أيُّ مستقبل انحاز له الإسرائيليون في انتخاباتهم التي جرت يوم أمس الأول، حيثُ لم تكن هناك أوارق كثيرة للسلام في صناديق الاقتراع؟! فاز التطرف الإسرائيلي بشقَيه، اليمين العنصري، ويسار العسكرتاريا، والحكومة الإسرائيلية المقبِلة لن تحمل على الأغلب سوى جديد التطرُّف العنصري، الذي لا يرى عادةً من التاريخ إلا لحظته الراهنة، وكلَّما كانت أفتك أسلحة توهم قوة مطلقة قادرة على تحقيق نهاية للتاريخ، تظل أبدًا غاية في مخيّلات مريضة!! على أنّ هذه الحقيقة لا تعني أنّ المتغيرات غير ممكنة، خاصة أنّ صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي هو صراع إرادات، ولا نظن أنّ أحدًا لا يعرف طبيعة الإرادة الفلسطينية، وقد اختبرت على مدار سنوات الصراع منذ أيامها الأولى، بأنّها الإرادة غير القابلة للكسر والهزيمة، ومثلما أنّ أيدينا تظل ممدودة للسلام، لا يمكن أن نفرّط بحقوقنا المشروعة، كما أعلن ويعلن الرئيس أبو مازن دومًا تعبيرًا عن صلابة الإرادة الفلسطينية، وثباتها على الثوابت المبدئية الوطنية، وهي التي صنعت ثورة مستحيلة، وتقدّمت منذ لحظتها الأولى في حقول ألغام من شتى الأنواع، واجتازتها جميعًا حتى أنجزت أول سلطة لها على أرض وطنها، كمقدمة لقيام دولة الشعب الفلسطيني الحرة والمستقلة من رفح حتى جنين، بعاصمتها القدس الشرقية.

أي مستقبل انحاز له الإسرائيليون في انتخاباتهم؟! لا يظن أحد أنَّ سؤالنا هذا هو سؤال تعليق سياسي، بل سؤال مصير يعنينا تمامًا، لأنّ موضوع السياسة الإسرائيلية، يظل موضوعًا فلسطينيًّا، وكلّما توغّلت هذه السياسة في تطرفها العنصري، ضد أرض بلادنا في احتلالها الاستيطاني، وضد شعبنا في تطلّعاته وحقوقه العادلة والمشروعة، أصبحنا أكثر اشتباكًا مع هذه السياسة، وأكثر تصديًّا مكلفًا لها، حتى تصل إلى طريقها المسدود، وتلتفت إلى الطريق السالكة التي هي طريق السلام التي تصل إلى حيث الجيرة الآمنة التي تحقّق الاستقرار والطمأنينة والازدهار.

ستجرب الحكومة الإسرائيلية المقبلة ما هو مجرّب من سياستها العنصرية العنيفة ضد شعبنا ومشروعه الوطني التحرري، هذا يعني أنّ اشتباكنا مع هذه السياسة وتصدينا لها، سيظل ومهما كان الثمن، اشتباكًا وتصديًّا لا يقبل المساومة ولا التراجع وما كنا لنتوهّم أنَّ حكومة جديدة في (إسرائيل)، أيًّا كانت هُويّتها الحزبية، ستدخل إلى مفاوضات السلام بين ليلة وضحاها لتنهي احتلالها لأرضنا.

غير أنَّنا بواقعيتنا النضالية نعرف أنَّنا بإرادتنا الحرة، وقرارنا الوطني المستقل، وصمودنا على أرض بلادنا سندحر هذا الاحتلال بمراكمة هزائمه في هذا الموقع وذاك، في الوقت الذي نراكم فيه المزيد من مقومات الصمود والتنمية والمقاومة الحقة التي لا تحلّق بشعارات البلاغة الفارغة.

وبمعنى آخر وأخير لم نكن ونحن نترقّب نتائج الانتخابات الإسرائيلية، من جماعة "بيكيت" الذين انتظروا منقذًا لا يأتي أبدًا، ليغيّر واقعهم وحياتهم عبر ثرثرات مخيلاتهم العبثية في مسرحيته "في انتظار غودو" لم نكن من هذه الجماعة ولن نكون، ونحن أدرى أنّ ما يغير الواقع هم أبطال الواقع ذاته، وهؤلاء هُم أبناء شعبنا بقيادتهم الحكيمة والشجاعة، وما كانوا يومًا ينتظرون منقذًا من مخيّلات سارحة في ثرثرات العبث والوهم والخديعة.

ويظلُّ أن نقول: إنَّ أحلام شعبنا الفلسطيني وتطلُّعاته العادلة والمشروعة هي أحلام الواقع بإرادته الفلسطينية الحُرّة، والتي لن يستطيع التطرف العنصري الإسرائيلي ولا سواه دفنها مهما كانت غطرسته، وأيًّا كانت تحالفاته العدوانية.