لم يترك نتنياهو خطيئةً لا تُغتفَر ضد الشعب الفلسطيني إلّا وارتكبها بإدمان شديد، قتلَ الاتفاقات الموقَّعة التي ساهم هو نفسه في توقيع بعضها، وخوّف (إسرائيل) من حل الدولة الذي يجلب معه الخصم الفلسطيني الذي يشكِّل كل الأخطار الوجودية التي يعيش ويتغذَّى عليها الإسرائيليون بكل أحزابهم من اليمين الديني واليمين العلماني، وأحزاب الوسط، والأحزاب التي تعتبر تحت اسم اليسار، وسدَّ الطريق بشكل نهائي، ضد حل الدولتين، بل شجّع الشعب الإسرائيلي، على عدم الاعتراف بأنهم ممثّلون للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة عام 1967، وأنّهم تجاوزوا الحدود التي رسمها قرار التقسيم رقم 181 في عام 1947، موقنين أنّ هذه الأرض أعطاها الله لهم، وأنّهم غابوا عنها فقط لمدة أربعين سنة، وعادوا إليها، الأمر شجع إلى درجة الشذوذ عمليات الاعتداء اليومي على الشعب الفلسطيني، حروبًا واجتياحًا حتى عندما انسحب من قطاع غزة انسحابًا أحاديًّا، باستدراج واضح لحماس وقعت فيه وذهبت إليه بعيون مبحلقة وبصيرة مطفأة، فإنّه عوضًا عن عمليات القتل اليومي بثلاث حروب كبيرة، قتل فيها الآلاف، ودمر آلاف البيوت، وأعدم البنية التحتية، وفوق كلِّ هذا فإنَّه ظلَّ يردِّد الأكذوبة الشخصية المملّة، بأنّه لا يوجد شريك فلسطيني، مع أنّ هذا الشريك ممثّلا بالقيادة الفلسطينية الشرعية، كان جاهزًا وفي أعلى درجات الجاهزية بمشاريع وافق عليها العالم، واعترف بمستواها السياسي العالي، وتبنّاها بكل معايير السلام بين الشعبين، لكنّه ظلَّ ينكر، وظل يذهب إلى كل ما هو شاذ في أفكار وممارسات المستوطنين، وأعضاء المجموعات اليهودية الإرهابية، والجيش الإسرائيلي نفسه الذي أدمن العدوان ضد الشعب الفلسطيني والقفز عن ثوابته وحقوقه العادلة.

بالإضافة إلى كل ذلك، فإنَّ معطيات عميقة داخل أكبر دولة في العالم أتت إلى البيت الأبيض برجل خارج كل التوقعات وهو دونالد ترامب، الذي أصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، ومن يومه الأول عمل هذا الرئيس وهو دونالد ترامب على نقل أميركا في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دور الوسيط إلى دور العدو المباشر، وتبلور هذا الانتقال في إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل سفارة بلادها إليها بشكل هزلي مستفز، وتحوّل ترامب ومساعدوه إلى ما يشبه فريق دعاية رخيص لصالح نتنياهو الذي اضطر بعد مماطلة طويلة أن يحل الكنيسيت وأن يعلن موعد الانتخابات الإسرائيلية بعد أربعين يومًا.

ولكنَّ المفاجآت القاتلة استمرت في التفجر في وجه الحليفين، ملفات فساد نتنياهو، وملفات فساد وجنون ترامب، وحاول نتنياهو أن يهرب من الاستحقاق، ولكنَّ الدائرة تضيق عليه، وها هو مندلبليت يعلن أنّ نتنياهو لا محالة ذاهب إلى القضاء، بشأن ملفات الفساد. فريق الدعاية الأميركي الرخيص عاجز الآن عن الدفاع، لأنّ رئيسه ترامب ذاهب إلى أشد من السقوط، فقد عاد من هانوي بعد قمته مع الرئيس الكوري الشمالي فاشلاً ومصدومًا وخالي اليدين، كما أنّ محاميه السابق مايكل كوهين أشعل نارًا حارقة، ورسم فضيحة مدوّية لترامب أثناء الإدلاء بشهادته التي استمرّت ثلاثة أيام، والتي وصف فيها ترامب بأنّه عنصري، وبأنّه نصاب ومحتال، إذا بدأ زمن السقوط للرجلين الحليفين، لأنّهما في الأساس لم يعملا حسابًا لخصمهما المذهل وهو الشعب الفلسطيني، وقيادته التي يقف على رأسها الرئيس أبو مازن، رجل الوعي الشامل، والشجاعة الهائلة، المدعم بالثوابت والحقوق والتأييد الشامل رغم سقوط بعض الساقطين الذين هُم في كل شعب وفي كل زمان ومكان مكانهم لعنات العار.

نتنياهو كيف سيساعد حليفه ترامب؟ وترامب هل عنده متَّسع لمساعدة نتنياهو؟؟؟ ضاقت الدائرة، واقترب موعد الحساب.