خاص/ مفوضية الإعلام والثقافة-لبنان

من حق شعبنا أن يسأل عن مصير المصالحة لأنه هو الذي دفع ثمن الانقسام.  المصالحة - شاء من شاء وأبى من أبى – هي الابن الشرعي للقضية الفلسطينية.  الانقسام هو اللقيط المقيت صاحب القسمات السوداء.  المصالحة ليست سلعة للاستثمار إنها الوصفة الوطنية لإنهاء حالة الانهيار.  من يعتقد أن المصالحة ينطبق عليها " كلام الليل يمحوه النهار " مخطئٌ لأنها محصَّنةٌ بإرادة الثوار.

عندما ذهبنا جميعاً إلى القاهرة، وأسلمنا أمرنا لله، وحكَّمنا ضمائرنا، كانت قلوب مئات الملايين معنا، تباركُنا، تُناشدنا أن لا نتردد، ولا نتراجع عن عهد أخذناه، أو توقيعٍ التزمناه، أو عناقٍ تبادلناهُ، أو كلامٍ معسولٍ عجمناه ونمَّقناه ولكل الامم أسمعناه، وباختصار شعبنا خائفٌ من ترددنا.

منذ وقّعت حركة حماس في يوم المصالحة على الوثيقة المصرية وهي التي وقَّعت عليها حركة فتح قبل حماس بشهور طويلة، أصبحت المصالحة ملكاً للشعب الفلسطيني، وممنوعٌ العبثُ بها أو امتطاؤها لأنها أصبحت من المقدَّسات، وعلى اكتافها تقوم الوحدة الوطنية، والمقاومة الشعبية، وحراك الحركة الشبابية، وانتصار الدولة الفلسطينية، واستعادة القدس العاصمة الأبدية.

المصالحة هي الرصيد الوطني الذي لا يجوز المقامرة به لهذا السبب أو ذاك.  والمصالحة ليست متوقفة على اختيار شخصٍ ما، أو إصرار فصيل ما على قضية ما، المصالحة اكبر من الفصائل والأشخاص لأنها هي الأساس، وهي القاعدة الذهبية التي لا تقبل المساس، وهذا ما تدركه حركة فتح وقيادة م.ت.ف، والرئيس أبو مازن تحديداً.

المؤلم حقيقةً هو استعجال حركة حماس بإلقاء التهمة على الرئيس أبو مازن شخصياً بأنه لا يريد المصالحة وذلك استجابة للضغوط الأميركية والاسرائيلية التي تهدد بوقف المساعدات المالية، واستندت حركة حماس في تحليلها السطحي والظالم على اختيار الرئيس أبو مازن للدكتور سلام فياض رئيساً للحكومة المؤقتة وهي حكومة تكنوقراط، وليست حكومة فصائلية وذلك للخروج من المأزق الحالي.  وفي هذا الإطار أُذكِّر بما يلي إنصافاً للحقيقة، ورحمة بالمصالحة، ونصحاً للأخوة في حركة حماس من أجل ان لا نعود إلى الوراء:

أولاً:  المصالحة إنجاز وطني تاريخي هزَّ أركان الكيان الاسرائيلي والادارة الاميركية وأخرجهما عن طورهما، وعبَّرا علناً عن معارضتهما للمصالحة لأنها تدمِّر العملية السلمية.  إذاً لا يجوز لأيٍّ كان التسرُّع في نعي المصالحة وكأنها حدث هامشي، أو عبءٌ ثقيل يجب التخلُص منه، أو خطأ في الحسابات يجب معالجته.

ثانياً:  لا يجوز لأيٍّ كان استهداف الرئيس أبو مازن باتهامات ومصطلحات خارجة عن اللياقات السياسية، والآداب الوطنية، فهو بالتالي رمز الشرعية الفلسطينية، ومُنتخب من شعبه، ورئيس اللجنة التنفيذية، والسلطة الوطنية، وحركة فتح، واستخدام مثل هذه العبارات الجارحة والملَّفقة أصلاً لا تخدم سوى العودة إلى الوراءـ إلى الفتنة الداخلية.

ثالثاً:  قيادة حركة حماس تدرك اكثر من غيرها أنَّ الرئيس أبو مازن عندما يكون أمام خيارات متعددة كان يختار حركة حماس لأنها جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني.  والرئيس أبو مازن كان أول من يستجيب إلى الحوار مع حماس، وهو اكثر من قدَّم تنازلات لحركة حماس على حساب حركة فتح في القاهرة، وفي دمشق، وفي مكة المكرمة، وفي صنعاء.  وعودة إلى 2006 فإن الرئيس ابو مازن خاض معركة حماس مع بوش الادارة الاميركية الذي اعترض على مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية، وأصرَّ الرئيس ابو مازن على ضرورة مشاركة حماس وإلاّ فلن تكون هناك انتخابات، وهذا ما حصل، رغماً أنه كان يعرف تماسك تنظيم حماس، بينما حركة فتح كانت تعيش حالة صراعات داخلية.  والسؤال:  لماذا تتعمَّد حركة حماس نكران الجميل، وانكار الحقيقة، والتسرُّع دائماً في الاساءة إلى الرئيس.

