مجلة القدس العدد 324 حوار/ وسام خليفة
تشهدُ الساحة الفلسطينية اليوم العديد من المتغيّرات السريعة على المستوى السياسي والشعبي وليس آخرها عملية المصالحة التي أُنعِشَت بفعل عدة لقاءات جمعت بين حركتَي "فتح" و"حماس"، وما تمّ تداوله عن سعي القيادة الفلسطينية لإيجاد نائب للرئيس، وتواصل الهبةّ الجماهيرية في وجه الاحتلال الاسرائيلي الذي أوغل بالاعتداء على ابناء الشعب الفلسطيني. ولتحليل المشهد والاحاطة بجوانب هذه القضايا وأكثر، أجرت مجلة "القدس" مقابلةً مع نائب رئيس المجلس الاستشاري لحركة "فتح" محمد الحوراني.

إلى أين وصلت عملية المصالحة اليوم لا سيما أننا نشهد مؤخّراً اجتماعات عدة بين حركتَي "فتح" و"حماس"؟ وهل تمّ الاتفاق على أي شيء بخصوص الملفات المطروحة كملفَي المعبر وموظفي غزة؟
برأيي المدخل الصحيح للمصالحة يعتمد أولاً على الاتفاق على برنامج سياسي، وثانياً على الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ينتج عنها برلمان جديد، يكون هذا البرلمان هو الاساس الذي يُستكمَل على أساسه بناء المجلس الوطني الجديد، ومن شأن كل هذه الخطوات أن تعيد بناء النظام السياسي في ظل حالة انغلاق الأُفق السياسي التي نراها، وإذا لم تتم المصالحة فعلى الأقل يجب أن تحقّق القيادة الفلسطينية شيئاً سياسياً للشعب الفلسطيني، وأن يحافظوا على النظام السياسي للشعب الفلسطيني، ليبقى هذا النظام إن كان السلطة او منظمة التحرير وهي الاهم في هذه الحالة، بحيثُ يكون نظاماً مستنداً الى شرعية شعبية، الى الانتخابات أعني، وهذا من شأنه انتاج حالة قيادية محصّنة بالإرادة الشعبية والقدرة على مواجهة التحديات، وبهذا يحافظ الفلسطينيون على نظامهم السياسي مسيّجاً بالإرادة الشعبية. وعندما أقول يجب الاتفاق على برنامج سياسي فذلك لأنه ثَبُت ان كل الطرق التي قام عليها الحوار أوصلتنا الى  باب مسدود لأن الحوار قامَ على تقاسم السلطة وتقاسم الوزارات، وفي ذلك خداع كبير، فحماس مثلاً مرة تقول إنها تريد كل فلسطين باعتبارها أرض وقف، ومرة اخرى تعمل إما من اجل دولة مؤقتة، وهو ما عملت من أجله مع اكثر من دولة اوروبية، او دولة في قطاع غزة كما كان يحصل ايام الرئيس مرسي في قطاع غزة زائد بضعة كيلومترات في سيناء، وهذا يعني تصفية القضية الفلسطينية او ذهاب القدس التي هي عاصمتنا العتيدة الى المجهول، وهنا يثبت أن برنامج منظمة التحرير هو البرنامج المتوازن الوطني الذي يعبّر بالفعل عن تطلُّعات الشعب الفلسطيني.
وإذا أتممنا الاتفاق على البرنامج السياسي، وأجرينا الانتخابات وأصبح لدينا مجلس وطني يكون حل المواضيع الاخرى أسهل بخلاف أن نبدأ بالملفات ونشكّل حكومة كما هو حاصل ويكون المطلوب من هذه الحكومة الاجابة على مجموعة أسئلة ثقيلة مثل: ما الحل لقضية الموظفين واجهزة الأمن؟ من يحكم غزة؟ الحكومة وكيفية تشكيلها وما هو برنامج الحكومة السياسي؟ هل سيقبلها العالم ام لا؟ فكل هذا من شأنه ان يدفع هذا الحوار الى الفشل او النجاح، لذا الافضل ان نبدأ بالبرنامج السياسي كما قلتُ والانتخابات الرئاسية والتشريعية، وعندما اقول الانتخابات فالذي نريده هو ان لا تحتكر الفصائل إن كان "فتح" او "حماس" او أي فصيل آخر القرار الفلسطيني، ويجب أن نعود في لحظة معيّنة الى الشعب الفلسطيني ليقول رأيه.

