إحتفاءً بإدراج مدينة الخليل القديمة ضمن لائحة المواقع الأثرية العالمية، وبرعاية سفارة دولة فلسطين في لبنان ممثلة بسعادة سفيرها أشرف دبور، كرّم الاتحاد العام للمهندسين الفلسطينيين فرع لبنان رئيس إتحاد المهندسين اللبنانيين النقيب جاد تابت في بيت المهندس – بئر حسن، مساء الخميس 27/7/2017 وكان النقيب "جاد تابت" قد لعب دوراً هاماً من خلال الدراسة المعمًقة التي قدمَّها للجنة الآثارات في "اليونسكو" والتي أثمرت إنتصاراً باهراً على الكيان الصهيوني.

تقدَّم الحفل التكريمي إلى جانب راعي الحفل سعادة السفير أشرف دبور، ممثل وزير الثقافة الدكتور انطوان شربل، والوزير السابق جورج قرم، وعميد كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية محمد الحاج، وعضوا المجلس الثوري فتحي أبو العردات وآمنة جبريل، ومنسق عام الحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الأمة معن بشور، وسعادة مدير عام الآثار السيد سركيس خوري، وممثلي القوى الأمنية اللبنانية، ممثلي الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، وعدد من أعضاء إقليم حركة "فتح"، وقيادة حركة "فتح" في بيروت، وممثل حزب الله الشيخ عطالله حمود، والاتحاد العام لعمَّال فلسطين، وممثلو فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ونقباء سابقون، ومهندسو ورؤوساء الاتحادات النقابية، وأعضاء مجلس النقابة، وحشد من المهندسين الفلسطينيين، وأطباء ورجال فكر وسياسة، ومسؤولو المؤسسات والجمعيات والتيارات والهيئات اللبنانية والفلسطينية.

بدأ الحفل التكريمي بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني، تلاهما الوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء، ثمَّ كانت كلمة لرئيس إتحاد المهندسين الفلسطينيين فرع لبنان المهندس منعم عوض، حيا فيها فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون على مواقفه الداعمة لفلسطين والقدس.

ومما جاء في كلمته: "نجتمع اليوم لتكريم أخ لنا بذل الجهد، وسعى لسنوات لتكون مدينة الخليل على لائحة التراث العالمي. لقد استطاع النقيب جاد تابت بصفته خبيراً دولياً وعضوا في هيئة التراث العالمي في اليونيسكو إجراء الاتصالات اللازمة لأنَّه يعتبر أنَّ هذا الأمر انجازاً قومياً".

وأضاف عوض: "لا بد من التنويه أنَّ النقيب جاد تابت قدَّم محاضرة في الجامعة الأمريكية في بيروت في أيار الفائت عن تاريخ مدينة الخليل وأهميتها التراثية. مؤكداً إنها جزء لا يتجرأ من التراث الإنساني العام، لافتاً إلى قيام مجموعات من المثقفين الفلسطينيين في العام 2009 بحملة من أجل حماية تراث الخليل وسط المستوطنات المنتشرة كالسرطان في أنحاء المدينة".

وتابع: "بفضل الدبلوماسية الفلسطينية الهادئة التي تنتهجها قيادتنا وفي المقدمة منها الرئيس أبومازن ومساندة ودعم أشقائنا أمثال النقيب جاد تابت وأصدقائنا في العالم صوتت اليونسكو على إدراج مدينة الخليل الفلسطينية على لائجة التراث العالمي، حيث نال القرار 12 صوتاً من أصل 15 وبذلك يكون القرار قد حظى على ثلثي الأصوات المطلوبة ليصبح نافذاً من الهيئة على الرغم من الضغوطات التي مارستها إسرائيل وأمريكا للضغط على بعض الدول إضافة للأكاذيب والتشويه وتزييف الحقائق من قبل المندوب الصهيوني في الجلسة".

وألقى السفير أشرف دبور كلمة جاء فيها: "لقاؤنا اليوم احتفاءً بأحد الإنجازات العديدة التي تحققت خلال مسيرة نضالنا وهو قرار اليونسكو بالتأكيد على الهوية الفلسطينية للحرم الإبراهيمي والمدينة القديمة لمدينة الخليل وإدراجهما على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر، القرار الذي أفشل محاولات الاحتلال الإسرائيلي بخلق واقع احلالي صهيوني لمدينة الخليل.

