اقتحم الإعلامي المتميّز نبيل عمرو حقلاً إبداعيًّا جديدًا، مصمّمًا على تأكيد جدارته في ركوب أمواج البحر العاتية، وتطويع ذاكرته الغنية في إعادة قراءة المشهد العربي بين نقيضين، ولحظتين فارقتين في تاريخ العرب الحديث، فاستحضر "كفر عرب" نموذجًا لإزالة الستار عن خيبتنا، وهزيمتنا، بعد أن كان المواطن العربي من الخليج إلى المحيط يعيش أحلاماً وردية تناطح أعالي السماء، حيث كان الإيمان الراسخ بالنصر على (إسرائيل) تحت قيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر من المسلمات واليقينيات.

لكنَّ الخامس من حزيران / يونيو 1967 كان حدًّا فاصلاً بين الطموح والحلم والواقع المرير. ذاب الثلج، وبان المرج، وانهار وزير إعلام حربه، عبد الشقي، وسقط بيانه خلال ساعات قليلة، وغاصت كفر عرب في ظلام جديد، كأنها قطعت الحبل السري مع أي انتصار عربي لاحق، ودخلت في بيت الطاعة للمستعمر الإسرائيلي، ولم يتمكن الحلّاق نعيم من العودة إلى قريته، وخلع ثوب اللجوء، والاقتران بحبيبته. رغم أنَّ البيانات العسكرية المتعاقبة، وهدير صوت أحمد سعيد، الإعلامي المصري كانت تقذف حممها الوهمية، وأكاذيبها، وعدم صدقيتها، وتناقضها مع الوقائع لدس السم في العسل للمواطن العربي البسيط، ممَّا ضاعف من حجم الهزيمة واللعنة والسقوط في متاهة المجهول.

فاجأنا الصديق العزيز نبيل عمرو بإصدار روايته الأولى بعنوان "وزير إعلام الحرب" في طبعتها الأولى هذا العام (2019) عن دار الشروق الأردنية، والتي جاءت في 195 صفحة من القطع المتوسط، وهي كما أشير عالجت محطة تاريخية دقيقة من التاريخ الفلسطيني والعربي، نجم عنها هزيمة، أو نكسة حزيران/ يونيو 1967، التي تعتبر امتدادا لنكبة الـ1948، وتعميقا للجرح الفلسطيني خصوصا والعربي عموما، لاسيما وأن كل هزيمة عربية كانت بمثابة سكين حادة تأكل أولا وقبل كل شيء اللحم الفلسطيني الحي، وتنهش الأحلام الصغيرة، وتغوص عميقا في الجسد العربي دونما استثناء، لتؤكّد جدلية العلاقة الفلسطينية العربية، وعدم إمكانية فصلها.

ولعلَّ قيمة وأهمية رواية "وزير إعلام الحرب" الآن هو ما سبق ذكره آنفا، أي تسليط الضوء على عدم إمكانية الفصل الميكانيكي ما بين الوطني والقومي، ما بين الفلسطيني وأي عربي آخر حتى لو كان متناقضا، وكافرا ومعاديا لأهداف وطموحات شقيقه، الذي دفع الثمن ألف مرة دفاعا عن أمة العرب. ففي الوقت الذي يحاول بعض العرب الرسميين منذ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية 1978، وما تلا ذلك من اجتياح لبنان، والسعي لتصفية منظمة التحرير في حزيران عام 1982، وحتى الآن مع اتساع دائرة الانهيار والانحدار العربي الرسمي، وتخلي ونفض بعض العرب يدهم من فلسطين وقضيتها، وحرف الأنظار عن جوهر الصراع في المنطقة، وإعادة اختلاق، وبناء أولويات للوحة الأعداء والأصدقاء بين شعوب ودول الوطن العربي ودول الإقليم بهدف طمس وتبديد القضية الفلسطينية، مع إصرار الإدارة الأميركية الحالية بزعامة ترامب وفريقه الصهيوني لتمرير صفقة القرن المشؤومة، فإن الرواية البكر لنبيل، كأن صدورها، مع أنّ الروائي لم يقصد ذلك، شاءت إعادة التأكيد، على أنّ هزائم العرب، سببها تبعية بعضهم البشعة والمرضية للغرب الرأسمالي عموما، وأميركا خصوصا، وهذا ما يقود إلى تعميق للنكبة الفلسطينية، وذبح للفلسطيني وأهدافه وطموحاته بشكل يومي.

رواية "وزير إعلام الحرب" حاكت كل إنسان عربي وليس سكان "كفر عرب"، أو دورا الخليل فقط، وإن اختلفت التفاصيل من قرية لأخرى، ومن مدينة لمدينة في بلد عربي آخر، ومن دولة لدولة عربية ثانية، لأن الأحلام الواسعة، والعريضة تشمل كل العرب، وكل هزيمة أو نكسة تحط رحالها في عمق الوعي العربي، وتؤصل لتداعيات خطيرة في الجسد العربي الأشمل والأوسع.

شكرًا للعزيز نبيل عمرو، الذي منحنا فرصة التعرف عليه روائيا، من خلال معالجة لحظة وجع، مازالت انعكاساتها تضرب في اللحم والعظم والمفاصل العربية العربية، التي منحت (إسرائيل) الاستعمارية المارقة، والمدعومة أميركيا الفرصة لتواصل استباحة العرب كل العرب من خلال استباحة فلسطين. وأيا كانت الملاحظات الفنية على الرواية، فإنها لا تقلل من أهميتها، والتأكيد على أنها تستحق التقدير والإعجاب والقراءة.