في قراءة للعمليّات الفدائية، التي حصلت خلال اليومين الماضيين يلحظ أيّ مراقب، أنَّ الكيفية الإسرائيلية في التعامل معها عكست واقعًا بائسًا، وإرباكًا وتعثّرًا في رد الفعل، حيث ادّعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أنَّها تمكنت من اغتيال المنفّذ لعملية مستعمرة عوفرا، وهو الشهيد صالح عمر البرغوثي من كوبر، الذي تمَّ قتله بدم بارد بعد أن اقتادته قوة عسكرية إسرائيلية من سيارته التي يقودها وأعدمته، ولم يهرب حتى تطارده، لأنَّ سيارته لم تكن بها نقطة دم واحدة، وهو على ما يذكره العارفون به، شاب ملتزم بعمله، ولديه زوجة وطفل. وبالتالي كان هدف الإعلان عن تحميله المسؤولية عن العملية نوعًا من التستّر والتغطية على عجز المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، والادّعاء أمام الرأي العام الإسرائيلي عمومًا وقطعان المستعمرين خصوصًا، أنّ قدرة الشين بيت وباقي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية "طويلة" و"قادرة" على الوصول إلى المنفِّذين بسرعة، وأيضًا لإعطاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو "بريستيجًا"، باعتباره الآن يقف على رأس وزارة الحرب في أعقاب استقالة أفيغدور ليبرمان، والتغطية على فضائحه وفساده، وتعزيز رصيده في الشارع الإسرائيلي وخاصّةً في أوساط اليمين وقطعان المستعمرين عشية الانتخابات القادمة للكنيست الحادية والعشرين؟!

أضف إلى ذلك، أنَّ تنفيذ عملية مفترق جفعات آساف صباح يوم الخميس الماضي (13/12/2018) وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين من نقطة الصفر، والاستيلاء على سلاح أحدهم، ثُمّ عملية الطعن في القدس فجر اليوم ذاته، كشف عن خواء وإفلاس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. حيث جاء الرد على عمليات الاجتياحات المتكرِّرة لمحافظات الوطن الفلسطيني الشمالية وخاصة محافظة رام الله والبيرة، واغتيال الشهداء أشرف نعالوة (منفّذ عملية بركان بعد اكثر من تسعة أسابيع من المطاردة) وأمجد مطير وصالح البرغوثي أسرع ممَّا توقّعوا وفي نفس المربع، الذي تمّت فيه عملية عوفرا، رغم حالة الاستنفار القصوى من قبل قوات جيش الموت الإسرائيلي والأجهزة الأمنية المختلفة.

وكان زعيم الائتلاف الحاكم أعلن قبل ساعات من عملية جفعات آساف، أنَّ حكومته لن تُزيل بيتًا أو مستعمرةً أقيمت خلال السنوات الخمسين الماضية من احتلال أراضي دولة فلسطين المحتلة في حزيران 1967، وتبجّح من أنّه سيواصل عمليات الاغتيال للمقاومين الفلسطينيين، فجاء الرد أسرع من البرق على عدوانه وغطرسته وهمجيته، حيث أكّد المقاومون الفلسطينيون من أنّ لا استقرار للوجود الاستعماري الإسرائيلي على أرض الدولة الفلسطينية، وأنَّ سياسة الاجتياحات والإعدامات، والاعتقالات، وإعلان العطاءات لبناء الوحدات الاستيطانية الجديدة، وتشريع المستعمرات الإسرائيلية، واستباحة حقوق ومصالح المواطنين الفلسطينيين لن تثني أبناء الشعب الفلسطيني عن الدفاع المستميت عن أرضهم وحقهم في الحُريّة والاستقلال وتقرير المصير والعودة، وأنَّ سياسة دفع الأمور نحو الهاوية لن تفت في عضدهم.

ولم يحاول نتنياهو وأقرانه في الائتلاف اليميني الحاكم من استخلاص العِبرة والدرس من العمليات الفدائية، التي جاءت ردًّا على عنجهية وعنصرية وفاشية الدولة الاستعمارية الإسرائيلية، التي قتلت روح الأمل بتحقيق السلام العادل والممكن في أوساط الفلسطينيين، من خلال مواصلتها ارتكاب جرائم الحرب ضد الأبرياء والعزل منهم، والتخندق في خنادق الاستيطان الاستعماري، والقتل المنهجي لعملية السلام، واستمراء سياسة إدارة الظهر للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، والاتفاقات البينية مع القيادة الفلسطينية، مُتّكئة على الحرب الأميركية، التي تشنها إدارة ترامب المتصهينة عبر ما يُسمّى (صفقة القرن)، ومتوسّدة بسياسة التطبيع المجانية، التي تنفّذها بعض الأنظمة العربية، والنائمة على لعنة الانقلاب الحمساوي الأسود اعتقادًا منها أنَّ المناخ بات ملائما لتصفية القيادة الشرعية ممثَّلة بشخص الرئيس محمود عبّاس، والقضية الفلسطينية بشكل كلي، والاتكاء على أزلامها وعملائها لتنفيذ باقي السيناريو، الذي لن يرى النور أبدًا.

(إسرائيل) الشوهاء، التي نشأت بفعل ودور الغرب الرأسمالي عمومًا والبريطاني والأميركي خصوصًا في أعقاب نكبة العام 1948، إنَّ شاءت البقاء، والعيش في البحيرة العربية، عليها أن تنفذ اتفاقيات السلام، وتنسحب كليًّا من أراضي دولة فلسطين المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، التي شرّدوا وطردوا منها عامَي 1948 و1967. دون ذلك لا سلام، ولا استقرار في المنطقة، وسيبقى الأمن والسلم الإقليمي والدولي مُهدّدًا. فهل يفكر قادة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية مَليًّا بالمستقبل، ويستخلصون الدروس من عقود الصراع الطويلة؟