حوار: عدي غزاوي/ منذ العام 2011 وسوريا تعيش ازمة داخلية تحوّلت الى حرب اهلية دمرت البلاد والبشر والاقتصاد ولم يسلم منها اللاجئون الفلسطينيون الذين يعيشون على الاراضي السورية حيث تعرضوا للعديد من الهجمات التي هدفت لزعزعة امنهم وجرهم لدائرة الصراع السوري كان اخرها سيطرة تنظيم داعش وعدة مجموعات مسلّحة اخرى على مخيم اليرموك ونقل الصراع الى داخل المخيم مما اجبر الكثير من اللاجئين على ترك المخيم خوفًا على حياتهم. وفي حوارنا مع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د.أحمد مجدلاني استفسرنا عن الاوضاع في مخيم اليرموك، وكيف تعمل منظمة التحرير ودولة فلسطين على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين المتضررين في سوريا وعن اي بوادر لحل سياسي للأزمة يخص اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.


كيف يمكن وصف الأوضاع حاليًا في اليرموك؟
بعد سيطرة تنظيم داعش الارهابي مطلع الشهر الجاري على اليرموك حدثت تداعيات خطيرة على ارض الواقع ارتباطًا بهدف السيطرة على المخيم وتحويله لقاعدة توسّع لعملياته العسكرية وصولاً لقلب العاصمة دمشق، وذلك يعني جعل المخيم ساحة معركة واشتباك مع القوات النظامية السورية وحلفائها، وبالتالي هذا أبعدَ خيار الحل السياسي الذي كنا نعمل عليه، والذي يهدف الى تحييد المخيم واخراج المسلّحين الغرباء وافراغه من السلاح. والوضع الان تراجع الى امد غير منظور نتيجة الاوضاع هناك ارتباطًا بهدف داعش بالسيطرة، اضافة الى ان خارطة التحالفات السياسية التي كانت من المسلّحين المسيطرين على المخيم تغيّرت حيثُ أن بعض المجموعات اعلنت ولاءها لداعش مثل تنظيم اكناف بيت المقدس الذي انقسم بين مؤيد لداعش وباقٍ على الولاء لقيادته حركة حماس في الخارج، وتنظيم النصرة اعلن ايضا موالاته لداعش، وبالتالي الخارطة السياسية والعسكرية تغيّرت مما اثر على المخيم. علاوة على ذلك حدث تغيير جوهري في المخيم على ضوء الممارسات التي اتبعتها داعش من الملاحقة والقتل والاعتقال لكل الاطياف السياسية بما في ذلك بعض الشخصيات والتنظيمات الاسلامية وكل المعارضين لها  واغتصاب حالات معينة بطريقة فيها تحايل على الدين بما في ذلك تزويج للنساء المتزوجات من الدواعش مما أوجَد مناخ رعب دفع الناس للخروج من المخيم. وهنا أشير إلى أن عدد السكان في المخيم قبل سيطرة داعش عليه كان حوالي 17 الف مواطن بينهم 5 الاف سوري والباقي من الفلسطينيين، وخلال اليومين الاولين من سيطرة داعش وحتى الرابع من شهر نيسان غادر الفا شخص من سكان المخيم، وتدفقت بعد ذلك موجات الهجرة الى الخارج، ما دفعنا للتحرك بشكل سريع لمعالجة الاوضاع الناشئة في المخيم وخصوصًا على صعيد العمل الانساني ومتطلبات الاغاثة المطلوبة لتوفيرها لأبناء شعبنا بعد هذا الاجتياح.


