لم يعد الحراك داخل اطر حركة حماس مخفياً، ولا حالة الجدل بشأن الأداء السياسي مجرد اختلاف في الآراء، ولا سيما بعد "الانتخابات" الأخيرة التي استُبعدت فيها قيادة الخارج (خالد مشعل وصالح العاروري) وجعلت مركزية القيادة في غزة وتحديداً بيد السنوار، بل وصلت لحد الدعوة لثورة التغيير داخل حركة حماس، وفق ما عبر عنه غازي حمد، معترفاً بإضاعة حركة حماس فرصة ذهبية بسبب قصور الرؤية لدى قيادة الحركة، وعدم قدرتها على قراءة الواقع السياسي والتعامل معه بالتجديد الملائم.

بالطبع لم تكن المرة الأولى التي يعبر فيها غازي حمد عن امتعاضه من الأداء السياسي للحركة، فقد سبقه احمد يوسف من غزة، وبشكل غير مباشر ناصر الدين الشاعر، الذي ألمح الى ضرورة تشكيل إطار جديد للخروج من واقع الانغلاق الذي تعيشه حركة حماس وأطرها.

بالطبع فإن امتعاض حمد ويوسف والشاعر وغيرهم الكثير من قيادات حماس لا يجب أن يُفهم منه، على أنه خروج من عباءة حماس، بل من باب البحث لها عن مخارج لفتح مناطق أخرى للعمل دون قيود، ومحاولة منهم للهروب للأمام دون تحمل وزر المرحلة السابقة، أو دفع استحقاقها.

ما قاله غازي حمد بأن الإشكالية الرئيسية التي تواجه الحمساويين أن حركة حماس خلال مشوارها الطويل لم تقم بمراجعات حقيقية أو عملية تقييم شاملة لأدائها أو ممارساتها في السياسة والحكم، وبقيت خارج الأطر الشرعية وعلى رأسها (م.ت.ف)، الذي كان يمكن أن يجعلها شريكاً قوياً وصاحبة قرار في التوجهات السياسية للقضية الفلسطينية، لكنها رفضت، ما أضاع عليها فرصة ذهبية كان يمكن اغتنامها في ترجمة قوتها ولا سيما بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006، في نشر وترويج برنامجها ورؤيتها السياسية وطنياً ودولياً، في إطار الشرعية الوطنية.

لقد اصاب غازي حمد كبد الحقيقة في دعوته لحركته لإجراء مراجعة وتقييم، غير أن المراجعة المطلوبة لا يجب ان تكون بذات العقلية ولا بذات الانحسار لوعيها، بل بعيون مفتوحة ترى ما حل بالقضية الوطنية من خراب، وبوعي يدرك بمسؤولية ما لحق بشعبنا من أذى نتاج السنوات العشر العجاف.

ان حالة التذمر التي تسود أوساطاً واسعة في حركة حماس، تطرح العديد من الأسئلة حول المستقبل الذي ينتظرها، اذا ما بدأت رياح التغيير، والتوقعات إن كانت ستنتج حركة أو تياراً أو حزباً جديداً يمكنها من العودة الى العمل السياسي المدني، وشريكا في المؤسسات الوطنية، أم أنها ستنتج حزباً على شاكلة أحزاب العدالة و(...) التي تأسست في العديد من الدول العربية، لتبقى نسخة معدلة لوجه تنظيم الإخوان المسلمين؟ وهل ستكون قادرة على إحداث التغيير اللازم في البرنامج والموقف، بما يخلصها من حالة الانغلاق، ويمكنها من تقديم أجوبة شافية وحلولاً عملية بدلا من العدمية السياسية، والعزلة التي تعيشها وتنعكس على شعبنا وقضيتنا الوطنية باستمرار الانقسام الذي أصبح ورقة تستخدمها إسرائيل لعدم التجاوب مع الدعوات الدولية لتحقيق السلام عبر حل الدولتين.