نلتقي اليوم معاً وسوياً وأحمل لكم تحيات ومحبة أهلنا في فلسطين، لنكرم المهندس جاد ثابت نقيب المهندسين اللبنانيين، إبن لبنان المحتضن لقضيتنا وشعبنا، والداعم لفلسطين في كافة المحافل الدولية، ولدروه المميز في تحقيق هذا الإنجاز النابع من علمه ومعرفته وثقافته وتميزه والتزامه بعروبة فلسطين والتحضير الدقيق للوثائق التي ثبتت ما تم إقراره. وهنا أقدم شكري وتقديري إلى سعادة السفير خليل كرم مندوب لبنان في اليونيسكو ومشاركته السابقة والفعَّالة بإستصدار قرار باعتبار المسجد الأقصى من المقدسات الخاصة بالمسلمين ولا علاقة دينية لليهود به والتأكيد على عدم شرعية أية قرارات اتخذتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي بشأن القدس القديمة ومحيطها، وتأكيد الجوانب التاريخية والتراثية والحضارية التي تربط القدس المحتلة بالمسلمين والمسيحيين.

واستطرد السفير دبور قائلاً: "اليوم تحقق انجاز هام وكبير بوضع خطاً أحمراً لعاصمة دولتنا بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، لن يستطيع المحتل تجاوزه وهو مقدمة للعودة الطبيعية للوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى كاملاً غير منقوص كما كان عليه قبل العام 1967، إنَّ تحقيق ذلك جاء نتيجة التناغم بين تضحيات وصمود شعبنا وموقف قيادتنا وثباتها بقراراتها الصلبة المرتكزة على الثوابت الفلسطينية بإنجاز المشروع الوطني بالوصول إلى أهدافنا بالحرية والاستقلال والعودة،  ولتأخذ سلطات الاحتلال العنصرية العبر من بسالة وصمود شعبنا، ولتتوقف عن سن القوانين والتشريعات وتطبيق الإجراءات التي تنتهك حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، ومحاولات تهويد المقدسات وطمس هويتها الأصلية والتغيير الممنهج للطابع التاريخي والديمغرافي لها في خرق لأبسط قواعد ومبادئ القانون الدولي والانساني والتصرف كدولة فوق القانون".

وألقى النقيب جاد تابت كلمة جاء فيها: "إنه لشرف لنا أن نستقبلكم في بيت المهندس، هذا البيت الذي كان دائماً ولا يزال منارة مشرقة ينطلق منها المهندسون للإطلالة على هموم المجتمع، وصرحاً أساسياً للدفاع عن القضايا الوطنية والقومية وعن قضية فلسطين بالذات بصفتها قضية سياسية وأخلاقية كبرى من أجل الحق والحرية، قضية جوهرية تختصر بأبعادها معنى القيم الإنسانية في عالمنا اليوم".

واعتبر تابت أنَّ التكريم هذا ليس له، بل للجهود الدائمة التي بذلها المهندسون والمهندسات في لبنان من أجل دعم الشعب الفلسطيني في مقاومته للإحتلال ولإستعادة حقوقه المشروعة في أرضه ووطنه.

وعدّد النقيب تابت النشاطات التي قامت بها النقابة إذ نظَّم المؤتمر العلمي الأول لهيئة المعماريين العرب تحت عنوان القدس الآن – المدينة والناس وتحديات مستمرة وذلك في العام 1999 في بيروت وكان من أهم الأنشطة التي أشرف عليها ورعاها النقيب عاصم سلام الذي كان له الدور الكبير في إبراز دور القدس التاريخي والتراثي وفي مقارعة الاحتلال في المحافل الهندسية الدولية.

إضافة إلى تنظيم النقابة لقاءً تضامنياً مع مدينة غزة أثناء حصارها في العام 2008 بإشراف النقيب بلال العلايلي، وكانت صرخة مدوية انعكست في كل المنتديات العربية والدولية وكان لها الصدى العارم في وجه التعسف الإسرائيلي الغاشم.

