بين مطرقة إنكارهم من الدولة اللبنانية والأونروا وسنوات "نضالهم" للحصول على صفة لاجئ

خاص/ مجلة القدس

تحقيق/ هبة الغول/ لبنان

 

فتاة من فلسطين عاشت غربة في غربتها، أولى المسميات التي أطلقت عليها لاجئة في غزة، دون أن تدرك لماذا هي لاجئة فقد انتقلت من هربيا شمال غزة الى داخل غزة، لتصنف بعد ذلك على أنها من فلسطينيي 67 اللاجئين في سوريا، وتنتهي لاجئة في لبنان. لجوء يتبعه لجوء تماشياً لصراعات سياسية لا يدفع ثمنها إلا الشعب. حرمت من الاستقرار والشعور بالأمان، سلبت من حماية القانون لها كونها تفتقر الى الشخصية القانونية، فلا أوراق ثبوتية بحوزتها. كانت أصغر من أن تستوعب هذه المصطلحات القانونية. كل ما كانت بحاجة الى إدراكه في طفولتها ومراهقتها أن عليها تجنب التعرض المباشر لممثلي القانون، فكلما اضطرت للاقتراب من حاجز للجيش اللبناني يبدأ قلبها يخفق بشدة قلقاً واضطراباً، خوفاً من ذنب لم تقترفه. وليس الخوف من التنقل وحده الأمر الذي عانت منه، كذلك واجهت صعوبة في تحصيل العلم، تلاه صعوبة في الحصول على عمل.

ومع ذلك تبقى هذه الفتاة الأوفر حظاً من فلسطينيي 67 الموجودين في لبنان، بحيث أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتوزعون الى عدة فئات : 1- اللاجئون المسجلون لدى الأونروا والمديرية العامة لشؤون اللاجئين في وزارة الداخلية والبلديات. 2- اللاجئون الفلسطينيون المسجلون لدى المديرية العامة بدون الأونروا. 3- اللاجئون الفلسطينيون من غير المسجلين لا في الأونروا ولا في المديرية العامة الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية، وهي الفئة التي نخصها بتحقيقنا هذا. ومن المضحك المبكي الحوار الذي أجرته "مجلة القدس" مع عائلة أم العبد سلطان في مخيم عين الحلوة، حيث روت لنا أن أبو العبد سلطان رحمه الله والذي يحمل شهادة ولادة من قطاع غزة، كان ضابطاً في صفوف الثورة الفلسطينية وجاء الى لبنان، تزوج بعقد شرعي لكن غير مسجل في دوائر اللاجئين في وزارة الداخلية ولا لدى وكالة الأونروا، مما ترتب عليه مشاكل اجتماعية وقانونية، نتيجة عدم استطاعته تسجيل أبنائه الثمانية في دوائر وزارة الداخلية اللبنانية، أو في سجلات وكالة الأونروا، ليقع بذات المعضلة ابنه الأكبر عبد وهو والد لطفلين وينتظر الابن الثالث فهو أيضاً غير قادر على تسجيل أبنائه ولا يعلم ماذا ينتظرهم. أما ابنه أحمد والذي يعتبر الأوفر حظاً بين إخوته فقد عقد قرانه على قريبته المغتربة في ألمانيا وهما بانتظار أن تتم خطيبته 18 عاماً لتتمكن من تقديم أوراق الزواج لطلب لم الشمل، وفقاً للقوانين المرعية الإجراء في ألمانيا،علّهُ إذا تمكن من السفر الى الخارج أن يعامل أخيراً معاملة إنسان له وجود في الدنيا. أما محمد فقد أعرض عن الزواج خشية أن يعيد الكرة مع أبنائه ويقول "ليش أجيب ولاد عهالدنيا بلا هوية"، ويضيف "نحن نملك ورقة مختار تفيد بأننا فلسطينيون نقيم في مخيم عين الحلوة وأيضاً الإفادة الصادرة من منظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 2008 حصلنا على بطاقات التعريف الصادرة من مديرية الأمن العام وهي صالحة لغاية 2009"، إلا أن أحمد هو الوحيد بين إخوته الذي لم يحصل على بطاقة التعريف. وعند مراجعة العائلة للأمن العام في صيدا بغية تجديد هذه البطاقات، بدأوا يسمعون كلمة "ارجع بعد 15 يوماً" على مدى4  أشهر، الى أن رُفض صراحة طلبهم بداية عام 2010. ويئسوا من هذا الموضوع وتوقفوا عن المراجعة. ويضيف محمد: "مع أن شهادة إثبات الجنسية الصادرة عن منظمة التحرير كرست حالتنا عند اللبنانيين، إلا أن الضباط عند الحواجز أغلبهم غير مطلعين على هذه الورقة، وأحياناً دخولنا وخروجنا مرهون بمزاج الضابط المناوب، فإذا مزاجو رايق بنمرق وإذا معكر الله يكون بالعون".

