ليس مستبعداً أن الذين نصحو دونالد ترامب الرئيس الأميركي، وأشاروا عليه بقراره حول القدس لإنقاذ نتيناهو من السقوط، قد خدعوه وافهموه إن القرار سيمر بسهولة، وانه لن يستثير سوى العادي من قرارات الشجب والاستنكار أو حالة من الاستعطاف والتوسل، وبعدها ينتهي كل شي، وتنجح صفقة الإنقاذ المتبادلة بينه وبين نتنياهو.

ولو كان الرجل مازال يملك ذرة من عقل وذرة من شجاعة، فان واجبه الأول بعد التراجع العلني عن قراره الخاطئ والأحمق والجاهل، هو أن يحقق مع الذين نصحوه، لأنهم أرادوا له فشلاً ذريعاً، وسقوطاً مدوياً وذهاباً إلى مزبلة التاريخ، لأنه تجاهل إلى حد الإهانة العبثية بمليار ونصف مليار مسلم ومن بينهم العرب، وتجاهلٌ لملوكهم ورؤسائهم وأمرائهم ودينهم وتاريخهم في الأرض وكأنهم لا شيء، مع أن قراره الأحمق يمس عقيدتهم في الصميم، فالقدس ليست مجرد مدينة، بل هي جزء من عقيدة، وهي أرض المعجزة المحمدية، وعنوان العزة الإسلامية ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا)) فمن لا يؤمن بالقدس ليس له إيمان إسلامي.

كما أن قرار ترامب الأحمق المتهور يصيب في العمق جميع المسيحيين شرقاً، وغرباً، شمالاً، وجنوباً في العالم كله، باستثناء بعض اللا مسيحيين المندسين بينهم، ويطلون برؤوسهم بين فينة وأخرى، فالقدس تحتضن كنيسة القيامة زميلة كنيسة المهد في بيت لحم، فهل هذه الحقائق البديهية يتجاهلها عقل ترامب الأخرق؟

بالإضافة إلى ذلك، وعلى مستوى الحقائق السياسية، فان العالم كله، وخاصة الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن قد أسقطت قرار الضم الإسرائيلي للقدس عام1967، فهل العالم كله ليس له قرار ولا مصالح ولا رؤى، بل كل شيء في يد ترامب، وثم عودة إلى أمتنا العربية، حيث قبل أيام وليس قبل سنوات، زار ترامب الرياض وعقد فيها ثلاث قمم، أميركية سعودية، وأميركية خليجية، وأميركية عربية شارك فيها رئيسنا الفلسطيني أبو مازن، وبعدها زار ترامب فلسطين واستضافه رئيسنا في بيت لحم، أفبعد ذلك يكون هذا القرار الملعون وكان من قابلهم واجتمع معهم أشبه بغثاء السيل ؟

لا بد من اصطفاف جديد فنحن لسنا أمة هباء، نحن لنا دور في حضارة العالم، وفي أمن العالم، وفي استقرار العالم، ولسنا أمة لا تحمل مجمل الجد كما فعل ترامب بقراره الأحادي الغبي، ولا بد من اصطفاف جديد، يجمد خلافاتنا الثانوية، أو المفتعلة، أو المخطط لها من أعدائنا، قضيتنا الأولى هي القدس رمز حضارتنا ورمز عقيدتنا ورمز وجودنا في الأرض، أما صفقة الشر والاستهانة التي عقدها ترامب مع نتنياهو فلتذهب إلى الجحيم.