد من التمويل سنكون قد استنفذنا الموارد المالية الموجودة مع نهاية شهر أيلول الـمُقبِل، إلى جانب العجز في تمويل برامج الطوارئ.

وللإجابة على سؤالك، فإن الخدمة الوحيدة التي تقرَّر وقف تنفيذها حتى اللحظة هي على صعيد خدمات الطوارئ، حيث ستقوم الاونروا -آسفةً- بوقف المساعدة النقدية المخصّصة للايواء التي كانت تُمنَح للاجئين الفلسطينيين من سوريا والبالغة قيمتها 100دولار للعائلة الواحدة، ابتداءً من شهر تموز القادم، بسبب عدم توفر التمويل الكافي حتى اللحظة، ولكن هذا الوقف لن يشمل المساعدة النقدية المخصّصة كبدل غذاء وقيمتها 27دولار للفرد الواحد من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا تمّ تحديد قيمتها تبعًا لسلة غذائية وضعها برنامج الاغذية العالمي في المنطقة، فنحن سنواصل تقديم المساعدة النقدية الخاصة بسلة الغذاء، ما دام ذلك مُمكِنًا، ولكننا قد نضطر لخفض قيمتها، حيث ان برنامج الاغذية العالمي، الذي يقدّم مساعدة بدل الغذاء الشهرية للاجئين السوريين (27دولار) يقوم بتقديم جزء من هذه المساعدة لنا بقيمة 9دولار من أصل الـ27دولار، وكان البرنامج قد خفّض هذه المساعدة مطلع كانون الثاني 2015 إلى 19دولار، وحاليًا أعلن خفضها لـ13.5دولار، بسبب نقص التمويل الكافي لديهم، وبالتالي كونهم يساهمون بمبلغ 9دولار، ففي حال قاموا بخفض ما يقدمونه لنا فهذا سيؤثّر على قيمة المساعدة التي نقدمها للاجئين الفلسطينيين من سوريا والتي واصلنا بالاصل تقديمها بقيمة 27دولار رغم خفض قيمة المساعدة في المنطقة، ونأمل أن نتمكّن من المحافظة عليها على الاقل حتى شهر أيلول، رغم اننا قد نضطر ان نخفّضها مع العجز الحالي، كما نأمل ان نتمكّن من مواصلة تقديم المساعدة النقدية المخصّصة للغذاء حتى نهاية العام الحالي.

أمَّا بالنسبة للخدمات الثابتة فلن يطالها أي وقف وانما ستخضع لإعادة إدارة للنفقات كجزء من التدابير الـمُتَّخَذة لمواجهة العجز في الميزانية، وبالتأكيد سيؤثّر ذلك ايضاً على مشروع نهر البارد حيث ان الاموال المتوفرة حتى الان بالكاد تكفي لتغطية إعمار  60% من مساكن الأهالي التي تعهّدت الاونروا بتغطيتها.

 

هل لك أن تفصّل الخطوات والتدابير التي ستتخذها الأونروا في مواجهة هذا العجز في الميزانية؟

لقد أعلنا عن وقف مساعدة بدل الايواء عن اللاجئين الفلسطينيين من سوريا قبل تنفيذها بشهر، وذلك لسببين الأول ألّا يكون الأمر مفاجئًا لهم، والثاني والأهم للضغط على المجتمع الدولي عبر التركيز على مدى جدية الأمر، ولا بد ان اشير الى ان هذا الامر آتى ثماره حيث استقطب اهتمام المتبرعين والاعلام وغيرهم من المعنيين، وفي حال حصلنا على دعم أكبر فنحن مقتنعون ان ذلك سيكون ناتجًا عن الضغط الذي مارسناه.

ولضمان استمرار الخدمات في ظل العجز، ولتأكيد مصداقيتنا لكافة الشركاء الذين تعتمد الأونروا عليهم من أجل الدعم، سنقوم باتباع سياسة تقليص للنفقات، ولا بدّ من التنويه إلى الفرق الشاسع بين وقف الخدمات ومحاولة تقليص كلفتها. فعلى سبيل المثال، هناك قرار يُدرَس ولم يتخّذ بعد لتقليص النفقات ضمن خدمة التعليم عبر زيادة حجم الشُّعَب الدراسية بمعنى رفع سقف عدد الطلاب في الشعبة الدراسية، وخفض عدد المعلمين، ولهذا نقوم بدراسة خيار رفع سقف عدد الطلاب في المدارس التي تملكها الأونروا إلى 50 طالبًا، وفقط في تلك التي تتوفّر فيها الشروط الملائمة لاستيعاب هذا العدد من الطلاب، حيثُ ان عددًا من المدارس حين بُنيَت كانت مُعَدة بنيويًا لذلك، ولا شك أننا نعي أن الصفوف الاكثر اكتظاظًا هي اكثر صعوبة للتعليم لأن المعلم لن يكون قادرًا على منح الاهتمام نفسه لـ50 طالبًا مقارنة مع 30 طالبًا، مع الاشارة الى ان رفع السقف لـ50 لا يعني بالضرورة وجود 50 طالبًا بالفعل في الصف. صحيح أن هذا الخيار يعني تقليص بعض الوظائف، ولكن ذلك لا يرقَى لدرجة وقف خدمة من الخدمات، وهو خيار اضطراري ومؤلم لتفادي خيار سيكون أشد ضررًا وهو وقف الخدمة، مع العلم ان ممثلي اتحاد العمال اعربوا عن استعدادهم للعمل دون اجر حتى وصول التمويل، وهذه هي نفسها العقلية التي تتمتع بها قيادة الاونروا. ولا شك أن صرف المعلِّمين في حال اتُخذ هذا القرار، لن يتم بشكل مباشر وبعشوائية، وانما تدريجيًا مع مراعاة انهاء خدمات المعلمين الذين اصبحوا في سن التقاعد، بحيث لا يتم استبدال المعلمين الذين أُنهِيَت خدماتهم.