 

وأمل محمد من السنة الجديدة أن تكون أفضل، خاصة بعد تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، راجياً من خلال هذا الاعتراف  منح المزيد من الصلاحيات لسفارتنا في لبنان.

وفي لقاء أجريناه مع لينا سليمان - البالغة من العمر 22 سنة - والتي تحمل وثيقة سفر أردنية على اعتبار أنها من الضفة، إلا أن السفارة الأردنية ومنذ زمن طويل امتنعت عن تجديدها، تقول إن عدم امتلاكها لأوراق ثبوتية يحرمها من فرص عمل لا تعوض، فقد سبق وأن عرض عليها عقد عمل بالخارج، لكنها اضطرت أن ترفض لكونها غير قادرة على مغادرة البلد دون هوية أو جواز سفر.

 وتضيف: "إن جميع أفراد عائلتي يُعانون من هذه المشكلة فأختي أيضاً عرض عليها منحة دراسية كاملة التكاليف لتدرس الطب في روسيا إلا أنها اختارت كلية إدارة الأعمال في لبنان نظراً لعدم تمكنها من المغادرة. وأختي الكبرى لم تتمكن من عقد قرانها في المحاكم اللبنانية مما اضطرها إلى توكيل والدتي بإجراءات عقد الزواج وتسجيله في سوريا كونها تتعامل بليونة أكثر مع الحالات المشابهة لحالاتنا"، متسائلة لماذا لا نعامل كأي إنسان له وجود وكيان، نحن مستضعفون ليس فقط من قبل اللبنانيين وإنما من قبل الأونروا التي تحرمنا من الحصول على مساعداتها الاجتماعية والصحية وغيرها".

وتردف: "يجب الأخذ بعين الاعتبار أن إهمالنا كفاقدي أوراق ثبوتية له عواقب وخيمة جداً، فالشباب ليتمكنوا من التنقل بحرية وهو أقل حق يعطى لهم يضطرون إلى تزوير هويات، مما يعرضهم إلى خطر السجن والذي له تبعاته الاجتماعية الخطيرة، أو قد ينتمون إلى جماعات متطرفة نتيجة اليأس والتي بدورها لن توفر هذه الفرصة لاستغلالهم. من هنا أدعو سفارة دولة فلسطين في لبنان أن تأخذ دورها كاملاً، وتبذل كل الجهود لحل مشاكل هذه الفئة من الفلسطينيين، وأن توجد حلولاً ولو مؤقتة تخرجنا من أزمتنا الإنسانية".

عزباء ولكن أم لثلاث بنات

وفي لقائنا مع آمال الصالح العزباء "قانونياً" وأم لثلاث فتيات، تبيّن أنها ليست العزباء الوحيدة التي لديها أولاد فهي عينة من نساء تزوجن من فلسطينيين من فئة فاقدي الأوراق الثبوتية. وقد رُفض مراراً وتكراراً طلبها لاستبدال هويتها لاستصدار أخرى تقرّ بأنها متزوجة، ليبقى مصير الأبناء معلقاً. لا هم انتسبوا الى أب ولا الى أم، وكأنهم "لقطاء"، حتى الأونروا نفسها قبلتهم على مضض بمدارسها، بالرغم من حيازتهم إفادة صادرة من منظمة التحرير الفلسطينية تفيد بأنهم فلسطينيون من غزة.

كما أجرت مجلة القدس حواراً مع جمعية "رواد فرونتييرز" لتسليط الضوء على الجهود المبذولة من قبل  منظمات المجتمع المدني لإيجاد حل قانوني لفئة فاقدي الأوراق الثبوتية، فأطلعتنا المديرة التنفيذية للجمعية سميرة طراد على أهم وآخر المؤتمرات وهو المؤتمر المعنون بـ "الفلسطينيون فاقدو الأوراق الثبوتية: قضية إقليمية مشتركة"، والذي نظم في حرم الجامعة الأمريكية في بيروت، بالتعاون مع مركز حقوق اللاجئين "عائدون" وبرعاية "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" وبدعم من وزارة العلاقات الخارجية والتعاون في إسبانيا وجمعية التضامن الدولية الاسبانية.