ما رأيك بالامتعاض الذي تبديه بعض التنظيمات السياسية الفلسطينية من أن "فتح" و"حماس" تجتمعان بخصوص المصالحة وتتفقان دون اشراكها؟
أنا اعتقد ان الفصائل التي تشعر بهذا معها حق لأنها جزء من التكوين الفلسطيني، وانا من المؤمنين أن الحوار الوطني يجب أن يضم كل الاطراف الفلسطينية، وأن على حركة "فتح" ان تحرص دائماً على اجراء حوار تحضُرُه كل الاطراف لأنه ثنائي القائمة، وهذا الحوار بين "فتح" وحماس لاشك أنه يستفز قوى ثانية، فهي قوى موجودة في الساحة الفلسطينية والاكرم والافضل لنا بصراحة الاعتراف بوجودها الطبيعي، وجعلها جزءاً من الحوار، وانا اعتقد اصلاً ان وجودها يكسر الثنائية القائمة الموجودة بين "فتح" و"حماس"، ويساعد اكثر على الوصول الى نتائج  في الحوار الوطني.

هل هناك موعد محدّد لعقد المؤتمر السابع؟
للأسف انا مقتنع أنه لا توجد إرادة جديّة لعقد المؤتمر، وقد كنتُ أكثر من مرة عضواً في اللجان التحضيرية للمؤتمر وعندما كان يُقال أن هناك إجراءات أوشروعاً في تحضيرات كنتُ أشعر أن الطرق التي نحدّدها لإجراء المؤتمر لن تؤدي إلى نتيجة. فمن أهم الإشكاليات مثلاً، عدد أعضاء المؤتمر هل هو 1000 ام 1300 ورقم 1300 هو رقم نسبته أكثر من لجنة تحضيرية على ضوء المعطيات المتعلّقة بعضوية اللجنة المركزية والمجلس الثوري والمجلس الاستشاري وأمناء سر الأقاليم ولجان الاقاليم وغيرهم وبعض السفراء، وهناك مثلاً رقم كانت قد أقرّته اللجنة المركزية والرئيس متمسّك به وهو 1000. ونحن قلنا إما ان يُعقَد وتأتي الناس بالفعل وتشعر بالمشاركة حسب النظام أو أن يكون هناك مؤتمر مصغّر لـ600 عضو، فلا هذا ولا ذاك أُخِذ القرار به. وبرأيي بات من الضروري عقد مؤتمر للحركة ليس لأنه استحقاق تنظيمي، لأن هذا السبب، على أهميته لا يكفي، بل هناك أسباب سياسية أخرى تتعلّق بإعادة النظام السياسي في الساحة الفلسطينية. إذا كنا نريد ان نذهب الى انتخابات، فهل يمكننا أن نفعل ذلك قبل أن نذهب الى مؤتمر ونحدّد من هو رئيس الحركة؟ من هو مرشّحنا للرئاسة؟ ومن هو نائبه في حال أننا أردنا أن يكون هناك نائب للرئيس؟ وهذا شيء أفضل ومهم للنظام السياسي الفلسطيني،  أي أن يترشّح الرئيس ونائبه معاً على ورقة واحدة، ولكن الذي يقرّر الامر هو المؤتمر، وحتى الآن لا يبدو للأسف أن هناك طريقاً جاداً يذهب باتجاه عقد المؤتمر.
وهنا من المفترض أن لا يكون لأي طرف فلسطيني القدرة على ممارسة الفيتو ومنع الانتخابات، والقائمة الواحدة تمثّل الجميع في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولو فرضنا ان جهة فلسطينية ارادت منع الانتخابات في غزة مثلاً هنا يكون للرئيس والقيادة الفلسطينية الحق القانوني في اجراء الانتخابات والذي يعطلها هو من  يتحمّل المسؤولية امام الشعب الفلسطيني، كذلك فإذا كانت على أساس القائمة الواحدة سيكون لدينا برلمان ممثّل بالقدس والضفة الغربية وقطاع غزة. اذاً كل هذه الاسباب تحتّم علينا عقدَ المؤتمر الحركي العام، وإلا فإن الشعب الفلسطيني ونظامه السياسي سيكونان عُرضةً لتدخلات اقليمية ودولية، وإذا لم نجرِ انتخابات ستُفرَض علينا قيادات فلسطينية، وهذا ما لا يجب ان يكون، لأن هذه القيادة المفروضة بغير إرادة الشعب ستكون ضعيفة لعدم استنادها للشرعية الشعبية، وستقع تحت ضغوط كبيرة ربما لن تكون لها القدرة على مواجهتها،  ومن هنا فالأكرم لنا وطنياً والأجدى لنا حتى سياسياً ان تكون لدينا قيادة قوية، والقيادة القوية تنتجها فقط انتخابات تقوم على إرادة الشعب الفلسطيني.