وتابع النقيب تابت قائلاً: "يأتي اليوم تسجيل مدينة الخليل القديمة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو بصفتها إرثا فلسطينياً يتهدده الاحتلال ليؤكد أنَّ للمقاومة والصمود أوجهاً متعددة بما في ذلك الدفاع عن التراث والذاكرة في وجه من يحاول محو الماضي وتشويه التاريخ خدمة لهوسه العنصري".

وتحدث عن أهمية مدينة الخليل التاريخية  والجغرافية والإقتصادية حيث أنها ملتقى لعدة طرق تربط بين مصر وجنوب بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، كما أدت دوراً مهما كمركز اقتصادي وثقافي ومركز للحج بالنسبة إلى الأديان السماوية الثلاثة.

وعن الأهمية الدينية لمدينة الخليل قال: "تشكلت المدينة القديمة حول الحرم الإبراهيمي حيث دفن النبي ابراهيم برفقة زوجته ساره وأبنائهما وسميت المدينة عند العرب نسبة إلى نبي الله ابراهيم الخليل وعرفت المدينة عصرها الذهبي في العهد المملوكي فاشتهرت بازدهار العلوم الدينية واللغوية وتحوَّلت إلى مركز صوفي مميز وتطورت الزراعة والصناعة في محيطها وأصبحت مركزاً للبريد بين دمشق والقاهرة".

وعن تاريخ المدينة قال: تعود جميع الحارات التي لا تزال قائمة في مدينة الخليل اليوم إلى الفترة المملوكية ويمكن التأكيد من خلال قراءة كتابات الرحالة ودراسة عمر الأبنية إلى نسيج المدينة القديمة كما هو عليه الآن بأسواقه وحاراته وأزقته قد حافظ على السمات الأساسية للمدينة المملوكية.

واستطرد النقيب تابت قائلاً: الاستمرارية التاريخية للنسيج المملوكي في مدينة الخليل ظاهرة فريدة في العالَمين العربي والإسلامي، إذ على الرغم من أنَّ هذه المدينة القديمة لا يمكن مقارنتها بمدن مملوكية أخرى كالقاهرة أو دمشق إن من حيث الحجم أو من حيث الأهمية إلا أنها تمتاز عن تلك المدن بأنها حافظت على الشكل المديني الذي نشأ في عهد المماليك في الوقت الذي شهدت المدن الأخرى خلال الفترة العثمانية تحولات جذرية غيرت في معالمها وطابعها المديني. ويظهر ذلك بضورة خاصة في تشكيل الأحواش الخليلية التي تمثل نموذجاً معمارياً مميزاً نادراً ما يوجد في باقي المدن العربية والإسلامية تتنظم فيه الغرف على صورة تشكيلات عنقودية تتركب حسب نظام مميز، يؤمن وصول النور والتهوئة لكل غرقة وتتفاعل لتشكل تركيبة متراصة ترتفع على ثلاث أو أربع طبقات.

ثمَّ تحدَّث عن الدور الذي قام به وعن كيفية إعداد ملف لتسجيل مدينة الخليل القديمة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو وعن الكمية الهائلة من المعلومات والملفات والخرائط والصور التي أرسلها مجموعة من الفلسطينيين وقام بدراستها بدقة وإمعان وإعداد الصيغة النهائية للسلطات الفلسطينية في خريف 2015 كي يصار إلى عرضه على هيئة التراث العالمي.

ولم يغفل النقيب تابت عن ذكر الإجراءات الإسرائيلية عن تهويد مدينة الخليل القديمة ومحو هويتها، وكيف تشكلت لجنة اعمار الخليل عام 1996 لمواجهة هذه الإجراءات والتي سمحت بإفشال مخططات سلطات الإحتلال الهادفة إلى إفراغ المدينة من سكانها بغية الإستيلاء عليها.

وعدّد تابت عدة أسباب حول، ماذا يعني إدراج مدينة الخليل على لائحة التراث العالمي لليونسكو، منها: إن قضية فلسطين لا علاقة لها بالتعصب الديني أو العرقي أو القومي، بل لها أبعاد أخلاقية وسياسية وفكرية كبرى تخاطب ضمير الإنسانية.

وفي نهاية الحفل قدّم كل من سعادة سفير فلسطين أشرف دبور والمنهدس منعم عوض درعا شكر وتقدير للنقيب جاد تابت، وقدَّم عضو المجلس الثوري فتحي أبو العردات شهادة شكر وتقدير.