قد تُنفِّذ حكومة نظام الابرتهايد في تل أبيب تهديدها بتسليم "حماس" ما ستقتطعه من المقاصّة وأموال الضرائب الفلسطينية، ما يعني الجهر بالشراكة بين جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين (حماس) وحكومة الاحتلال الإسرائيلي في السطو على المال العام الفلسطيني بعد شراكتهما الأولى التي ظنوا بإمكانهم الإبقاء على سريتها إلى لحظة انكسار المشروع الوطني الفلسطيني وانهيار أركانه بالكامل.

الاحتمال سيصبح حقيقة، وسابقة في الخيانة لم تحدث في تاريخ حركات التحرُّر في العالم، خاصّةً إذا أخذنا بعين الاعتبار خطوات (بناء الثقة) المتسارعة التي كشف عنها القيادي في "حماس" أحمد يوسف، وإجراءات الانقلابيين العملية لإفراغ مسيرات العودة من مضمونها نهائيًّا، وتشويه المعنى الحقيقي للنضال الوطني، والمقاومة الشعبية السلمية، بعد تشويههم المعاني النبيلة للعقيدة الإسلامية، ومعنى الجهاد وحرفه عن جوهر مقاصده، وتحويله إلى مجرد عصبوية دموية لتحقيق أهداف مادية دنيوية سلطوية، لا صلة لها بمعاني الصبر والتسلُّح بالعلم والمعرفة والعمل لبلوغ المستوى المأمول من الرقي.

"حماس" ستقبض من (إسرائيل) أموال الشعب الفلسطيني المقرصَنة (المسروقة) رغم عِلمها ومعرفتها المسبَقة بموقف الجماهير الرافض لموضوع المنحة القطرية عبر الحكومة الإسرائيلية، فكيف ونحن نتحدَّث عن أموال فلسطينية ستحوِّلها مخابرات جيش الاحتلال وسلطات حكومة نتنياهو الأمنية إلى (سلطة الانقلابيين) جماعة الإخوان المسلمين في غزة؟!

إنَّه الفصل بالمقاصّة بعد الفصل الجغرافي والسكاني والسياسي، والمشروع الوطني الفلسطيني بدا بالنسبة لهم كالذهب كلّما طرقوه تمدّد وازداد لمعانًا، ولم يعد لديهم إلّا تكريس الانفصال، بعد عقد ونيف على انقلاب "حماس" استطاعت خلاله تشكيل واقع يعتقد الشريكان (حماس وإسرائيل) أنّه البيئة المناسبة لتمرير صفقة العصر، وتتويجها بانفصال فلسطيني تؤمَّن حياته عبر ضخ المال المسروق من الشعب الفلسطيني في شرايين منظومة الانقلابيين في قطاع غزة. أمّا المال السياسي الذي كانت تضخه دول في الإقليم وقيادة جماعة الإخوان المسلمين الدولية سرًّا، ولكن تحت سمع وبصر الشريك الإسرائيلي صاحب المصلحة الأولى والأخيرة في انقلاب "حماس" وفصل قطاع غزّة، فهذا ستبقى حنفياته مفتوحة، وكل ذلك لإعدام فكرة التحرر والاستقلال عند الفلسطينيين وتبديد معالم المشروع الوطني الفلسطيني في ذاكرتهم الآنية والمستقبلية.

عملية بناء الثقة بين (المجاهدين الإسلامويين الحمساويين) وبين حكام الدولة اليهودية (إسرائيل) - كما كان يحلو لمشايخ "حماس" وقادتها تسميتها – تتزامن مع دفع حكومة نتنياهو نحو نظم قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين، كآخر مخرج أفرزته العقلية العنصرية الناظمة لعمل حكومة المستوطنين في (إسرائيل، فتكتمل بذلك علامات الدولة المارقة والمتمردة على القانون الدولي ومنظومة القيم الأخلاقية الإنسانية.

يعلم الإسرائيليون أنَّ الحُريّة هي هدف المناضل الفلسطيني، وأنهم بإقرار قانون الإعدام لا يضيفون جديدًا إلى منهجهم وسلوكهم الفعلي الذي نعرفه من خلال جرائم المنظمات الصهيونية المسلّحة التي تشكلت قبل إنشاء دولة الاحتلال (إسرائيل)، التي استمرّت على منهج الإعدام المنظَّم والممنهج ولكن ليس بالشكل والمضمون المعروف في دول العالم، فجريمة الحرب المنظمة، والجريمة ضد الإنسانية كانت ومازالت العلامة الفارقة لـ(إسرائيل) التي أشبعت العالم ضجيجًا بدعايتها والادعاء بأنَّها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط.. فالديمقراطية والإعدام ضدان لا ينسجمان أبدًّا، لكنما في أعلى مستويات التفاعل والتناغم والانسجام في دولة أفرزت (قانون قومية) يعتبر كارثة وبمثابة قصف بالسلاح النووي للفكر الاإنساني السياسي المعاصر.

ويعلم المحتلون وعلى رأسهم نتنياهو أنَّ المناضل الفلسطيني الذي قصد درب الحُريّة وجعلها هدفه، يدرك جيّدًا وهو يمضي عاشقًا لمبدأ الحياة بحرية وكرامة وعزة وسلام لا يهاب الموت أبدًا، وأنّه لا يخشى الموت إلّا المجرمون.. أمّا عن جريمة (إسرائيل) بحق القانون الدولي فيما لو أقرَّت قانونًا لإعدام الأسرى، فإنَّها قد خرقته مئات المرات عندما أعدمت أطفالاً وشبابًا وفتياتٍ على الحواجز لمجرّد الشبهة، وكل جريمة من هذه الجرائم تتطلَّب تفرّغ محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في (إسرائيل). فالعنصرية في الحكم هي القاعدة، أما الديمقراطية فاستثناء للمظهر فقط.