وإلى جانب ذلك أطلقنا مبادرة "الترك الطوعي الاستثنائي للخدمة" والتي تتيح للموظفين الذين يستوفون شروط التأهل لتلك المبادرة أن يختاروا طواعية ترك الخدمة في الوكالة قبل بلوغهم سن التقاعد.

أمّا بالنسبة لقطاع الصحة فلا بد أن اشير انه في لبنان لدينا مشكلة لأن كلفة الاستشفاء بالتحديد وخاصة ما نسميه بالخدمات الصحية من الدرجة الثانية والثالثة مرتفعة جدًا، ويمكنني القول ان نصف ميزانية الاستشفاء العامة المخصّصة للأقاليم الخمسة تُنَفق في لبنان اي ان كلفة الاستشفاء في لبنان تعادل كلفة الاستشفاء في اربعة اقاليم، وهي في ازدياد، وهذا من اسباب وجود العجز حيث ان النفقات ترتفع بوتيرة اعلى بأشواط من وتيرة زيادة ضخ التمويل، ولهذا نحتاج لإدارة هذه المشكلة. ومن الأمثلة على الاجراءات التي ستُتَخَذ، أنه يوجد نظام بموجبه يختار المريض المستشفى الذي يريد اجراء العملية فيه من بين مشافي الهلال الاحمر الفلسطيني والمستشفيات الحكومية والمستشفيات الخاصة، بالتساوي بين هذه الاختيارات في حال كانت العملية مُتَاحة فيها جميعًا، وبالطبع فالأعلى أجرًا هي المستشفيات الخاصة، لذا ما سنفعله هو ان نضع سياسة توجيهية تراتبية تبدأ بمستشفيات الهلال الاحمر، فالمستشفيات الحكومية وبعدها المستشفيات الخاصة عوضًا عن منح المرضى الخيارات الثلاثة بالتساوي. ولعدم حصول اي لغط اود التنويه إلى انني في زيارتي مؤخّرًا لمخيم برج البراجنة كان هناك بعض الأهالي المستائين من أن الأونروا تراجعت في تحملها لتكلفة علاج مرضى السرطان، لذا لا بد أن أوضح أن سياسة الأونروا لم تتبنَ يومًا تقديم دعم كامل لعلاج مرضى السرطان كونهم يحتاجون علاجًا دائمًا بل نحن نقدّم وسنواصل تقديم التغطية التي تقارب 8000دولار سنويًا، ولكنني اتفهم وضعهم وأعرف صعوبة الأمر ولو انني كنت لاجئًا مريضًا بالسرطان كذلك ولم احصل على كامل كلفة العلاج فبالطبع سيمثّل الأمر لي مشكلة.

 

ما الذي تمّ التوصّل اليه من خلال متابعتكم للأزمة مع المعنيين من الدول المانحة والفصائل الفلسطينية؟

حتى اللحظة لا يمكنني القول ان هناك شيئًا ملموسًا، ولكن جميع المعنيين مهتمون وقلقون ازاء هذا الأمر. ولكن لا ننسى أن جميع المتبرعين يعانون مشكلات أساسية وهائلة في التمويل، بسبب الأزمات الاقتصادية والتزامهم بحالات طارئة أخرى نتيجة الصراعات في المنطقة، وكذلك جميع شركاء الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية (NGO’s) الذين يدعمون اللاجئين السوريين ومن ضمنهم اللاجئين الفلسطينيين من سوريا. واهمية الاشارة الى ذلك تنبع من ان بعض اللاجئين الفلسطينيين يعتقدون ان التقليص يستهدف الفلسطينيين فحسب، ولكن في الواقع هذا التقليص يستهدف السوريين، وبالنسبة للمجتمع الدولي فاللاجئون الفلسطينيون من سوريا هم جزء من اللاجئين السوريين ومن الطبيعي أن يطالَهم التقليص. لذا فالأولوية الآن هي للبحث عن مصادر تمويل جديدة، عد ان اكد المموّلون الاساسيون عجزهم عن رفع سقف مساهماتهم.

ولا شكّ أن حل هذه الأزمة يحتاج عملاً تكامليًا واستقطابًا لاهتمام المجتمع الدولي من قبل المعنيين كافةً. وبحكم لقائي بممثلي مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية وسعادة سفير دولة فلسطين في لبنان فقد علمتُ ان الجميع يتواصل على كل المستويات لاستقطاب الاهتمام والدعم المطلوب.

