خاص/ مجلة القدس

اعداد/ صقر ابو فخر

نشأة الاحزاب الصهيونية

نشأت الاحزاب الصهيونية في روسيا وبولندا اولا، ووضعت لنفسها هدفا اساسيا هو تخليص يهود اوروبا من الاضطهاد باقامة "كيان قومي" خاص بهم. اي ان الفكرة الصهيونية كانت تتضمن دعوة اليهود الى ترك بلدانهم الاصلية لاستعمار بلد آخر هو فلسطين. غير ان الدعوة الصهيونية لم تكن جذابة لليهود في بادئ الامر ، وعارض كثير من اليهود هذا الدعوة ورأوا ان حل مشكلة اليهود في اوروبا يكمن في القضاء عل الاضطهاد نفسه وليس في الهجرة. ولهذه الغاية انضم اليهود باعداد لافتة الى الاحزاب الثورية المناوئة للقيصرية في روسيا مثلا، وبادر بعضهم الى تأسيس حزب يهودي معاد للصهيونية في سنة 1897 هو " الاتحاد العام للعمال اليهود في روسيا وبولونيا"(البوند). غير ان الصهيونية التي كانت هامشية بين اليهود في البداية صارت الحركة الاكثر حضوراً في صفوفهم بعد سنة 1905. وعلى سبيل المثال فان المؤتمر الصهيوني الاول في سنة 1897 عقد في بلدة" بال" السويسرية التي لم يكن يسكنها اليهود، ولم يتمكن تيودور هيرتسل من عقده في اي مدينة تقطنها جماعات يهودية كبيرة مثل " زيوريخ" مثلا بسبب معارضة اليهود لهذا المؤتمر. وتيودور هيرتسل نفسه لم يكن يهوديا متدينا مثله مثل جميع مؤسسي الصهيونية أمثال حاييم وايزمن ودافيد بن غوريون، فهو لم يختن ابنه الوحيد الذي تحول الى المسيحية لاحقاً، ولم يكن يتكلم العبرية او حتى " اليديشية"، وطالما انتهك الشعائر اليهودية، الامر الذي كان يثير غضب رجال الدين عليه باستمرار.

مهما يكن الامر، فإن الاحزاب الصهيونية الاصلية كانت احزابا علمانية، لكنها ارادت تحويل الدين الى قومية على عكس الاحزاب العلمانية في العالم التي لا تعتبر الدين عنصرا من عناصر تكوين القومية. ومع ذلك فان من غير الممكن فهم الاحزاب الصهيونية من دون الاخذ في الاعتبار حضور الدين فيها حتى اسرائيل نفسها، لا يمكن فهم سياساتها من غير اكتشاف نصيب المسألة الدينية في قراراتها السياسية.

في هذ الميدان، فان ثمة مفارقة عجيبة: فالاحزاب العلمانية الاسرائيلية مثل الليكود لا تطالب بفصل الدين عن الدولة. والاحزاب الدينية السلفية (الحريدية) التي كانت ترفض الصهيونية كحركة علمانية صارت متصالحة مع الدولة الصهيونية مثل حزب "اغودات اسرائيل" (جمعية اسرائيل) التي ظهرت في النمسا سنة 1912، ووقفت ضد الصهيونية، ورفضت الانتقال الى فلسطين، وعارضت برنامج "بال" الصهيوني. لكنها في سنة 1937 غيرت مواقفها، وراحت تبدي عدم اعتراض على قيام دولة لليهود في فلسطين.

 

خصائص الاحزاب الاسرائيلية

تتميز الحياة الحزبية في اسرائيل بخمس خصائص رئيسة هي:

1. كثرة الاحزاب

2. كثرة الانشقاقات

3. ظاهرة الانقراض

4. كثرة الاندماج

5. كثرة المنازعات

ان كثرة الاحزاب مظهر مباشر لكثرة الانشقاقات، فالحزب يصبح اثنين او ثلاثة ربما اربعة في بعض الحالات. وهذا الامر يعكس الانقسامات الكثيرة التي تعصف بالمجتمع الاسرائيلي، وهي انقاسامات متعددة الجذور والاسباب. ففي اسرائيل انقسام اثني بين سفاراد وأشكناز فالسفاراد هم يهود اسبانيا والبرتغال الذين طردوا من شبه جزيرة ايبيريا واتجهوا الى اليونان وتركيا وشمال افريقيا وسوريا والعراق ويشكلون 15% من يهود العالم ويتحدثون العبرية بلهجة " اللادينو" أي " المارانو" . وهؤلاء أُسكنوا في بداية عمليات نقلهم الى فلسطين في مناطق نائية مثل النقب، وكان الأشكناز يسخرون من جدائل اليمنيين، ويرشونهم بالـ (د.د.ت) في معسكرات التجميع " المعبروت". وتركت هذا التصرفات ندوباً قاسية في نفوسهم ضد الاشكناز.