كيف تعاملت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مع الوضع لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك بعد سيطرة داعش عليه؟
سأركز على الجهود الاخيرة لأن الجزء المهم يكمن في ذلك حيث تحركنا على اكثر من مستوى. المستوى الاول هو المستوى السياسي، وكانت هناك اتصالات مكثّفة بيننا وبين المفوض العام للأونروا السيد بيير كرينبول الذي قدّم تقريرًا لمجلس الامن حول الاوضاع في مخيم اليرموك، وقد قدّمنا بعض المقترحات على التقرير، وصدر بيان عن مجلس الامن بموافقة كل الاعضاء تضمن ثلاثة عناصر، وهي ادانة احتلال داعش للمخيم ودعم الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية، وتوفير الدعم الاغاثي والانساني للاونروا في دعم اللاجئين في اليرموك، وتوفير برنامج طوارئ لهم. وفي اليوم اللاحق صدر بيان عن مجلس الجامعة العربية، وقد كان هذا الاطار السياسي مهمًّا لدعم جهودنا السياسية في سوريا ومع الاطراف الاخرى.
اما المستوى الثاني فتمثل بتوفير الحماية لأبناء شعبنا بالتعاون والتنسيق مع الحكومة السورية وتحديدًا مع وزارة الشؤون الاجتماعية بتوفير ممرات آمنة لخروج ابناء شعبنا من المخيم الى خارجه وتأمينهم في نقاط تجمّع لهم في منطقة يلدا وبيت سحل المجاورة للمخيم وتوفير مراكز ايواء آمنة تتوفر فيها شروط مناسبة للنسيج الاجتماعي للعائلات والاقارب وشروط الدعم الاغاثي والغذائي والطبي. ايضا هناك جهود بذلناها مع الاونروا فهي شريك اساسي لنا، ومن المعروف ان الاونروا تعاني مشاكل في التمويل، وقد تم الاتفاق معهم على بدء حملة دولية لبرنامج طوارئ وبالفعل تم اطلاق برنامج بقيمة 30 مليون دولار، ونحن نواصل هذا الحراك الدولي من اجل سد الاحتياجات. كذلك قام السيد الرئيس محمود عباس بإطلاق مبادرة بتبرع يوم عمل من رواتب المتقاعدين بنسبة 1% علاوة على الحملة الشعبية والموجة المفتوحة التي مازالت مستمرة للآن، وهذا الجهد الاغاثي والانساني هو الجهد الاساسي الذي نمارسه ونحن نعتقد انه اولوية ملحة على اية اولويات اخرى بما يخص امن واستقرار شعبنا في سوريا.


كيف تعملون على متابعة أوضاع من غادروا مخيم اليرموك؟
هناك عدد ضئيل من اللاجئين لجؤوا للاردن وهم موجودون في منطقة سايبر وعددهم محدود، ونحن على تواصل دائم معهم. اما بالنسبة للموجودين في لبنان، فعددهم 43 الفًا تقريبًا، وقد كان العدد قد وصل سابقًا لمئة الف ولكنه انخفض بسبب مغادرة جزء كبير الى مناطق اخرى ومنهم من عاد الى سوريا وبالطبع فسفارتنا في لبنان تتابع شؤونهم بشكل مباشر بالتعاون مع الاونروا ومنظمات انسانية اخرى والغالبية العظمى منهم يقيمون في مخيمات لبنان، وهناك اعداد كبيرة غادرت لبلدان اخرى مثل مصر وتركيا ودول شمال اوروبا ودول اوروبية ليس بمقدورنا تحديد عدد دقيق لكن الارقام التقريبية تتحدث عن 70 الى 75 الف لاجئ الى اوروبا خلال العامين الماضيين، لكن استطيع القول ان من يصل الى اوروبا في ظروف معينة من الصعب علينا متابعته لأنه عمليًا يصبح بإطار قانون الهجرة في الدول الاوروبية.


