يتم في الآونة الأخيرة استنزاف صمود اللاجئ الفلسطيني في سوريا ولبنان، هذا الاستنزاف الذي بلغ أوجه في أخطر فصولٍ ترتسم في المنطقة العربية ،وكم أصبحت المقاربات القاتلة التي تستهدف تواجد الفلسطينيين في سوريا ولبنان، واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء ، فكلا الجغرافيتين اللتين تمتد فيهما المخيمات الفلسطينية أصبحتا المنطقة الغير آمنة، وفيها تتجرد حياة اللاجئين من مقومات الحياة وعلى كافة الصعد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وآخرها الأمنية .
مخيم عين الحلوة في لبنان لا يزال على مرجلٍ يغلي، يهب كالبركان تارةً، بمقذوفاتٍ متأسلمة مأجورة تستهدف أمن السكان القاطنين هناك، ثم تعود فتتمادى هذه اليد الآثمة لتتطاول على أمن باقي المخيمات كمخيم المية ومية والذي تم ختام المرحلة الأولى منه باغتيال أحد قادة حركة فتح، فتحي زيدان، وهو الذي وصف بصمام الأمان في المخيم، لماذا؟... لاستكمال أجنداتٍ جديدة، وضعت المرتزقة المتأسلمة نفسها كورقة فيها، وقيل أن الأجندات تعددت في هذه القضية وكثرت التحليلات مستبعدةً  ضرب أمن المخيمات ! وماذا يعني إذن محاولة اغتيال قيادات فلسطينية مناضلة أخرى في باقي مخيمات بلبنان، بعد تلك الحادثة البشعة التي استهدفت فتحي زيدان.
وهناك من الجهة الأخرى، في مخيم اليرموك في سوريا تحترق البيوت بطريقة بشعة، أحرقت القلوب والآمال بالعودة للاجئين الفلسطينيين الموجودين خارج المخيم ، وتتهدم فوق من تبقى فيها من السكان القاطنين فيه والذين بلغوا قرابة الخمسة آلاف انسان، بسبب الحصارالذي فرض داخلياً أيضاً، حيث تم احتجازهم داخل منازلهم نتيجة الاشتباكات الدائرة بين كتائب الدولة داعش وكتائب جبهة النصرة حيث الصواريخ والقذائف والقناصات تنتهك آخر الأنفاس المتعبة هناك، فلا ماء ولا غذاء ولا أمل لديهم.
والحل العسكري الذي كان يتم الحديث عنه قبل سنةٍ تماماً من قبل الحكومة السورية، على لسان أحد وزرائها، للقضاء على المعارضة المسلحة في اليرموك ، ها هو قد تم بشكل  آخر، على يد المعارضة نفسها ، إذ هي تأكل نفسها وتأكل معها الأخضر واليابس والحجر الباقي والبشر المساكين، في مشهدٍ احتضاري لصفة المخيم المدحور.
وينال الخوف والرعب والضياع من المحاصرين المستهدفين بالقنص والقذائف المتأسلمة، والذين يقرون أن المشكلة لا تزال عميقةً ومستعصيةً على الحل ، فتارةً يضعون اللوم على النظام السوري الذي لم يشمل عفوه الأشخاص الذكور البالغين من أبنائهم، ضمن ما يسمى إعتاق المصير واعتبارهم محايدين وعدم زجهم في الحرب ، من خلال تجنيدهم ضمن صفوف جيش التحرير الفلسطيني ثم استخدامهم كمقاتلين على الجبهات ضد الإرهاب المستهدف سوريا في كل أراضيها؛ وتارةً يحمِّلون المسؤولية لمن يمثلهم في منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث يجدون أنفسهم خالين من الرعاية ويطالبون بإعتاقهم من الموت المحتم ضمن اتفاقية تضمن عدم زجهم في ذلك الأتون ، وإخراجهم عبر ممرٍّ آمنٍ ليكملوا حياتهم كباقي البشر وكيفما كان وكيفما اتفق.
وسؤال لا يزال يطرح نفسه، لماذا تبقى خلايا الكتائب العسكرية من داعش تربض على صدراليرموك، رغم اتفاق التسوية الذي عقدته مع الحكومة السورية الممثلة للنظام والذي تمخض عنه  توجه جزء منهم إلى الرقة شمال شرق سوريا، وكذلك جبهة النصرة التي تمترست خلف قرارها بالبقاء هناك خلف دروعٍ بشريةٍ ممن تبقوا من اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك.
وكالعادة يعود عرض المسلسل التقليدي القديم من الشجب والتحذيرات والقلق دون أي حلٍّ جذري، فالمتحدثة باسم الاونروا كريس غانيس عبرت عن القلق مما سيحدث من تداعيات وآثارٍ إنسانية بعد النزاع المسلح العنيف بين الجماعات المسلحة المتطرفة داخل المخيم ، ودعت الأطراف المعنية لوقف الأعمال العدوانية والتزام القانون الانساني الدولي في احترام وحماية أرواح المدنيين في المخيم ، ولا حياة لمن تنادي من أولئك الذين لايفقهون معنى القوانين الدولية.
