إثنان وتسعون ضحية نروجية سقطت على يد مجرم يميني نرويجي. مجرم لا علاقة له ب"تنظيم القاعدة" ولا ب"الاسلام السياسي الجهادي" . تفجيران هزا مدينة اوسلو، حتى أعادتها لزمن غابر، زمن موحش، وحشة الحرب العالمية الثانية. اوسلو المدينة الآمنة والمسالمة، الوادعة والمحبة للسلام، وصناعة السلام، إنتهك حرمة أمنها وسلمها المجتمعي شاب مجنون، حاقد ورافض لمبدأ التعددية الثقافية والدينية، ورافض للمهاجرين القادمين من بلدان الشرق الاوسط تحديدا.

لا ضرورة لذكر إسم الشاب، ولا عمره، فقط المطلوب ذكره، جنسيته، وديانته، وفكره السياسي وسلوكه غير الادمي البشع، الذي أودى بحياة إثنين وتسعين شابا وفتاةً في مقتبل العمر من النروجيين المسالمين من شبيبة حزب العمال الحاكم في جزيرة اوتويا، التي لا تبعد سوى اربعين كيلو مترا عن اوسلو، التي ذهب سبعة ضحايا فيها نتيجة الانفجارين البشعين.

كما كل الحكومات الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ودولة الابرتهايد الاسرائيلية، حذرت النرويج من أعمال ارهابية من جماعات إسلامية متطرفة. ولم تفكر تلك الدول ان نسيجها المجتمعي والحزبي والديني يحمل في بنائه الداخلي عناصر إرهابية. لان الاحزاب اليمينية المتطرفة، والجماعات الدينية المسيحية المتشددة والاقصوية، لاتختلف بشيء عن الجماعات الاسلامية المتطرفة، ولا عن الجماعات اليهودية المتطرفة، ولا عن اي جماعة دينية من السيخ او البوذيين او الهندوس، لان تلك الجماعات المهوسة، والمسكونة بصناعة العداء للآخر أي كان إنتماؤه او دينه، ترتبط بقاسم مشترك واحد، هو، إنتاج الارهاب وتفتيت النسيج المجتمعي تحت ذرائع ومسميات مختلفة.

هذه الجماعات المتطرفة المسيحية لاتقل خطورة عن اي جماعة دينية مهما كان اسمها او مكان إقامتها او لون المنتمين لها. وبالتالي وصم الارهاب بمجموعة بشرية محددة، وتنتمي لدين بعينه ليست سوى إفتراء على الحقيقة. وفيها نزوع عنصري بغيض يستهدف جماعة بشرية بعينها، اتباع الدين الاسلامي دون سواه. مع ان القاصي والداني يعلم ان انصار كل الديانات، وخاصة المجموعات المتطرفة والشاذة شركاء في جريمة الارهاب واشاعة النزعات العنصرية، والمغذية للفاشية. وهذه الجماعات الدينية شريكة للاحزاب اليمينية المتطرفة في الدول والقوميات المختلفة.

ومن يعود للارهاب الاسرائيلي المتنامي، والمؤجج لمشاعر الكراهية والحقد ضد الفلسطينيين والعرب في داخل المجتمع الاسرائيلين وفي الاراضي المحتلة عام 1967، يستطيع ان يكتشف حجم ومستوى الترابط بين انصار الارهاب من القوى الصهيونية المتطرفة وانصار الجماعات الدينية، واتباع فتاوي الحاخامات داخل اسرائيل، مع جماعات اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة واوروبا بما فيها النرويج التي عاشت المأساة خلال اليومين الماضيين، ومع الجماعات الاسلامية المتطرفة ومطلق جماعة دينية مهما كان اسمها او شكل ومحتوى عقيدتها.

إذاً الارهاب لا لون له ، ولا دين له. الارهاب آفة خطرة أصابت، وتصيب كل الجماعات والشعوب. وتتنامى مع تنامي روح العسكرة والحرب والنهب والاحتلال والعدوان كما في الولايات المتحدة ودولة الارهاب الاسرائيلي المنظم. كما تبرز نتيجة تراخي الدول الديمقراطية في مراقبة ميول مواطنيها.

مما لاشك فيه، ان الديمقراطية حاجة ماسة للمجتمعات البشرية كلها. لانها تمثل ثروة هائلة لتفتح وتطور المجتمعات المختلفة. ولكن الديمقراطية في الدول تحتاج الى مراقبة الميول الارهابية الخطيرة داخل نسيج الشعوب الاجتماعي والسياسي والثقافي لضبط ايقاع تطورها، وحمايتة من كل المثالب والتفسخ الاجرامية، كما حدث في النرويج وفي الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم. وكما يحدث في فلسطين نتاج جرائم وارهاب المحتلين الصهاينة المتطرفين، الذين يهددون السلم الاقليمي والعالمي على حد سواء، إذا لم يقف العالم المتمدن ضد سياسات دولة الاحتلال والعدوان العنصرية الاسرائيلية، واذا لم يضع حدا للاحتلال الابشع والاطول، الذي دخل القرن الحادي والعشرين، مكبلا حرية الشعب العربي الفلسطيني بقيوده الاجرامية على مدار ستة عقود ونصف تقريبا. 

إذاً لتشكل شعوب الارض قاطبة إئتلاف السلم المجتمعي والسلام العالمي لمواجهة القتلة من انصار الديانات والاحزاب والقوى اليمينية المتطرفة، لحماية السلم العالمي، وحتى تتفرغ شعوب الارض لمجابهة الاخطار البيئية وحاجات المجتمعات في التنمية المستدامة وتعميق الحريات وبناء الدول المدنية في كل بقاع الارض.