من المعطيات الماثلة أمام القيادة الفلسطينية حتَّى اللحظة عدم إستعداد الإتحاد الأوروبي والإتحاد الروسي وجمهورية الصين وغيرهم من الأقطاب الدولية، لتشكيل بديل أممي عن دور الولايات المتحدة في رعاية عملية السلام. وهذا ناجم عن عدد من العوامل: أولاً مكانة أميركا المركزية في إدارة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا له عميق الصلة بتقاسم النفوذ في العالم فيما بين الأقطاب الدولية، وليس لإنَّ الأقطاب لا ترغب بلعب مثل هذا الدور؛ ثانيًا إمتلاك أميركا لإوراق الضغط الحقيقية على دولة التطهير العرقي الإسرائيلية؛ ثالثًاعدم الرغبة، وعدم وجود الإرادة الدولية لفرض الحل، وتجاوز الولايات المتحدة الأميركية؛ رابعًا ضعف أو إنتفاء الدور العربي الرسمي في التأثير على الإدارة الأميركية والإقطاب الدولية على حد سواء لحل المسألة الفلسطينية.
هذة العوامل تشكّل كوابح حقيقية لإستبدال الدور الأميركي باللاعب الأممي الجامع، وتحت مظلة الشرعية الدولية. رغم أنّ القيادة الفلسطينية تعاملت بمنتهى الحكمة، ولم تذهب بعيداً عن خيار المفاوضات ومرجعيات التسوية السياسية وقرارات ومواثيق الشرعيّة الدولية، حتى أنَّها أبدت الإستعداد للتعامل مع مكونات الرباعية الدولية + واحد أو اثنين او أربعة شرط أن تتوفر الجدية والإستعداد لبلوغ السّلام، وضمان الإنسحاب الإسرائيلي الناجز عن أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، وبالتالي إستقلالها التام بعاصمتها القدس الشرقية. مع ذلك لا يوجد قطب دولي مؤهل لإنتزاع زمام المبادرة، لإنَّ أي قطب دولي، يسأل نفسه، ما هو المردود الإيجابي على المصالح القومية، التي ستنتج عن ذلك التدخل؟ وإذا كانت القوى والأقطاب الأخرى غير متحفزة لعمل شيء، ما الذي يلزمني بذلك؟ وما هي التداعيات، التي ستتمخض عن التدخل على صعيد الإقليم والسّاحة الدولية؟ وهل ستسمح أميركا بفرض الإذعان على القيادة الإسرائيلية للإرادة الدولية وتمرير عملية السّلام؟ وما هو المقابل؟ وما هي ردود الفعل داخل صناع القرار في الولايات المتحدة ولوبيات الضغط المناصرة لإسرائيل؟ وما هو موقف دول العالم العربي؟ هل سترحب بذلك أم تعترض ولو برسائل من تحت الطاولة أو عملياً عبر تجفيف الإتفاقات المبرمة فيما بينها وبين الدولة أو الدول (الأقطاب)؟.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها في هذا السياق، مع ذلك هناك أسئلة مركزية أخرى يمكن إثارتها من الزاوية المقابلة، ما هو الحل؟ هل تعود القيادة الفلسطينية "صاغرة" تستجدي الرعاية الأميركية أم لديها بدائل؟ وما هي تلك البدائل؟ وهل اللحظة السياسية الراهنة تسمح بمعادلة خلط الأوراق أم الضرورة تتطلب المزيد من الحكمة؟ وهل القوى المعارضة في الساحة الفلسطينية مستعدة للإنتظار إلى ما شاء الله حتَّى يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المشهد الدولي؟ وإلى أين ستتجه الأمور في حال خرج الشارع الفلسطيني عن المألوف؟ وألا يسهم التطور الدراماتيكي في السّاحة الفلسطينية بالمزيد من التطرف الإستعماري الإسرائيلي مدعومًا من أميركا؟ وألا يكون العكس، بمعنى أن يخرج الصوت الإسرائيلي المستعد لبناء صرح السّلام؟
بعيدًا عن الإسئلة وأهميتها، فإنَّ اللحظة السياسية الراهنة تملي على القيادة الفلسطينية لتنفيذ ما قررته في دورة المجلس المركزي ال28 الأخيرة، من حيث العمل على أولاً: ترتيب شؤون البيت الفلسطيني على المستويات المختلفة الفتحاوي، منظمة التحرير، والعمل على عقد دورة للمجلس الوطني فوراً وبسرعة، ودفع عربة المصالحة الوطنية قدمًا، رغمًا عن حماس ومن يلف لفها، التي يفترض أن تبقى أولوية الأولويات، وعلى رأس أجندة العمل اليومي القيادية؛ ثانيًا تصعيد المقاومة الشعبية في كل محافظات الوطن، وبشكل منهجي ومنظم وبعيدًا عن العفوية والإرتجال، وإعتماد نظام التوزيع الجغرافي بين المحافظات، بحيث يكون هناك تنسيق بين البعدين المركزي واللامركزي، ورصد الإمكانيات والجهود لذلك؛ ثالثًا وقف فعلي لكل أشكال التنسيق مع دولة الإحتلال الإسرائيلية وخاصة الأمني بإستثناء ما يتعلق بمصالح المواطنين الحياتية؛ رابعًا دحرجة الأمور في حال لم تتراجع إسرائيل عن خيارها الإستعماري إلى العصيان المدني الكامل في كل الأراضي الفلسطينية.
عندئذ سيتم خلط الأوراق في إسرائيل وأوساط الأقطاب الدولية، وقبلهم في الأوساط العربية، وإرغام الجميع لإعادة النظر في سياساتهم المتعثرة والعرجاء تجاه المسألة الفلسطينية، لإنَّ أي تطرف من إسرائيل، لن يكون أكثر تطرفًا من إئتلاف نتنياهو الحاكم. الحكمة والشجاعة تتطلب المضي قدمًا في رفض الرعاية الأميركية لوحدها، وضرورة العمل لإيجاد آلية أممية بديلة وقادرة على تحقيق السلام.