أما الاشكناز فهم يهود المانيا، وكلمة اشكناز في التوراة تعني احد احفاد نوح، لكنها تعني ايضا الاسم العبراني القديم لالمانيا, وتشير الى يهود المانيا وروسيا وبولونيا ورومانيا والمجر. وهؤلاء يتحدثون " اليديشية" وينظرون بعجرفة الى يهود  السفاراد.

وفي اسرائيل ايضا انقسام اجتماعي بين مهاجرين قدامى ومهاجرين جدد. وثمة انقسام قومي بين يهود وعرب. وكذلك انقسام عقيدي بين علمانيين ومتدينين وعلاوة على ذلك هناك انقسامات سياسية معظمها يتركز على مستقبل الاراضي الفلسطينية، بين من يرغب في اعادتها الى الفلسطينيين (او اعادة معظمها) وبين من يرفض ذلك.

والظاهرة الثانية هي كثرة الانشقاقات. ولا شك في ان كثرة الاحزاب الاسرائيلية تعبير مباشر عن كثرة الانشقاقات من الدرجة الاولى وهذه الظاهرة تعكس هشاشة المؤسسة الحزبية وعدم ثباتها، لكنها تعكس في الوقت نفسه حيوية الجماعات اليهودية وسهولة تكتلها في حزب سياسي.

أما الظاهرة الثالثة المرتبطة بالتعدد والانشقاق فهي ظاهرة الانقراض. فالكثير من الاحزاب التي اسسها افراد لامعون انقرض بموت القادة مثل حزب " تسوميت" الذي اسسه رفائيل ايتان، وحزب "داش" الذي اسسه يغئيل يادين، وحزب " شلومو تسيون" ( السلام لصهيون) الذي اسسه اريئل شارون، وحزب " ياحد" الذي اسسه عيزر وايزمن، وحزب " تيلم" الذي اسسه موشي دايان وحزب المتقاعدون الذي حصد 7 مقاعد في انتخابات 2005 لم ينل اي مقعد في انتخابات 2009. واللافت ان هذه الاحزاب اسسها جنرالات لمعوا  في حروب اسرائيل ضد العرب. وكذلك انقرضت احزاب صهيونية ودينية ويسارية اخرى مثل "الفهود السود" الذي اسسه في سنة 1971 شارلي بيتون وشالوم كوهين وسعاديا مرتسيانو، وحزب " غيشر" (الجسر) الذي اسسه دافيد ليفي في سنة 1994، وحزب "تامي" الممثل لليهود الشرقيين الذي ظهر في سنة 1981 ثم انقرض وورثته حركة شاس. وبعض هذه الاحزاب حل نفسه وعمد الى الاندماج في الحزب الام، او انضم الى مجموعات حزبية مماثلة.

ان ظاهرة الاندماج هي الوجه الاخر لظاهرة الانقراض فحزب "تسوميت" اليميني اندمج بحزب الليكود سنة 1996، وحزب "ميرتس" اليساري هو حصيلة اندماج ثلاثة احزاب هي "راتس" و"شينوي" و" مبام". وحزب "يهدوت هتواره" هو  محصلة اندماج " اغودات يسرائيل" و "بو عالي أغودات يسرائيل" و " ديغل هتوراه"...وهكذا.

والظاهرة الختامية هي كثرة المنازعات بين الاحزاب الاسرائيلية ففي سنة 1924 اغتال بعض الصهيونيين يسرائيل يعقوب دوهان بتهمة الخيانة وهو شاعر وصحافي وأحد قادة "اغودات يسرائيل". وفي سنة 1933 اغتال يهود متطرفون حاييم ارلوزوروف مدير القسم السياسي في الوكالة اليهودية بتهمة  الاعتدال. وفي سنة 1948 امر دافيد بن غوريون بنسف الباخرة " التاليا" واغراقها في البحر لانها كانت تحمل اسلحة لجماعة " حيروت" التي يتزعمها ميناحم بيغن. وفي سنة 1974 قام سعاديا مرتسيانو في الفهود السود بالقاء قنابل حارقة على مكتب الحاخام مئير كهانا مؤسس حركة " كاخ" العنصرية. وفي سنة 1995 اغتال متطرف يهودي يدعى يغئيل عمير رئيس الوزراء يتسحاق رابين.

ان هذه المنازعات جعلت بعض الصهيونيين يستنتج ان ثمة انقساما حطيرا في المجتمع الاسرائيلي. فهناك من بعتقد ان اليهودية صارت خطراً على اسرائيل( حادثة يغئيل عمير)، بينما هناك من يعتقد أن اسرائيل هي خطر على اليهود مثل جماعة " ناطوري كارتا".

