مرض جنون البقر، مرض مكتشف حديثًا في العام 1986، وهو عبارة عن التهاب الدماغ الإسفنجي البقري، ويعرف علميًا بـ"جنون البقر". وهو مرض ينتج عنه اعتلال دماغي قاتل، يصيب البقر من كل السلالات، ويؤدي إلى انكماش الدماغ والنخاع الشوكي، ويتميز المرض بطول فترة الرعاية الطبية من 2,5 إلى 8 سنوات. ويصيب الأبقار البالغة. غير أنَّه في البشر يحتاج إلى فترات زمنية أطول خاصة إذا أصيب بمرض مواز له، وأشد فتكًا في المجتمعات البشرية، وهو مرض الإخوان المسلمين.

نشوء مرض ولوثة الإخوان المسلمين في العالم العربي قديم نسبيًا، وتمَّ اكتشافه عام 1928، وأول أعراض ظهوره في فلسطين كان في الأربعينيات من القرن الماضي. لكنَّ آثاره التدميرية ظهرت مع تأسيس حركة حماس مطلع الـعام 1988، وتعمَّقت أعراضه التفتيتية مع تنفيذ الحركة الانقلاب الأسود في أواسط عام 2007، ومازال هذا المرض الخبيث يفتك بوحدة ومستقبل الشَّعب الفلسطيني حتَّى الآن. وكما مرض جنون البقر، الذي ينتهي بنفوق البقر، فإنَّ مرض الإخوان المسلمين، إذا لم يتمَّ العلاج منه، يمكن أن يؤدي إلى خطر تهديد مستقبل وحدة الشَّعب والقضية والأهداف الوطنية.

وعندما نتابع مواقف حركة الانقلاب الحمساوية منذ الإعلان عن نفسها في المشهد الفلسطيني حتَّى اليوم، نلاحظ أنَّها تميَّزت بالتالي: أولاً رفض الشراكة مع أي قوة فلسطينية بما في ذلك القوى الإسلاموية الأخرى. وأي اقتراب مع القوى الأخرى، يكون مؤقتًا ونسبيًا، لأنَّ الثابت في المسار والنهج، هو الانعزال عن الآخر؛ ثانيًا العمل بثبات وإصرار على تمزيق وحدة النسيج الوطني والاجتماعي للشَّعب؛ ثالثًا انتهاج وإتباع منطق "التقية" لتمرير المخطط الإخواني، وبالتالي يعتبر سلاح الكذب من أهم أسلحة جماعة الإخوان عمومًا وحركة حماس خصوصًا؛ رابعًا المتاجرة بالدين والدنيا، ورفع شعارات سياسية ديماغوجية بهدف تضليل الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية عمومًا؛ خامسًا الارتهان للقرار السياسي للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين؛ سادسًا عدم الاعتراف بالوطن والوطنية أو القومية، ولا حتَّى بدولة الخلافة الإسلامية (التي تدعو لها كذبًا ونفاقًا)، لأنَّها كجزء من التنظيم الدولي للجماعة، أنشئت لتنفيذ أغراض الاستعمار الغربي، ولم تقم لإعلاء شأن ومكانة الإسلام كدين، وتجارب الإخوان التاريخية أكَّدت ذلك بما لا يدع مجالاً للشكّ، وهي أداة من أدوات المشروع الرأسمالي الغربي في المنطقة، وداخل الدول الإسلامية، مهمتها إسقاط وتفريغ الأنظمة الوطنية من محتواها، والاندفاع نحو تمزيق نسيج الدول والشعوب، وزرع الفتنة الدينية والطائفية بين مكوناتها.

ومن تابع جيدًا مراكز احتضان الجماعة في دول أوروبا الغربية ومن ثمَّ الولايات المتحدة، بالإضافة للدول العربية والإسلامية السائرة في ركابها، يرى إنَّها انتعشت وتطوَّرت في رحم تلك البلدان. وهذا الاحتضان والرعاية ليس مجانيًا، ولا هو لسواد عيون جماعة الإخوان المسلمين ومرشديها: حسن البنا والتلمساني والهضيبي وعاكف وبديع ومن لفَّ لفَّهم من قادة الجماعة، إنَّما له ثمن، ومشروط بلعب الدور الموكل للجماعة في خدمة أغراض الغرب الرأسمالي، وعنوانه الأساس ضرب المشاريع القومية الديمقراطية للدول عمومًا، وللعرب خصوصًا، الذي أكَّد مؤتمر كامبل نبرمان 1905/1907 على ضرورة تفتيت وتمزيق وحدة الشعوب العربية، وزرع جسم غريب في وسطها، والحؤول دون نجاح حتَّى الدول، التي نشأت نتاج اتفاقية سايكس بيكو 1916 الغربية الاستعمارية، ليس هذا فحسب، بل والعمل على إفشالها، وإنهاكها بالصراعات الداخلية، التي لجماعة الإخوان دور رئيس فيها.

وبالعودة لحركة حماس ومرض جنون البقر، فمن استمع لما صرَّح به محمود الزَّهار عن " اندثار وموت مرحلة حركة فتح، وانبلاج مرحلة حركة حماس" يكتشف عممق وصوابية التشخيص لقيادة حماس وإصابتها تاريخيًا بلوثة جنون البقر، لأنَّها الامتداد الطبيعي لحركة الإخوان المسلمين، وهي الحامل لكل عوامل الموت والتفتيت لأي جسم وطني سليم. وما يزيد اليقين بالإصابة بمرض الجنون، هو ما تبناه علانية المدعو خالد الخالدي، الذي حذف من برنامج احتفالي في الجامعة الإسلامية الأسبوع الماضي النشيد الوطني، بذريعة أنَّه عادة "وثنية"؟!.

هذان النموذجان يعكسان بوضوح شديد حجم وعمق تفشي مرض جنون البقر في الأوساط الحمساوية. ويكشف مدى الانحدار، الذي وصلت له حركة الانقلاب الإخوانية. ودون إطالة، فإنَّ المؤكّد، أنَّ حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، لم تمت، ولن تموت، وستبقى رائدة وقائدة للمشروع الوطني، والتجارب أكَّدت بما لا يدع مجالاً للشك، انه نهضت من عمق أزماتها، وانتصرت على كل القوى المتربصة بالثورة. والمؤكد أن القوة، التي ستموت مع تطهير الشَّعب العربي الفلسطيني من مرض الإخوان المسلمين، هي حركة حماس، إلَّا إذا تعافت من مرض الإخوان، وتوطَّنت في المشروع الوطني، وقبلت بالشراكة السياسية. والحكم على الاستنتاج العلمي، هو المستقبل المنظور، وليس الوسيط أو البعيد.