يبدو أنَّ النّاطق الرسمي بِاسم حركة "حماس"، لا يريد للمصالحة الوطنية أن تمضي في دروبها الصحيحة، وهو ما زال يتشبَّث بلغة الانقسام القبيحة، هذا إلى جانب ما يُمكن تسميته سلوكيات إعلامية أخرى لقيادات حمساوية لا تريد الاعتراف بأنَّ المصالحة وإنهاء الانقسام تبدأ من الإقرار بسلطة واحدة، وإدارة واحدة، وسلاح واحد، وبلغة وسلوك يعكس الالتزام بذلك على نحو بالغ الوضوح.

  ما زال هذا النّاطق يستخدمُ ذات الكلمات والتعابير التي سادت فيما مضى!!وما زال لا يرى، أو أنَّه لا يريد أن يرى أنَّ المصالحة بحاجة إلى لغة تتفتَّح فيها النوايا الطيبة، لتسوية كافة المعضلات التي أوجدها الانقسام، والأخطر أنَّه ما زال لا يرى أنَّ هذه المعضلات التي تراكمت طوال العشر سنوات الماضية، هي معضلات لم تتحمَّل "حماس" مسؤولية معالجتها ولا بأيِّ شكلٍ من الأشكال، بل تركتها تتراكم بنكران في خطاب قال ذات مرة أنَّ غزة مع حكم "حماس" تعيش أفضل أيامها!! هل نُذكِّر بتصريحات الزهار في هذا السّياق؟؟!!

  عشر سنوات من الانقسام غذَّتها الحروب العدوانية الإسرائيلية الثلاث على القطاع، بمزيد من العذابات والجراح العميقة، جعلت من الحياة هناك، حياة خارج السياق الآدمي إلى حد كبير!! لكن الناطق الرسمي الحمساوي لا يرى من عذابات القطاع المكلوم، سوى إجراءات الرئاسة التي استهدفت في الواقع الضغط العملي لدحر الانقسام البغيض، ولم تكن بالقطع إجراءات "تعسُّفية ضدَّ أهلنا في غزة" كما يصفها هذا الناطق بلغة الانقسام القبيحة، التي لا ينبغي لها أن تكون بعد الآن، لكي نقول أنَّ المصالحة تتقدَّم في دروبها الصحيحة.

  وبالقطع أيضًا إنَّ هذه الإجراءات، ليست هي السبب في عذابات القطاع المكلوم، وليست هي التي فاقمت أزمات ومعاناة أهلنا في المحافظات الجنوبية، فليست هي التي ضاعفت الضرائب خارج القانون ومن دون وجه حق، وليست هي من أحكم قبضة الأمن التعسُّفية، والاستيلاء على الأراضي الحكومية وجعلها أُعطيات إقطاعية، ولا علاقة لهذه الإجراءات بمعضلة الكهرباء ولا بتلوّث البحر أو غيرها من المعضلات والمشاكل، وبالقطع تمامًا إنَّ هذه الإجراءات ليست هي العنوان الرئيس في المصالحة، ومع ضرورة وأهمية تسويتها فإنَّ إلغاءها لن يحل معضلات القطاع دفعةً واحدةً، ولن يجعل من سنوات الانقسام العشر نسيًا منسيًا، وكأنَّها لم تكن بالمرّة، وهي على كل حال إجراءات  كانت وما زالت مؤقتة ستنتهي لحظة تمكُّن حكومة الوفاق من ممارسة مهامها على أكمل وجه في المحافظات الجنوبية.

  عشر سنوات من العتمة، ولا نريد وصفًا آخر احترامًا للمصالحة، خلَّفت الكثير من الألم، ولا يمكن اختصارها وحصرها في هذا الإطار المفتعَل، الذي نرى أنَّه يحاول القفز عن متطلّبات المصالحة الوطنية الأساسية، والهروب من مواجهة الواقع وضرورة المراجعات النقدية للسنوات العشر الماضية، وتحمُّل مسؤولياتها على نحو وطني شُجاع.

  ومرة أخرى سنقول ونؤكِّد أنَّ للمصالحة لغةً ليست هي لغة تلك السنوات العجاف، لغة تسمح بالنقد والمراجعة والاعتراف، ولغة تجعل من دروب المصالحة سالكة تمامًا بالتروي والحكمة والعبارة الصالحة الخالية من الاتهامات الباطلة والشعارات المنافية للواقع والحقيقة.

  وبقدر ما هي المصالحة "ضرورة وطنية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وتحقيق آمال شعبنا"، كما أكَّد ويؤكِّد الرئيس أبو مازن، فإنَّ لغة المصالحة ضرورة أيضًا لكي تستقيم عملية إنهاء الانقسام وتؤدّي المصالحة، كما يراها ويريدها شعبنا ورئيسنا أبو مازن، دورها في تعزيز مسيرة الحرية والاستقلال.

  لغةُ المصالحة هي لغةُ الوحدة الوطنية، ولغةُ الوحدة هي لغة الوطن، لغةُ فلسطين التي هي دومًا لغة الحق والعدل والحُريّة والجمال.