هل هناك امل لحل ازمة اليرموك بطريقة سياسية وتحييد اللاجئين الفلسطينيين عن الصراع الدائر في سوريا؟
منذ بداية الازمة في سوريا سعينا الى تجنيب الشعب الفلسطيني المقيم في سوريا والتجمعات الفلسطينية الموجودة مغبة التورط في الازمة السورية، وذلك عملاً بمبدئنا في عدم التدخل في الشؤون السورية، ولأن الصراع السوري صراع داخلي في بلد عربي وليس من مصلحة الفلسطينيين الانحياز لطرف من اطراف الازمة. وبرأيي فإن هذه الحرب بغض النظر عن اهدافها بنهاية الامر ادت الى تدمير سوريا ومقدراتها وتدمير السوريين، وللأسف الشديد هذا الصراع كان من الصعب فصله لأن هناك من اراد ان  يزج بالفلسطينيين في الازمة، ونتيجة ذلك دفعنا ثمنًا باهظًا من امان شعبنا واستقراره وحياة المدنيين، إذ لدينا حتى الان اكثر من 360 الف مهجر اكثر من 200 الف منهم في سوريا، واكثر من 160 الفاً خارجها، وهذا الامر يلقي علينا اعباء ومسؤوليات كبيرة. وبرغم ما نبذل من جهود الا ان الحل السياسي يجب ان يكون في سوريا كلها لأننا لا نعتقد أن الحل سيكون بالوسائل العسكرية وبالطرق الامنية انما بالطريقة السياسية وهذا ما سعينا اليه منذ البداية.


كيف ترون تفاعل الدول العربية والعالم تجاه موضوع اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك؟
باعتقادي التفاعل مع الازمة بخصوص اللاجئين في اليرموك ايجابي انطلاقًا من الموقف الفلسطيني الاساسي، وهذا الموقف يلاقي احترامًا من كل الدول العربية بما في ذلك الحكومة السورية. ففي الأزمة الاخيرة باليرموك وجدنا الكثير من التعاطف والدعم العربي لأبناء شعبنا.


ما موقف الفصائل الفلسطينية الموجودة في المخيم وكيف تتعامل مع الوضع؟
في البداية علينا ان نعلم انه ليست كل الفصائل لها وجود في المخيم هناك عدد من الفصائل له وجود في المخيم ولكن ليس من الناحية العسكرية بل هو وجود مدني يسهم في تقديم المساعدة والعون للناس ودور اغاثي وانساني ودور سياسي، لكن لا وجود عسكري للفصائل في المخيم خاصة بعد وقوعه في يد المجموعات المسلّحة في مطلع ديسمبر 2012. وبالتالي وجود الفصائل كان خارج المخيم، وهنا نجد تباينًا من الفصائل في المواقف فيما يتعلّق بالحل، حيثُ أن هناك بعض القوى مثل قوى التحالف الوطني الفلسطيني هي حليفة للحكومة السورية ولها موقف من الازمة وبالتالي تشارك في العمليات العسكرية. اما الاطراف الاخرى من فصائل منظمة التحرير رغم الحرص على الموقف الفلسطيني المشترك لكن هذه الفصائل ليس لها وجود عسكري ومشاركة فعلية.
ما النتائج المتوقّعة من هرب اللاجئين الفلسطينيين من سوريا الى بلاد اخرى. وهل هي عملية تهجير جديدة؟
نحن نتحدث عن نتائج وهي حقيقة مرعبة وذلك لمكانة مخيم اليرموك الوطنية والسياسية الكبيرة للفلسطينيين خاصة انه اكبر مخيم في الخارج وعاصمة الشتات الفلسطيني، ولدوره المهم في انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ولذلك اليرموك استُهدِف كما استهدفت المخيمات الاخرى في سوريا. وعندما نتحدث عن العدد الكبير من المهجرين نتيجة الازمة او الظروف التي يعيشونها والتي تضطرهم للخروج من المخيم فذلك يضع علامة استفهام كبيرة حول الدوافع لاستهداف المخيمات الفلسطينية، ويضع علامة استفهام اخرى على حق العودة للاجئين الفلسطينيين.


كيف ترى التفاعل الشعبي الفلسطيني مع الازمة في اليرموك؟
حقيقةً إن الموجة المفتوحة التي أُطلِقَت عبر قناة فلسطين والفلسطينية وعودة خلال مطلع الشهر الحالي لقيت صدى كبيرًا من كل اوساط شعبنا ومن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة وانا اعتقد ان هذا الموضوع مهم ويعكس اصالة شعبنا وروح التكافل الاجتماعي والوطني فنحن لانتضامن مع بعضنا لأن التضامن يكون مع الشعوب الاخرى، بل نقف مع ابناء شعبنا لأن ما يصيبهم يصيبنا كشعب واحد في الهوية والمصير.