وسعى المؤتمر الى تعزيز الحوار بين الدول المعنية مباشرة بموضوع فاقدي الأوراق الثبوتية، سواء تلك التي أتوا منها الى لبنان أو تلك التي تربطهم بها علاقات قانونية ما، كما حاول تسليط الضوء على الثغرات القانونية والتقنية المتعلقة بهذه المسألة بهدف التوصل الى حل شامل وملائم. وشارك في المؤتمر ممثلون عن الدول العربية المعنية (الاردن ومصر وسوريا والسلطة الفلسطينية ولبنان)، وعن جامعة الدول العربية والأونروا ومفوضية شؤون اللاجئين، وعدد من النواب والاتحاد الاوروبي وناشطون وأكاديميون وممثلون عن وكالات ومنظمات دولية.

 

وكانت خلاصة المؤتمر أن توصل المجتمعون الى أربعة نتائج أساسية، حيث ظهر أولاً أن هناك التباساً في تعريف الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية أو دون هوية، حتى على مستوى التسمية، الأمر الذي يحتاج الى مزيد من النقاش بين مختلف الجهات للتوصل الى تعريف مشترك مقبول من كل الاطراف. ثانياً أكد المشاركون أن المسؤولية في إيجاد حلول لمشكلة فاقدي الاوراق الثبوتية هي مسؤولية مشتركة، ما يسلتزم تحديد أطر المسؤولية وكيفية ترابطها. ثالثاً أبرز المحاضرون أن معالجة موضوع فاقدي الاوراق الثبوتية لا تنحصر في الجانب القانوني فحسب، بل لا بد من أن تكون معالجة شاملة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية. وبالتالي الحل هو حل مشترك ومنسق بين مختلف الأطراف كنتيجة حتمية لتشارك المسؤولية. وأخيراً تمنى المجتمعون على جامعة الدول العربية أن تبادر من خلال مؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين في الدول المضيفة، الى إيلائها الاهتمام التي تستحقه. وفي الختام اتفق المؤتمرون على متابعة التواصل للمساهمة في بلورة حلول لمعالجة هذه الظاهرة والحد من انتشارها.

وتضيف طراد: "لقد وصلنا الى نتائج جيدة فيما يتعلق بموضوع الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية وذلك نتيجة عمل تراكمي بدأ منذ عام 2004 حتى الوقت الحالي، فقد سبق لنا وأن حضرنا دراسة قانونية تتعلق بهذا الموضوع وناقشنا نتائجها في مؤتمر عقدناه في 2005 ضم خبراء قانونيين دوليين ممثلين عن الأونروا  وممثلين عن وزارة الداخلية، وخلصنا الى توصيات صادرة عن هذه الدراسات القانونية. كما سبق لنا وأن أصدرنا دراسة قانونية حول ظاهرة عديمي الجنسية في لبنان عنوانها "بين الظل والذل رحلة عمر"، لأن لا حياة لمجتمع يجعل ناسه في خدمة قانونه، فإن المجتمع المتطلع الى الأمام هو الذي يجعل قانونه في خدمة ناسه. أيضاً أجرينا دراسة ميدانية موجزة تحت عنوان "الوقوع في المتاهات" وقمنا من خلالها بتحليل معمق للقوانين والسياسات المعتمدة وتسليط الضوء على الثغرات القانونية والعملية في الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين، وذلك بهدف الوصول الى فهم أفضل للظروف التي تؤدي الى حرمان بعض اللاجئين الفلسطينيين من الاعتراف والتسجيل الرسميين تمهيداً لردم الهوة الموجودة في النظام القانوني، بحيث لا ينكر على اللاجئين الحق بالاعتراف بهم ومساعدتهم.

كما قمنا بتنظيم ورشات عمل عديدة مع المجتمع الفلسطيني لتقديم النصائح القانونية، والعمل لازال مستمراً على هذا الصعيد".

وأصدرت جمعية "رواد فرونتييرز" ورقة في تشرين الأول 2010 تضمنت ملاحظات الجمعية حول بطاقة التعريف الممنوحة لفاقدي الاوراق الثبوتية فهي لا تعطيهم الأمان، حيث لا تعرّف عن حاملها كلاجئ إنما كشخص فاقد للأوراق الثبوتية ويعيش على الأراضي اللبنانية مما يعني أنها تعطيه وضع قانوني غير مستقر. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الورقة لا تزودهم بأي من الحقوق الأساسية والضرورية مثل الحق بالعمل، الحق بالتعلم، الحق بالحصول على الرعاية الصحية الأساسية. أضف إلى ذلك أن قرار اصدار البطاقات هو قرار إداري ومن الممكن أن يتغير في أي وقت في ظل غياب الضمانات التشريعية.