رابعاً:  إنَّ اتهام الرئيس ابو مازن بأنه استجاب للضغوط الاميركية، وتنازل عن قضايا وطنية، هذا الكلام من مخلَّفات مرحلة الانقسام المدمِّر المرفوض أصلاً، فهل بدأنا ندفن معطيات المصالحة، وننبش نفايات الانقسام وتسويقها؟!!

الرئيس أبو مازن هو اكثر زعيم عربي يتعرض للضغوطات الاميركية والاسرائيلية والاوروبية، وأحياناً العربية ولا أريد أن أقول الفلسطينية لأننا مُلزمون أن نتحمل بعضنا حتى لا ننشر غسيلنا على حبال الغير، مع أننا نشرناها اكثر من مرة.

وليس معيباً أن يتعرض الرئيس ابو مازن كما كان ياسر عرفات قبله ـ  للضغوطات، وهذا شأن القادة العظماء أصحاب القرار، لكنَّ التجارب أثبتت أن الرئيس كان يختار مصلحة شعبه وعلى سبيل المثال لا الحصر:

أ عندما عُقدت القمة العربية في دمشق طلبت منه واشنطن أن لا يذهب إلى القمة، كما طلبت من غيره من الملوك والرؤساء، فغاب الآخرون، وأصرَّ ابو مازن على حضور القمة لأنه يبحث عن مصلحة شعبه.

بـ  وفي 15/10/2010 عندما كان المطلوب التوقيع على وثيقة المصالحة المصرية طلبت واشنطن وأطراف دولية وعربية من الرئيس عدم التوقيع إلاَّ انه أرسل رئيس الوفد ووقَّع على الوثيقة، بينما حركة حماس لم توقِّع.

ج وعندما كان المطلوب تحت الضغوط الاميركية والاسرائيلية والاوروبية أن يذهب الرئيس إلى المفاوضات مع نتنياهو مع استمرار الاستيطان وغياب المرجعية الدولية، رفض الرئيس أبو مازن وأخذ قراره بوقف المفاوضات طالما الاستيطان لا يتوقف.

د وعندما مارست واشنطن الضغوطات الهائلة على الرئيس لسحب مشروع القرار المقدَّم إِلى مجلس الامن والذي يدين الاستيطان ويعتبره غير شرعي، رفض الطلب الأميركي، واستخدمت واشنطن حق الفيتو ضد قضية عادلة، وتعرَّت سياسياً أمام العالم بأسره.  وكل التهديدات بوقف المساعدات المالية لم تجدِ نفعاً.

نأمل تحطيم أُسطوانة التعرُّض للرئيس أبو مازن بأنه يتنازل عن قضايا وطنية أمام الضغوطات الاميركية.

خامساً:  الرئيس أبو مازن من حقه أن يسمي رئيس الوزراء، وهذا ما يجري في كل دول العالم، وهو منذ البداية قال إنَّ الحكومة هي حكومتي، وبرنامجها السياسي هو برنامجي، والمقصود هو قطع الطريق على كل من يريد عرقلة عمل الحكومة بجرها إلى مواقف سياسية ليس من اختصاصها.  عندما سمَّى الرئيس أبو مازن الدكتور سلام فياض رئيساً للحكومة الحالية المؤقتة لم يرتكب خطأ، وليست هذه التسمية انتقاصاً من أهمية الرجالات المطروحة وهي معروفة ومرموقة، ولها وزنها الوطني.  لكنَّ الرئيس استند إلى التجربة الطويلة للدكتور سلام فياض، وهي تجربة وطنية ناجحة بكل المقاييس:  وطنياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وأمنياً.  وكافة استطلاعات الرأي كانت تُقدمه على غيره، كما أنه نجح في بناء العلاقة الفلسطينية مع الجهات الدولية المانحة، وصندوق النقد الدولي.  إضافة إلى أنه عمل بشفافية كاملة، وأسس لبناء الدولة الفلسطينية القادمة.  كما أنه لم يقصِّر في تقديم الدعم الكامل لقطاع غزة وخاصة للوزارات، والموظفين، والكهرباء، والطحين، والوقود، وهذا الموضوع تعرفه حركة حماس جيداً.

أمام هذه المعطيات، وأمام تشكيل هذه الحكومة المؤقتة والمطلوب منها بناء ما تهدم في قطاع غزة، والاعداد للانتخابات القادمة، وتجسيد المصالحة على الارض، واعادة النظر في بنية م.ت.ف من حق الرئيس أن يعطي الأولوية لشخص معَّين لأنه ومن خلال التجربة نجح في مهمته.  وهذا بالطبع يتنافى تماماً مع ما تفسره حماس بأنه انصياع للضغوطات الاميركية.