كذلك فقد توجّه المفوض العام للمتبرعين موضحًا خطورة الموقف وأنه إذا استمر الأمر على ما هو عليه ففي مرحلة ما سيحتاج الأمر أكثر من مجرد تقليص النفقات، ولكن في الوقت ذاته وجّه المفوض العام رسالة للمتبرعين ولشركائنا وبدوري كنتُ واضحًا بهذا الشأن بصفتي مديرًا عامًا للاونروا في لبنان، بأن المشكلة في نهاية المطاف ليست خدمات ونفقات الاونروا بل هي كما قال بدوره السكرتير العام للامم المتحدة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ شهر تقريبًا ان الأونروا نشأت كنتيجة للفشل السياسي في الوصول لحل للقضية الفلسطينية، لذا ينبغي ان يبدأ العالم بمعالجة المشكلة السياسية التي أدت لنشوء الاونروا. وبكلام المفوض العام هناك حاجة لحل عادل للقضية الفلسطينية، ونحن نعلم ماذا يعني هذا، ولكن ليس بمقدورنا ان نحل المشكلة السياسية كوننا لسنا سياسيين، بل إن واجبنا أن نضمن ان الأونروا تقدّم أقصى طاقتها وفق الموارد الـمُتاحة، ولكن في نهاية اليوم قد تقلّص الاونروا النفقات وتقدم خدماتها وتكافح لتبقى موجودة ولكن شيئًا لن يتغيّر والمشكلة ستبقى قائمة طالما لا وجود لحلّ عادل للقضية الفلسطينية.

 

ما صحة ما يُقال عن أن هذا التقليص هو تمهيد أو مؤشر لانهاء عمل الأونروا؟ وهل هناك احتمال ان ان يتوقّف التمويل نهائيًا عن الاونروا؟

هذا ليس سيناريوهًا محتملاً، فالـ350 مليون دولار امريكي التي يدفعها المانحون الـ20 الأساسيون مضمونة، ليس فقط لهذا العام وانما لبضعة أعوام أخرى على أقل تقدير، وبالمناسبة فهذا المبلغ كان أقل من ذلك، وقد أخذ يزداد بانتظام ولا سيما في الفترة الأخيرة، أي أن المساهمين لم ولن يسحبوا مساهماتهم وكل ما في الأمر انه كما ذكرتُ لم يعد بإمكان المساهمين الأساسيين دفع أكثر مما يقدمونه سنويًا، مع العلم أنهم كانوا يزيدون مساهاماتهم سنويًا ولكن بدرجة طفيفة، وبما أن معظمهم من الحكومات الغربية، تبرز الحاجة للبحث عن مصادر تمويل جديدة سواء أكان من الدول العربية أو البرازيل أو دول "البريكس" عمومًا.

 

ما هي رسالتكم للاجئين الفلسطينيين والمجتمع الدولي؟

للاجئين الفلسطينيين جميعًا نؤكّد اننا مدركون لاحتياجاتهم ونحن حين نضطر لتقليص او وقف خدمة فهذا لا يعني أننا نظن انهم لا يستحقونها بل على العكس نحن نعي حاجتهم للمساعدة، ولكننا نكون مضطرين لذلك بحكم ارتباط الأمر بالميزانية المتاحة. وأود الإشارة إلى أنني اؤيد وارحّب بالتحركات والتظاهرات السلمية التي نفّذها وينفّذها اللاجئون الفلسطينيون وبرأيي هي تشكّل احدى ادوات الضغط واستقطاب الاهتمام الدولي لقضيتهم واحتياجاتهم، وستساهم برفع الصوت حول خطورة ما قد يحدث في حال لم نتمكّن من الحصول على التمويل الكافي، ولكن اريد التشديد على ان هذه التحركات ينبغي ان تكون موجّهة باتجاه المجتمع الدولي لاننا كأونروا لسنا العدو بل نحن وسيط ووسيلة لتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين عبر التقديمات التي نتلقاها، واستقطاب الاهتمام سيحتاج كذلك للعمل على كافة المستويات.

 وللمجتمع الدولي كنا قد أعربنا عن قلقنا وحذّرنا من مغبّة ما قد يحدث في حال لم نتمكّن من مواصلة تقديم الخدمات حيث سيكون للأمر تداعيات على كافة المستويات، وقد تصبح الاعتراضات والتظاهرات اكثر عدائية، إلى جانب تنامي ظاهرة محاولة الفلسطينيين الوصول لشواطئ اوروبا وغرق الكثيرين في البحر الابيض المتوسط في ظل نشوء وتنامي المزيد من الجماعات المتطرفة، لذا ففي مصلحة الفلسطينيين والحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي ان يتم الوصول لحل، والحل الحقيقي هو الحل العادل بالنسبة للقضية الفلسطينية، وحتى تحقق ذلك يكون الحل الثاني هو مساعدة اللاجئين على العيش بكرامة والاونروا هي الوسيلة الاساسية لذلك، مما يضع المسؤولية على المجتمع الدولي.