من البداية ومن اللحظة الأولى لوصول دونالد ترمب إلى مكتبه في البيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية سقط سقوطًا سريعًا، وانكشف إلى حد الاستعصاء، وبدأ يواصل سقوطه في الاختبار حين بدأ في التعامل مع القضية الفلسطينية، أقدم وأعقد قضية في العالم، وذلك من خلال اختيار ثلاثة من رجال إدارته ليُقحِمَهم في تفاصيل وآليات ومتعرّجات هذه القضية الكبرى.

الثلاثة الذين اختارهم هُم: ديفيد فريدمان سفيره لدى (إسرائيل)، أو سفير (إسرائيل) في إدارته، فهو من داعمي الاستيطان، الذي هو من وجهة نظر القانون الدولي غير شرعي ولن يكون، وهذا السفير هو من أكبر مؤيّدي منظّمات الإرهاب اليهودي، بل تورّط بصِلة كاملة بإحدى هذه المنظّمات الإرهابية اليهودية. أمَّا الثاني فهو جاريد كوشنر صهره -زوج ابنته- الذي جعله من كبار مستشاريه، وأقحمه بلا خبرة ولا عمق ولا موضوعيّة في شؤون وتفاصيل القضية الفلسطينية، ومعروف أنَّ خلفية هذا الصهر هي نفس خلفيه ديفيد فريدمان، أُفقٌ ضيقٌ، وانحياز مُسبق، وقد اظهر انتماءَه بالكامل لصالح رؤى نتنياهو الذي انفضح تورطه في الفساد منذ سنوات، ولم يعد يجد من يحاول إنقاذه سوى ترمب ورجالاته. في حين أنَّ الرجل الثالث الذي يمثِّل ترامب في معطيات القضية الفلسطينية هو جيسون غرينبلات، وعاء فارغ، وخواء ثقافي وسياسي، وهو كالآخرين يعمل في الحديقة الخلفية لنتنياهو، لأنَّ رئيسه ترامب أصبح يبحث عن دور فقط من خلال الوقوع المطلق في شباك نتنياهو الذي سقط في موجات الفساد، ويناضل لكي يبقى في موقعه مع أنَّ الحبل يضيق على رقبته بالتدريج.

وهؤلاء الرجال الثلاثة ورئيسهم ترمب انكشفوا من خلال انحيازهم، وكلَّما ثبت فشلهم أكثر أمام الوعي الشامل للقيادة الفلسطينية وشعبها العظيم، فإنَّهم يواصلون الاتجاه بعناد أكثر وتورّط أكثر، فقد بدؤوا بإعلان القدس عاصمةً لـ(إسرائيل)، وسارعوا بدون تعقُّل بنقل سفارتهم إليها، بشكل قريب من المهزلة والتهريج، وأجروا كثيرًا من الدعاية لأصفار لا قيمة لهم في بلادهم أعلنوا نقل سفاراتهم إلى القدس كما فعل ترامب، وأوغلوا في العدوان على شعبنا وقيادتنا بقطع المساعدات وإنهاء كلِّ الالتزامات الأمريكية، حتى مساعدات المستشفيات المقدسية قطعوها، بل وقاطعوا وكالة الغوث الأممية قاطعوها، وحتى اليونسكو حاربوها، وحتى مشاريعهم في فلسطين أوقفوها، وانكشف وجه ترامب بأنَّه يفكِّر أنَّ العالم كله على شاكلته، وسرعان ما اتّضح له أنَّ القضية الفلسطينية بكلِّ مفرداتها ليست معروضةً للبيع، وأنَّها أعمق ممَّا يظنون حتى قضية تقوية وعقيدة وحق وقانون وشرعية دولته، وآخر الشطحات لرجال ترامب، هي محاولتهم من خلال مؤتمر وارسو أن يبحثوا عن وسيلة للنفاذ، فلم يجدوا سوى العار والفشل والسقوط بنظر ترامب وخليفة نتنياهو.

فشعبنا وقضيتنا وقيادتنا أكبر وأعمق وعيًا ممَّا يظنون.