تحقّقت نبوءة الكاتب المسرحيّ الإسرائيليّ حانوخ ليفين (1943 – 1999) حينما كتب في مسرحيّته "الزّانية من أوهايو": لماذا علينا أن نموت كي نصبح عزيزين عند البعض؟ فقد أحيت الأوساط الثّقافيّة الرّسميّة والشّعبيّة في إسرائيل في شهر آب 2019 ذكرى مرور عشرين عامًا على وفاته ببرامج ثقافيّة واسعة في حين ناصبته العداء وشنّت حربًا إعلاميّة على نتاجه المسرحيّ في فترات معيّنة من حياته بل أغلقت السّتار على بعض مسرحيّاته.
هزّ المسرحيّ الشّجاع حانوخ ليفين دولة إسرائيل، حكومةً وشعبًا، في فترة نشوة النّصر العارمة بعد حزيران 1967 عندما قدّم مسرح الكاميري أعماله الجريئة السّاخرة "أنا وأنتِ والحرب القادمة" (1968) ثمّ "ملكة الحمّام" (1970) وأتبعهما بمسرحيّة "قتل" (1967) و "جنازة" أو "دفن الميّت" (1999). وذكر شاهد عيان في مقال له في صحيفة "هآرتس" أنّه شاهد الجنرال ديّان الذي أطلقوا عليه يومئذ لقب "مارس اله الحرب ذو العين الواحدة" يتسلّل بهالته العسكريّة وعصابة عينه السّوداء إلى قاعة مسرح الكاميري في تل أبيب ليشاهد مسرحيّة "ملكة الحمّام " التي كانت حديث النّاس في النّوادي والمقاهي والمتاجر والجلسات والصّحافة بين مؤيّد وبين معارض.
كان حانوخ ليفين إنسانًا يحبّ الحياة حبًّا جمًّا ويهاب الموت كثيرًا فقد كتب عن الموت مجموعة شعريّة أسماها "حياة الموتى" كما برز موضوعا الحياة والموت في جميع مسرحيّاته فقد كتب عن الموت: "ويلاه! أي خوف هذا؟ لا نور في القبر ولا هواء" وكتب أيضًا "إذا ما متُ سأخسر كثيرًا" وكتب "بعد أن نموت تزدهر الحياة وتأكل النّساء الشوكولاطة ويبلن في سراويلهنّ من شدّة الضّحك".
كان ليفين يعتقد أنّ العلاقة بين المشاهد وبين المسرح علاقة حرب وعلى المسرح أن يُظهر للنّاس كم هم أشرار وسيّئون!
كشف حانوخ ليفين عورة المجتمع الإسرائيليّ الاسبارطيّ في مسرحيّتيه "أنا وأنتِ والحرب القادمة" و "ملكة الحمّام" وأظهره مجتمعًا عدوانيًّا عنصريًّا متعطشًا للدّم ويقدّس القوّة كما عاد على ذلك في مسرحيّتيه "قتل" و"جنازة" بعد الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى.
قارن أحد الكتّاب الإسرائيليّين في مقال له في هذا الشّهر بين الحيّز الدّيموقراطيّ الذي كتب فيه ليفين مسرحيّاته التي قدّمها المسرح الإسرائيليّ في تلك السّنوات وبين الواقع المرّ الذي تعيشه الثّقافة الإسرائيليّة في ظلّ حكومة اليمين في هذه السّنوات التي لا تتحمّل فيها أغنية أو قصيدة أو قطعة ساخرة.
أعتقد أنّ الظّروف التي يمرّ بها المجتمع الإسرائيليّ الذي أنساه اليمين بأنّ هناك احتلالًا واستيطانًا وأنَّ هناك شعبًا يرزح تحت الاحتلال القاسي ويعاني من الظّلم ويكافح من أجل الاستقلال، هذه الظّروف مهيّأة لظهور حانوخ ليفين جديد يقدِّم الحقيقة كي يصحو الشّعب من تخدير اليمين وعندئذ سوف يتساءلون عن المسؤول عن مقتل جنديّ إسرائيليّ في المناطق المحتلّة أو عن طعن فتى أو فتاة في شوارع القدس العتيقة!

بقلم: محمد علي طه