لقد كانت حجة اندلاع المواجهات هناك بسبب خرق إعلان هدنةٍ هشة بشجارٍ وقع بين الطرفين، لكن تعمُّد داعش نشر انتصاراتها على جبهة النصرة في اليرموك على صفحات الانترنت  وإعلانها توسع رقعة سيطرتها وامتدادها إلى العاصمة السورية دمشق، يتعدى خرق الهدنة، وبالجملة يتم تدمير ماتبقى من المخيم وتصفية حسابات داعش مع من انشقوا عنها مؤخراً ضمن سلسلة اغتيالات لهم ولعائلاتهم في اليرموك، والمفارقة أنهما وجهان لعملة واحدة فكلا الطرفين يدَّعيان أنهما هما أصحاب العهدة الإلهية على وجه الأرض؛ بينما يـُرَجح البعض أن افتعال الاشتباكات هو تصرف تكتيكي عسكري لتخفيف الضغط عن المعارضة المسلحة التي تعاني ضربات الجيش السوري النظامي في مناطق حلب وحمص والرستن؛ ونرى أن ذلك استكمال لتدمير المخيمات ،  ويبقى المدنيون هم الضحية المستباحة.
في هذه الطقوس الاجرامية يظهر أن المطلوب من اللاجئين الفلسطينيين المتبقين في دول الطوق في سوريا ولبنان  أن يدفعوا فاتورة غالية، ثمنها كسر إرادتهم وتوقيعهم على عريضة بلوغهم الحد الأعلى من درجات اليأس، وتنازلهم عن صمودهم ، وتبديل إقامتهم في دولةٍ عربية تجاور نسمات الوطن، برقعة ٍجغرافيةٍ تبعد آلاف الأميال عن فلسطين، في أقاصي أرض ٍ أوروبية تستقبلهم بورقة تسجيلٍ رسمية وبختم ممهورٍ بعبارة (لاجئ بلا وطن) والتي هي بمثابة طلقة الرحمة على حق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين ، ولا ننسى أن الهدف هو تسريع عجلة إنهاء ملف اللاجئين عبر آخر سبل العنف والإرهاب وعلى أيد ٍ مأجورة الكلمة والبندقية من أجل اقتلاعهم إلى بلدان الغرب (وهم يلعبون  ويضحكون) كما يقول المثل، والمطلوب هو التسليم التام للواقع دون أي مقاومة.
لذلك يجد اللاجئ الفلسطيني من سوريا نفسه داخل دوامة من الحرائق لا يـُراد لها أن تكون برداً وسلاماً، لأن الهدف هو اليأس من العودة للمخيمات في سوريا وكذلك اللاجئ الفلسطيني في لبنان، يـُراد له أن يهاجر دون أي لحظة مراجعة، وتوجههم كلاجئين في سوريا ولبنان إلى بلدان الغرب ، سواء طوعاً أو غصبا ً من خلال ا نتصاب البواخر على الشطآن  ، لتبتلع آخرهم ثم لتقذفهم على شطآنٍ جديدةٍ ،غريبة ٍ وباردة .
ويعقد ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا ومن لبنان أملهم الأخير في العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية المتوقع قيامها خلال مدةٍ أقصاها سنتين على الأقل، حسب معظم المعطيات والمجريات السياسية في الآونة الأخيرة، فهم يعتبرونها جزءاً من أرض فلسطين، حيث سيمتلكون هناك اسم المواطن الفلسطيني بكامل صفته المدنية، والتي ستأتي نتيجةً لحقه في المواطنة والجنسية الفلسطينية التي تساويه بكل البشر في العالم ، كإنسانٍ عاديٍّ، لا تـُمـَسُّ كرامته على حدود البلدان، ولا ينتظر عشرات الساعات كوباءِ يـُعـِدُّون له العدّة للمكافحة، ولا يـُرمـَقُ بنظرات الاحتقار والاشمئزاز.
لقد انتظر ذلك اللاجئ  طويلاً كي يقبض على وريقاتٍ تجسد كينونته تحت عنوان جواز سفرٍ لدولة فلسطين، لذلك على المسؤولين الفلسطينيين والعرب والقائمين على الملفات الإرهابية المتأسلمة والعابثة بأمن المخيمات في سوريا ولبنان المسارعة لمواصلة التحقيق ، ومعرفة المتورطين  للمحاسبة، ومواجهة تلك الجهات المأجورة والقضاء على أرتال الأجندات المصطفة ضد اللاجئين الفلسطينيين  في دول الطوق .