تداولت وسائل الإعلام في الآونة الاخيرة موضوع سعي القيادة لإيجاد منصب نائب للرئيس. ما صحة هذا الأمر؟ ولماذا تمّ طرحه الآن؟
النظام السياسي لا يُبنَى على المجاملات ولا على الخجل وهذه مطالبة باحتياجات تتعلّق بسلامة النظام السياسي واستقراره. فرئيسنا، أطال الله في عمره، عمره 82 سنة، وقد قال سيادة الرئيس في المجلس الثوري أنا ميت وكلكم ميتون، ومن وجهة نظري الرئيس هو مَن يجب أن يُطلق الخطوة الاولى باتجاه إعادة بناء النظام السياسي، وأخذ قرار بالمجلس الوطني الذي يجب عقده بإيجاد منصب نائب الرئيس، لأن التجربة الفلسطينية الحالية التي اقتضت أن يكون رئيسُ البرلمان رئيساً انتقالياً لمدة 6 اشهر ضعيفة ذلك أن رئيس المجلس التشريعي كائناً من كان هو أصلاً انتُخب كعضو في المجلس التشريعي، ولكن عندما يكون مفهوم مصدّق أن في الانتخابات العامة هناك مرشحاً هو الرئيس وهناك نائب، عندئذٍ يكون النائب معروفاً سلفاً بأنه منتخَب لهذه الغاية. كذلك بالنسبة للنظام الذي يقول ان يكون رئيس المجلس التشريعي رئيساً لمدة 60 يوماً فنحن نتيجة وجودنا تحت ظروف الاحتلال لا نعلم إن كان بمقدورنا اجراء انتخابات في المدة القانونية، كما جرى في المرة السابقة عندما توفي الزعيم الشهيد ياسر عرفات. وحالياً هناك حوار حول فكرة وجود موقع الرئيس ونائب الرئيس، وهي مقبولة إلى حد بعيد، ولكن تحويلها يجب أن يُؤخَذ فيه قرار في المجلس الوطني، وجيّد ان كان هناك توافق مع القوى الفلسطينية على هذا الأمر، علماً أننا تحدّثنا مع حماس في هذه النقطة ولم نجد لديهم رفضاً ولا اعتقد ان قوى "م.ت.ف" سترفض هذه الفكرة لأنها فكرة جيدة، والمهم بعد إقرارها في المجلس كيف تجد السُّبُل والوسائل القانونية لإقرارها في قانون الانتخابات الفلسطينية.

أخطرت القيادة الفلسطينية إسرائيل قبل عدة أشهر بأن عليها عدم الدخول للمناطق تحت سيطرة السلطة الفلسطينية وعليها وقف ممارستها الوحشية بحق الشعب وقد اتخذت قراراً بوقف التنسيق الامني. أين وصلت القيادة في هذه الخطوة؟
الذي أخذ القرار بوقف التنسيق الامني هو المجلس المركزي، ونحن نحترم هذا القرار، ولكن المؤسف ما ظهر من مشاهد في الاعلام حاولت ان تختزل كل السلطة بموضوع التنسيق الامني. وبالمناسبة هذه السلطة واقعياً كانت انتقالية وموجودة تحت الاحتلال، والتنسيق فيها متعدد الأوجه، فهناك تنسيق له علاقة بإدخال البضائع، وهناك تنسيق له علاقه بالمسافرين، ولكن البعض يحاول اختزال موضوع التنسيق بالجانب الأمني. وهناك وفود فلسطينية طرحت خلال شهر آذار الحالي موضوع وقف التنسيق الامني او على الاقل التزام اسرائيل بما وُقِّع سابقاً من اتفاقيات، وهو عدم دخول المناطق "أ" واحترام السيادة الفلسطينية، وما أعلمه ان الموضوع طُرِح ولكنني لا أعرف إلى أين وصل الأمر.