برأيكم من جرَّ اليرموك لدائرة الصراع السوري؟
للحديث عن ذلك ينبغي لنا الرجوع الى مطلع الازمة السورية، واريد ان اشير الى ان المخيمات الفلسطينية ظلّت على الحياد لمدة 19 شهرًا. فالازمة السورية بدأت في آذار 2011، والمخيمات الفلسطينية وتحديدًا اليرموك استُدرِج الى هذه الازمة ووقع تحت سيطرة المعارضة في مطلع شهر ديسمبر 2012، نحن لا نبحث عن طرف لندينه لكن كان واضحًا بصرف النظر عن دور الجبهة الشعبية القيادة العامة في سوريا ان المستهدف كل المخيمات وليس اليرموك فقط. فالمخيمات المحيطة بدمشق استُهدِفت كلها في تلك الفترة مثل مخيم السبينة والسيدة زينب وخان الشيح ومخيم درعا ومخيم حمص ومخيم حندرات والنيرب في حلب، لذا لا اريد التحدث عن نظرية مؤامرة، ولكن كان من الواضح ان العملية تهدف لزج الفلسطينيين واقحامهم في الازمة السورية.


هل هناك معطيات واضحة عن عدد الضحايا من اللاجئين الفلسطينيين نتيجة الازمة السورية؟
حتى هذه اللحظة نحن نتحدث عن ارقام تقريبية وليس عن ارقام دقيقة لأن الامور بحاجة لتدقيق شديد، ولكن يمكن القول أننا نتحدث عن اكثر من 2800 شهيد فلسطيني منذ بداية الازمة السورية، وربما يكون الرقم اعلى من ذلك، لكننا لا نملك عددًا نهائيًا وبدون شك هذا ثمن كبير وباهظ دفعه الفلسطينييون بحرب هم ليسوا شريكًا فيها وليس لهم مصلحة بها!


هل هناك بوادر لحل ازمة لاجئي اليرموك والمخيمات الفلسطينية في سوريا؟
ما سعينا له منذ البداية هو فصل الازمة السورية عن وضع المخيمات والتجمعات السكانية لكن من الواضح ان الوضع لايعود لرغباتنا بل لمن يدير الازمة في سوريا ومن له مصلحة في استمرارها وللأسف الشديد من الصعب فصل الازمة السورية عن الوضع الفلسطيني.


ما النتائج المتوقعة في حال استمرار حصار اليرموك كما يرجّح البعض؟
لا نستطيع ان نقول ان اليرموك محاصر فعليًا. ففي الوضع السابق كان المخيم مُختَطفًا من قِبَل مجموعات مسلّحة مختلفة، وكان هناك طوق امني من جهة واحدة على المخيم وهي الجهة الشمالية والمطلة على دمشق بينما كان المخيم مفتوحًا على ثلاثة اطراف اخرى على مناطق الجوار من الجنوب والشرق الغرب، وربما الوضع الان اصبح اكثر تعقيدًا بما ان المعارك انتقلت الى داخل المخيم وباتت هناك نقاط تماس جديدة مما هو عليه في السابق خاصة مع نزوح الاعداد الهائلة خارج المخيم ومن بقي منهم لا يتجاوز عددهم 6000 غالبيتهم من المواطنين السوريين.


على من تقع مسؤولية حماية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا حاليا؟
المسؤولية الاولى والمباشرة  تقع على الدولة السورية صاحبة السيادة، ونحن كمنظمة تحرير ودولة فلسطين ليس لدينا سيادة على الاراضي السورية فهم من عليه مسؤولية حماية الامن والاستقرار في سوريا. لذا فأي جهد يُبذَل من قبل منظمة التحرير يكون بالتعاون مع الحكومة السورية والمنظمات الدولية الاخرى وفي مقدّمها الاونروا.