 مع هذا، تمنح هذه البطاقة حاملها الاعتراف بشخصيته وتسمح له بالتجول بحريّة داخل الأراضي اللبنانية.

إضافةً إلى ما سبق، فإن المعايير والشروط اللازمة للحصول على هذه البطاقة ليست واضحة أو معلنة وهذا يجعل من الصعب معرفة مَن يتمتع بالأهلية للحصول على هذه البطاقة.

"جل ما نهدف له هو تأمين حياة كريمة للفلسطينيين"

وبما أن معاناة هذه الفئة من الفلسطينيين لا يمكن حصرها، حملنا آهاتهم الى سفارة دولة فلسطين علَّنا نجد لهم ليس الدواء الشافي وإنما المسكن لآلامهم، فكان حوارنا مع القنصل محمود الأسدي، والذي أوضح بأن هذه الفئة من الشعب الفلسطيني وصلت الى لبنان بعد نكبة عام 1967 وأحداث الأردن عام 1970، وقتها لم يشكل دخولهم الى لبنان أي مشكلة وتواجدوا كأي فلسطيني في لبنان، ولكن بعد خروج الثورة عام 1982 بقي عدد منهم ممن لم يتمكنوا من العودة الى الأردن، أو من الذين لم تقبله مصر ولا يمكنه الرجوع الى غزة. وخلال الثلاثين عاماً اللاحقة بدأت تتراكم مشاكلهم، إذ عانوا من صعوبة بالدخول والخروج الى المخيمات، كما عانوا صعوبة بإيجاد عمل لسد رمق عيشهم، وتعليم أولادهم، ومشاكل بتثبيت الزواج فيما بينهم. وفعلياً مشاكل هذه الفئة لم تكن ظاهرة للعلن حتى حادثة عام 1996- عندما سُئل شاب عن هويته على إحدى حواجز الجيش اللبناني فركض هارباً ولكنه ما لبث أن وقع قتيلاً برصاص الجيش اللبناني ليتبين لاحقاً أنه من فاقدي الأوراق الثبوتية لذلك يحمل هوية مزورة وخوفه من السجن بتهمة التزوير أو بالأحرى خوفه من ذنب لم يقترفه كان سبباً بموته. ليبدأ البحث جدياً بوضعهم في البداية من قبل جمعيات حقوق الانسان نظراً لأن ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن موجودة حتى تاريخ 15/5/2006، وقد بذلت هذه الجمعيات جهدها مع الدولة لإيجاد مخرج قانوني لوضعهم، ولكنها لم تتوصل الى أي حل رسمي. فقد واجهوا صعوبة بعملية إحصاء العدد الموجود في لبنان ومعرفة أماكن تواجدهم، نتيجة خوف بعض العائلات من إظهار نفسها وجلب المشاكل الى نفسها قد لا تتمكن من مواجهتها، والبعض الآخر تواجدوا بأسماء مختلفة كأسماء الفلسطينيين المسجلين بوزارة الشؤون. وعند نشوء السفارة الفلسطينية عام 2006 "كان من أولوياتها ملف فاقدي الأوراق الثبوتية، وإيجاد حل معقول لهم، ولتخفيف معاناتهم قمنا بإصدار إفادة إثبات جنسية تفيد بأن حاملها فلسطيني وذلك من خلال المستندات التي بحوزته، والتأكد من هويته من خلال الإتصال بأهله وأقربائه داخل فسطين، بالإضافة الى وثائق ولادة، ومستندات قديمة من فلسطين موجودة مع كبار السن. وتمكنا من خلال هذه الإفادة عمل نوع من الإحصاء لعددهم وأماكن تواجدهم وقطعنا شوطاً كبيراً بذلك، وتزامن نشوء السفارة بإنشاء لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني برئاسة خليل مكاوي، وقد تابعت هذا الموضوع بأدق تفاصيله، وقدمت المساعدة للعديد من الذين كانوا يتعرضون للمشاكل نتيجة فقدانهم لأوراق ثبوتية".

وبعد دراسات طويلة بين السفارة الفلسطينية وبين الحكومة ووزير الداخلية ومدير الأمن العام تم التوصل الى إصدار بطاقة تعريف من قبل الأمن العام تجعل من إقامة الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية في لبنان إقامة شرعية، وقد شكلت فترة الإصدار ارتياحاً كبيراً لدى الفلسطينيين، كونها كانت بداية للاعتراف بوجودهم  مما يسهل عليهم ممارسة حياتهم اليومية بشكل مطمئن.