أمّا بالنسبة لردنا على التجاوزات الاسرائيلية فقد توجّهنا الى المحكمة الدولية، ونحن في الاجراءات الآن، وهذا بالنسبة لنا حق، لا كما تعده إسرائيل تصعيداً، بما أننا معترَف بنا كدولة في الامم المتحدة. ونحن سنستعمل كل حق لنا في القانون الدولي لتكريس الحق الفلسطيني او لتكريس الكينونة الفلسطينية، ونحن عملياً في الإجراء المتمّم لطرح قضية الاستيطان أمام محكمة الجنايات الدولية، كذلك حصلنا قبل ايام على 4 قرارات في مجلس حقوق الانسان ضد السياسات الاسرائيلية ولصالح فلسطين، وما اعنيه من هذا أن الدولة الفلسطينية كمعطى سياسي هي حقيقة من حقائق السياسة الدولية، وهذه انجازات يجب ان يحصل من خلالها تغيير على الارض. والمطلوب اليوم تحرك على المستوى الدولي وموقف عربي قوي تجاه القضية الفلسطينية خاصةً أن الموقف العربي في مستوى منخفض حالياً نتيجة لتغيُّر الاولويات والظروف القائمة والأسئلة المطروحة حول دول فيها كثير من الدم والاعتداء على حياة المواطنين إن كان في سوريا او اليمن أو ليبيا او العراق، وكل هذا أدى الى تراجع القضية الفلسطينية كقضية ذات اولوية في الشارع العربي، يمكن أن نقول انه يجب أن تكون القضية الفلسطينية في مقدّمة اهتمامات العرب لسبب انها موضوعياً هي قضية كل بلد عربي.

كيف تقيّم وضع الهبَّة الجماهيرية الحالية بعد أشهر من انطلاقها؟ وما هو مصيرها برأيك؟
أولاً الهبّة الجماهيرية هي نتيجه حالة من الغضب الذي عمّ المجتمع الفلسطيني وتحديداً الشباب الفلسطيني الذي شعر انه أمام باب مسدود فيما يتعلّق بالمسار السياسي وسياسات اسرائيل الخطيرة التي تتعلّق بتهويد القدس والمسجد الاقصى وقبّة الصخرة والزيارات المتوالية الاستفزازية وجميعها كانت جزءاً من سياسة اسرائيلية اعتقد فيها الاسرائيليون انه قد آن الاوان لفرض واقع جديد كما سبق في الحرم الابراهيمي الشريف، والتقسيم الزماني والمكاني في القدس. ومن هنا قام الشعب الفلسطيني بهذه الهبة الجديدة من نوعها، كونها تقوم على مبادرة الافراد، وبرأيي أنها نجحت في ايصال رسالة مهمة  لكثير من الاطراف، أولها، الاحتلال الاسرائيلي بأن هناك شعباً على هذه الارض لن تستطيع اسرائيل حتى في ظل اختلال ميزان القوة أن تفرض عليه ما تريد، وأن هذا الاحتلال لن يدوم. الرسالة الاخرى لنا كفلسطينيين هو أن هذا الشعب دائماً يسبق قيادته فيما يتعلّق بروح المبادرة القادرة على الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، فيجب دائماً أن ننحني لهذا الشعب، ونتعلّم منه الرسالة وأن ندرك أن القضية الفلسطينية تعيش في مناخ اقليمي تقوَّض فيه دول ومجتمعات كما يحصل في سوريا واليمن والعراق، خاصةً أن العالم العربي الذي كان يعني استقراره نوعاً من الاسناد القومي في القضية الفلسطينية ليس موجوداً الآن كما كان سابقاً في حالة الاستقرار، انما هو موجود في حالة تموج وحالة مخاطر تهدّد مجتمعات بأكملها مثل سوريا. لذلك أعتقد ان هذه الهبّة تبلّغ رسالة اليوم وفي المستقبل لإسرائيل أنه لا يمكنها أن تفرض على الشعب الفلسطيني حقائق على الارض وأن تتجاهل حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية.
وبرأيي ما دام هناك انسداد في الافق سيكون هناك رد فعل فلسطيني شعبي سواء ارتفعت وتيرته أو انخفضت، فانسداد الافق يعني غياب الامل، وغياب الامل يعني حضور الغضب، وحضور الغضب يعني ان الشعب الفلسطيني متمسّك بحقوقه، وعندما يكون هناك باب مسدود، فالشعب الفلسطيني لن يستسلم، بل سيقوم بخطوات منها هذه الهبّة، وكما ترى فربما تتصاعد هذه الهّبة وربما تهدأ، لكن طالما لا يوجد افق سياسي سيجد الشعب الفلسطيني دائماً طريقه للرد على سياسات الاحتلال.