ما أن تمَّ الإعلان عن تبكير موعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية القادمة، حتَّى بدأت السَّاحة تشهد إهتزازات وتفكك إطارات حزبية وائتلافية قائمة، والإعلان عن نشوء وتأسيس قوى جديدة، بعضها أعلن عن نفسه، مثل حزب غانتس، رئيس الأركان السابق، الذي أسماه "حصانة إسرائيل" أو "مناعة إسرائيل"، وانشقاق زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت وأيليت شاكيد عن حزبهما أسوة بما فعل أريئيل شارون في الليكود، عندما شكَّل حزب "كاديما"، وشكلا حزبًا جديدًا أسمياه "اليمين الجديد". وقام أمس الثلاثاء (1يناير 2019) غباي، زعيم حزب العمل بحل ائتلاف المعسكر الصهيوني، والإنفصال عن حزب الحركة بزعامة تسيبي ليفني، مراهنًا على إقامة ائتلاف جديد مع غانتس. كما أن التيار الحزبي السياسي المسمى "يسار/الوسط" يفكر زعماؤه بإقامة تحالف جديد لمواجهة رئيس الحكومة نتنياهو، والوسط العربي يشهد مخاضًا غير إيجابي نتاج توجه حركة التغيير بزعامة أحمد الطيبي لتشكيل قائمة مع قوى وشخصيات فلسطينية جديدة، وعلى حساب القائمة المشتركة، ويقال إن نتنياهو وعد ممثلي مشروع القائمة الجديدة بتخفيض نسبة الحسم ليشاركوا في الانتخابات، وكي يكسروا وحدة القائمة المشتركة، لكن محاولاته حتَّى الآن باءت بالفشل.

وهناك تيار إسرائيلي فلسطيني يفكر بتشكيل حزب جديد لدعم خيار السَّلام، بالإضافة لشخصيات إسرائيلية تسعى لتشكيل أحزاب جديدة، أو بعضها شكل مثل: أورلي ليفي، وبني غانتس، وموشي يعلون، وأدينا بار شلوم، ويوم توف ساميا، الذيشكل حزب "بياحد" .. ومازال المشهد الإسرائيلي قابلاً لولادات جديدة تضاف لقائمة الفسيفساء الإسرائيلية الموجودة.

هذة الظاهرة ليست جديدة في دولة إسرائيل الاستعمارية، ولا هي مستهجنة، أو مستغربة، بل هي ظاهرة طبيعية فيها. لأن القوى التقليدية والجديدة لا يوجد بينها تفاوت فكري، فهي جميعها تنهل من ذات الوعاء الصهيوني الرجعي، ونسبة التباين في المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية محدودة، أضف إلى ذلك عدم وجود قيادات كاريزمية في المشهد الإسرائيلي، وإن وجد، فإن أبرزهم الفاسد بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الحالي، الذي يعتبر ملك إسرائيل راهنًا. وكلما اتسعت دائرة التهم ضده، وإقترب المستشار القضائي من توجيه التهم له بالفساد، وإقتياده للمحاكمة، كلَّما تمسك الشارع اليميني الإسرائيلي أكثر فأكثر. حتَّى هو صرح علانية أمس الثلاثاء الموافق الأول من يناير 2019، إنه لن يستسلم لأية تهم توجه له، ولن يعطي بالاً للمحكمة، ولن يقف أمام أي قاضٍ، لأن هذا حسب وجهة نظره، يؤثر على الحملة الإنتخابية. وبالمحصلة فإن السَّاحة الإسرائيلية تعيش حالة مخاض دائم، وتوالد قوى صهيونية جديدة ومتجددة لا تؤثر في الخط البياني السياسي الإستعماري الإسرائيلي، لا بل العكس صحيح، فإن المؤكد تمترس القوى الحزبية اليمينية واليمينية المتطرفة، وحتَّى ما يطلق عليه بشكل إعتباطي تيار "اليسار/الوسط" في خنادق العنصرية، ورفض السَّلام، ومواصلة الاستيطان الإستعماري، وملاحقة الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين التاريخية بكل مكوناته ومصالحه وأهدافه في كلا التجمعين: داخل دولة إسرائيل الإستعمارية، وداخل حدود دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967.

وبناء على ما تقدم، فإن عمليات التفكك والانقسام داخل الأحزاب والائتلافات الحزبية المختلفة لن تغير من المعادلة الناظمة للقيادات الإسرائيلية. والمرجح أن يبقى نتنياهو، هو رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبلة بعد الانتخابات في نيسان/ إبريل 2019، إلَّا إذا حدث تطور غير منظور يسمح بقلب المعادلة رأسًا على عقب. ومن المبكر الحديث عن تغير دراماتيكي في المشهد الانتخابي الإسرائيلي. لكن لا يوجد شيء مستبعد، وكل السيناريوهات محتملة. والمستقبل المنظور كفيل بمنحنا الجواب.