ويشرح الأسدي "كان لدينا طموح عند استكمال الطلبات لدى الأمن العام بأن يتم نقل العدد الإجمالي الى وزارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين لتصنيفهم كحالة خاصة وذلك لرعاية أمورهم وإن لم يتمتعوا بذات حقوق الفلسطينيين المسجلين أساساً. إلا أن الأمن العام توقف بعد 4 أشهر عن إصدار البطاقات بدون وجه حق وبدون أي إنذار أو حتى تبرير، واستمر هذا التوقف لمدة عام بفعل قرار سياسي، الى أن عاودوا إصدارها بداية عام 2010، ولايزال إصدارها قائماً لكن مع تدقيق غير مبرر، وتوقيف لعدد من الأشخاص، وانعدام الموضوعية في التعامل مع الطلبات".

ورأى أن حل هذا الموضوع مرتبط بالواقع السياسي في لبنان، فالتسهيلات بطيئة من قبل الدولة، إلا "أننا نطمح بخدمة هذه الفئة وذلك من خلال الترتيبات الحالية ضمن اللقاءات المتواصلة بشكل مباشر مع وزارة الداخلية وهنالك وعود بحلحلة الأوضاع".

بشر مع وقف التنفيذ

فالشباب غير القادر على التنقل والعمل والتعلم والزواج "ما هم إلا بشر بالهيكل ولكن ليس بالمعاملة"، ويشكلون قنبلة موقوتة، لذا يجب تحويلهم الى مواطنين عاديين يعامل كل واحد منهم على أنه انسان بكل معنى الكلمة، فحل مشكلتهم فائدة للدولة للبنانية. فبكل دول العالم الانسان من حقه أن يحلم بمنزل لا أن يعيش فيه فقط ولكن أن يموت فيه، بينما في لبنان الفلسطيني ممنوع من كل شيء، ممنوع من فراولة 72 مهنة بحجة التوطين، وممنوع أن يتملك منزلاً بحجة التوطين. فجلّ ما نهدف له هو تأمين حياة كريمة للفلسطينيين الى حين العودة.

وقد أفادنا أسعد حموري، مساعد القنصل في السفارة، بأنه بعد عدة لقاءات مع الأونروا تم خلالها طرح مجموعة نقاط منها تمكين كل من يحمل شهادة إثبات الجنسية الصادرة عن السفارة الفلسطينية الاستفادة من خدمات عيادات الأونروا ضمن إمكانياتها، ولكن حتى الآن لا يوجد التزام دقيق في هذا الموضوع من قبل كافة العيادات.

وفيما يتعلق بالوضع التعليمي تم الاتفاق مع وزارة التربية والتعليم على قبول الطلاب من فاقدي الأوراق الثبوتية بمختلف المراحل التعليمية، وعدم تفويت الفرصة عليهم بنيل شهادات علمية تساعدهم بشق طريقهم وتأمين مستقبلهم في الحياة.

وتم مناقشة التمييز الذي تمارسه الأونروا على أساس النوع من خلال تجميد تسجيل النساء اللواتي يتزوجنّ من رجال غير مسجلين وحرمانهن من نقل وضعهنّ القانوني الى أولادهنّ وأزواجهنّ، فهذه الممارسة تزيد من عدد الأشخاص غير المعترف بهم جيلاً بعد جيل، كما تفوت فرصة هامة للتخفيف من حدة هذه المشكلة. "فهي من جهة لا تعترف بالزواج ولا تثبته، ومن جهة أخرى تشطب البنت المتزوجة من غير مسجل من كرت عائلتها، وترفض فصلها بكرت خاص بها فمهما بلغنَ من العمر في العرف العام هنّ أمهات عزباوات ومهما أنجبنَ من أولاد وأحفاداً هم... لا وجود لهم!".

بغض النظر عن الجهة التي يجب أن تحل قضيتهم المشكلة التي تتناقض مع المادة السادسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تفيد بأن "لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية"، معطوفة على المادة الثانية من الإعلان نفسه: يطبق هذا المبدأ "... دون أي تمييز،  كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر"- فإن الضرر الناتج عن إنكار وجودهم أو عدم الاعتراف بقانونيته سواء من قبل الدولة اللبنانية أو الأونروا أو الدول العربية، التي لجؤوا في هجرتهم الأولى إليها، ينسحب عليهم وعلى أولادهم وأحفادهم وعلى ذريتهم كلها من بعدهم. هم غير قادرين على العمل طبعاً، ممنوعون من دخول المدارس ومن الاستفادة من خدمات الأونروا الطبية ومن الزواج ومن تسجيل أولادهم... هم وبكل بساطة يناضلون وسط  صعاب كثيرة للحصول على صفة "لاجئ"، للاعتراف بهم كلاجئين موجودين.