ترى ما هي المقاومة الشعبية السلمية..؟؟ يبدو طرح هذا السؤال غريبًا بعض الشيء طالما أنَّ جوابه معروف تمامًا، فهذه المقاومة هي أولاً مجمل فعاليات وتجليات الصمود الوطني بمختلف تحدياته المنوعة، من التصدي لوجود الاحتلال الإسرائيلي، وكل ما يمارس من سياسات التطرف والإرهاب العنصرية، ضد شعبنا، الهادفة إلى طمس حقوقه المشروعة، وتدمير أهدافه العادلة، وتطلعاته النبيلة، إلى تحديات التقدم في دروب البناء والتأسيس، بالديمقراطية وأخلاقياتها الوطنية، وسبل تحقيق العدالة الاجتماعية، وتكريس سيادة القانون لضمان الحكم الرشيد، وفي التصدي لوجود الاحتلال الإسرائيلي، فإنَّ التظاهرات الشعبية السلمية ضد هذا الوجود تشكِّل الوسيلة الأرقى والأجدى، وقد ثبت فعاليتها على نحو بليغ في هزيمتها لبوابات الاحتلال الإسرائيلي الالكترونية، التي وضعها على مداخل باحات الصلاة، في القدس المحتلة، للتضييق على الصلاة والسيطرة عليها!.

ويُعرف القاصي والداني إنَّ خيار المقاومة الشعبية السلمية الذي ننحاز إليه وندعو إلى تفعيله على أكمل وجه، إنَّما هو خيار المعرفة بواقع الصراع وموازينه، ولأنَّه ليس لدينا أسلحة الحرب المتخمة بها ترسانة الاحتلال الإسرائيلي بمختلف أنواعها المتطورة لننازله بها، وقد بات واضحًا إنَّ صراعنا مع الاحتلال لم يعد ممكنًا حسمه بالخيارات العسكرية بقدر ما إنَّ هذا الحسم ممكن بصمود الإرادة الوطنية الحرة، ورسوخ قرارها الحاسم بالتصدي لكل مشاريع التسوية التصفوية، ولم يعد هذا القرار موضع شكّ، بعد أن قلنا لا لصفقة العصر الأمريكية الصهيونية. وبكلمات أخرى ومثلما أكَّد الرئيس أبو مازن " ليس لدي تلك الأسلحة لأحارب بها ولكِّني أستطيع أن أقول لا ولدي شعب يقول لا أيضًا " وهذه اللا هنا هي جوهر المقاومة الشعبية السلمية، وهي عنوان الإرادة الوطنية الحرة وخطابها الذي لا يقبل أي تشكيك، ولا يسمح بأي تراجع ولا أيَّة مساومة.

ونعود إلى السؤال، والغرابة في طرحه وجوابه على هذا القدر من الوضوح الذي لا يقبل أي تأويل مخاتل..؟! نفعل ذلك لأن البعض في حراك الضمان الاجتماعي وهو يذهب إلى الاحتجاج على قانون الضمان الذي ما زال قابلا للنقاش والتعديل، ولا اعتراض على هذا الاحتجاج، فهذا حق يكفله القانون الأساسي، لكن بعض هذا البعض، وفي الوقت الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي فيه العبث بحياتنا اليومية، باقتحاماته العنيفة لمدننا وقرانا وبلداتنا، لا نراه يحرك ساكنا، ولا يذهب إلى أيَّة خطوة من خطوات المقاومة الشعبية السلمية (...!!) وحين يطالب خلال الحراك الشعبي، قوى الأمن الوطنية بالتصدي لعبث الاحتلال، وكأنَّه يدعو إلى عسكرة، نعرف جميعًا إنها ستعطي الاحتلال الإسرائيلي المبررات التي يريدها كي يعيد جائحة الهدم والتدمير لكل ما أعدنا بناءه بعد الانتفاضة الثانية!.

ترى ماذا سيكتب التاريخ عن هذه المفارقة المؤلمة..؟؟ ماذا سيكتب عن شعار ردد بلا روية في هذا الحراك وهو يشكك بطبيعة مهمات قوى الأمن الوطني، ويطالبها إن تتصدى لجيش الاحتلال الذي اقتحم رام الله ووصل إلى منارتها، وكأن المقاومة الشعبية السلمية هي من مهمات هذه القوى وحدها ووحدها فقط(..!!) في الوقت الذي تستوجب فيه أوسع تحرك شعبي لمواجهتها...!!! ما من أحد لا يعرف إن رصاصة واحدة من رصاصات قوى الأمن الوطني الفلسطيني ستعطي الاحتلال الإسرائيلي فرصته الأثيرة، لكي يتغول أكثر وأكثر في عدوانيته ضد شعبنا ومشروعه الوطني التحرري، خاصة وان هذا الاحتلال البغيض لم يعد يأبه بأية قوانين دولية، ولا أية قيم إنسانية، بعد إن بات الاستيطان واليمين العنصري المتطرف هو يقوده اليوم، ومن يعمل على محاولة تأبيده بسياسات العنف والإرهاب.

لن تخدم الشعارات العدمية، حراك الضمان الاجتماعي الذي لا اعتراض عليه البتة، وقوى الأمن من حول الحراك هي لضمان سلامته ولكن من اجل قانون متميز في هذا الإطار، قانون يرضي أطراف العمل جميعها، من أجل هذا القانون لعلَّنا نرجو هذا الشعار لنردده معًا وسويًّا " ضمان اجتماعي برأي سديد، لغد فلسطيني حر وسعيد".