ما هو الحزب السياسي في اسرائيل

الحزب السياسي هو جماعة من الناس تعتنق مذهباً سياسياً واحدا. اذا كان هذا التعريف سليماً فان اسرائيل نفسها تعتبر حزباً واحدا كبيرا لان معظم المواطنين يعتنقون الصهيونية كفكر موحد للجميع. وتقسم الاحزاب الاسرائيلية في العادة الى معسكرات مثل معسكر اليمين ومعسكر الوسط ومعسكر اليسار، فضلاً عن معسكر الاحزاب الوطنية ومعسكر الاحزاب الدينية وكانت الحدود بين هذه المعسكرات الحزبية ثابتة الى حد ما بعد قيام دولة اسرائيل والفوارق بين الاحزاب حادة وواضحة ولا سيما بين اليسار واليمين وكانت الانشقاقات تتم داخل كل معسكر وقلما تتسرب المجموعات المنشقة من معسكر الى آخر، لكن بعد سنة 1967 بدأت الانشقاقات والاندماجات تتداخل في ما بين المعسكرات، وصارت الفوارق تتضاءل بالتدريج. وعلى سبيل المثال: ما الفارق اليوم بين الليكود ويسرائيل بتينو (اسرائيل بيتنا) وكاديما وشاس؟

كاديما الذي اسسه شارون في الاساس كان في الليكود، وقاعدة حركة شاس تتماثل وقاعدة حزب الليكود تماما، فهي مؤلفة من اليهود الشرقيين. واسرائيل بيتنا هم اشكناز يمينيون مثل الليكود تماما والملاحظة اللافتة في هذا الحقل هي ان ازدياد حدة الاستقطاب في المجتمع الاسرائيلي أدت الى اضمحلال احزاب الوسط. ويعكس مصير حزب " شنوي" العلماني الليبرالي هذه الظاهرة، وهذا الحزب الذي نال في انتخابات سنة 1988 خمسة عشر مقعدا كان مصيره الاضمحلال فاندمج في المابام وراتس سنة 1992 ليشكلوا معاً حركة "ميرتس".

 

محطات لافتة

هناك ما هو لافت ايضا في تاريخ الحركة الصهيونية في بلادنا. فأول جمعية منتخبة وممثلة للتجمع اليهودي في فلسطين ظهرت في 19/4/1920. وأجرى التجمع اليهودي في فلسطين(الييشوف) انتخاباته الثانية في 6/12/1925.

وفور قيام دولة اسرائيل تمكن اليهود من اجراء اول انتخابات تشريعية بعد ثمانية اشهر فقط. اي في 25/1/1949. ونظام الانتخابات كما هو معروف هو النظام النسبي الذي يعتبر اسرائيل دائرة واحدة، ويعتمد نظام اللوائح الاسمية المرتبة بالتسلسل وكل 100 شخص يستطيعون تأليف حزب. وتحتاج  اي لائحة الى 2500 توقيع لخوض انتخابات اول مرة، ولها الحق في تجيير الاصوات الى اي لائحة اخرى بموجب اتفاق رسمي يسبق الانتخابات.

 

الاحزاب العربية

خضع الفلسطينيون الذين ظلوا في ديارهم منذ سنة 1948 فصاعداً للحكم العسكري الاسرائيلي الذي لم يزح عن صدورهم الا في سنة 1966. لذلك لم يكن للعرب اي احزاب في المرحلة الاولى التي اعقبت النكبة. وحاول بعض الناصريين والشيوعيين والقوميين العرب تأسيس " الجبهة العربية" في سنة 1958، لكنهم لم يلبثوا ان اختلفوا على قاعد ة الخلاف الناصري الشيوعي انذاك، وانفرط عقد الجبهة في سنة 1959. وظهرت حركة الارض في سنة 1961 كحركة قومية لا تعترف باسرائيل، وكان من ابرز مؤسسيها صالح برانسي وحبيب قهوجي وصبري جريس. وفي سنة 1971 ظهرت حركة ابناء البلد في ام الفحم وكان مؤسسها توفيق كيوان، وهي استمرار للافكار نفسها التي تبنتها حركة الارض.

لاحقا أُسست "الحركة الاسلامية" وكانت نشأتها في المثلث ثم امتدت الى الجليل. ولعب الدور الاساسي فيها شبان درسوا في جامعات الضفة الغربية بعد سنة 1967، ومنهم عبدالله نمر درويش من كفر قاسم. وقد انشقت هذه الحركة على نفسها فيما بعد، ومن وجوهها الحالية الشيخ رائد صلاح والشيخ ابراهيم صرصور.

توالى ظهور الاحزاب العربية، فكان اول حزب عربي خالص هو الحزب الديمقراطي الذي اسسه عبدالوهاب الدراوشة سنة 1988، ثم التجمع الوطني الديمقراطي الذي اسسه عزمي بشارة، ثم الحركة العربية للتغيير (أحمد الطيبي)، فالحزب العربي الديمقراطي (طلب الصانع) فالحزب القومي العربي (محمد كنعان).

ويمكن اعتبار حزب "راكح" القائمة الشيوعية الجديدة" حزباً عربيا الى حد كبير لان معظم اعضائه من العرب وبينهم قليل من اليهود المؤيدين للعرب