الحرب الأميركية الإسرائيلية ضدَّ الشرعية الفلسطينية، بقيادتها ومشروعها الوطني التحرّري، تشتدُّ وتتفاقم: قرصنة لأموال الضرائب الفلسطينية، لا لتشديد الحصار المالي على السلطة الوطنية فقط، وإنَّما لضرب أيقونات روحنا وذاكرتنا الوطنية وتاريخنا النضالي، شهداؤنا وأسرانا الذين تُقرصن (إسرائيل) أموالنا بذريعة خصم رواتبهم!! وهناك التحريض الاستيطاني الصهيوني الإجرامي المتواصل ضدَّ الرئيس أبو مازن لاغتياله وتصفيته، ثُمَّ هناك الآن في هذه الحرب العدوانية المستعرة، "وارسو" في محاولة أميركية جديدة لإيجاد مخارج ممكنة لصفقة ترامب الصهيونية، وهذه المرّة بأحصنتها المخصية من الخارجين عن الصف الوطني الذين وصلوا العاصمة البولندية لجر عربة بضاعة صفقة ترامب نحو ما يريد الحوذي الأميركي من مخارج ينفق فيها هذه البضاعة الفاسدة.

لا شيء الآن أبلغ وأوضح من هذه الحرب العدوانية، غير أنَّ حركة "حماس" في صمت مطبق تجاه هذه الحرب (!!!) لا موقف ضدها، ولا توصيف لها، ولا ناطق رسمي يُهدّد أصحابها بأقاويل "المقاومة" المزلزلة، والواقع لا غرابة في هذا الصمت الحمساوي إذا ما أدركنا أنَّ "حماس" لا ترى الحرب ضد فلسطين، حربًا ضدها، خاصّةً وهي تتغنَّى بانتصارات حضورها في بعض مقالات الصحف الإسرائيلية التي جعلت من "وحدات الإرباك الليلي" "وكتائب البالونات الحارقة" سلاحًا من أسلحة الدمار الشامل الذي يُهدِّد بإزالة (إسرائيل) عن الوجود!!!

لا يفضح هذا الصمت الحمساوي تجاه هذه الحرب الأميركية الإسرائيلية المستعرة ضد فلسطين ومشروعها التحرُّري، سوى حقيقتها اللاوطنية، بل هي مع هذا الصمت المشبوه، تضرب حتى أبسط القِيَم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية في موروثنا الثقافي والتربوي عن تحالفات الأهل، وتكاتف الأخ مع أخيه في مواجهة الغريب الأجنبي العدواني، ولعلَّنا هنا نذكّر مرة أخرى، بموقف الخليفة معاوية بن أبي سفيان من قيصر الروم الذي أراد التدخل في صراع معاوية مع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، حين عرض على الخليفة معاوية جيشًا "يأتيه برأس علي"، فكان رد معاوية بليغًا في موقف سياسيٍّ حاسمٍ برفض التدخل الدولي في صراع الأهل والأمة الواحدة، فكتب للقيصر: "من معاوية إلى قيصر الروم: (أخوان تشاجرا، فما بالك تتدخّل فيما بينهما؟! فإن لم تخرس أتيتُ إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي"، لكن ولأنَّ "حماس" ليست ابنة هذا الموروث، ولا ابنة هذا الدرس وهذه الثقافة، نراها ترضى التفاهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وترفضه مع الأهل من أبناء فلسطين وثُوّارها.

نرجو أن يتفحَّص المجتمعون اليوم في موسكو هذه الحقيقة، كي لا نُضيع مزيدًا من الوقت في حوارات لا تريد "حماس" غيرها حتى تظلَّ بلا أيّة نتائج حاسمة، تنهي الانقلاب بكلِّ مخرجاته القبيحة.

وبالقطع لسنا اليوم في مواجهة الحرب الأميركية الإسرائيلية العدوانية في بحبوحة من الوقت لنواصل حوارات المواقف النظرية والحزبية، حرب الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو تستهدف رأس الكلِّ الوطني رأس فلسطين، بقضيتها العادلة، ومشروعها الوطني التحرري، وقيادتها الشرعية في منظمة التحرير الفلسطينية، الممثِّل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني التي "لا صوت اليوم ينبغي أن يعلو على صوتها". إنَّها حرب تصفوية شاملة، هذه الحرب الأميركية الإسرائيلية، وعلى الكلِّ الوطني مواجهتها بموقف شامل في وحدته وصلابته، وثباته على المبادئ الوطنية التي لا متاجرة فيها ولا مساومة عليها، ولا طريق للوحدة الوطنية الشاملة، غير طريق قبر الانقلاب الحمساوي البغيض، بكلِّ مخرجاته القبيحة.