خاص مجلة "القدس" العدد 338 حزيران 2017
بقلم: محمد سرور

وزير الخارجية القطري الأسبق، الشيخ حمد بن خليفة اعترف، ومن خلال شاشات التلفزة، بدور إمارة قطر في دعم الجماعات المتطرفة. وفي سياق اعترافه، ادلى باتهامات واضحة لدول التحالف الخليجي المناوىء لدولته الآن، مضيفًا إليها وبشكل واضح: الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت عمليات إدارة الدعم تتم بواسطة غرفتي عمليات في كل من تركيا والأردن.
لست ادري إن كان الاعتراف يمثّل نقدًا ذاتيا لسياسة دولته، لكن مسار الامور يبدو أنه يجري عكس ذلك. فالاصطفافات الجارية حاليًا تظهر لنا نوعًا من الانشطار العامودي غير المعلن بين محور السعودية- مصر- الامارات العربية المتحدة، التي تساندها الحكومة الليبية واليمنية، وبين محور قطر، الذي التفّت حولها كل من تركيا_ التي أرسلت بضع مئات من جنودها الى الامارة المحاصرة، والمغرب، وإيران التي شكلت رأس حربة الاسباب التي استنفرت السعودية ضد الامارة الواقعة عند خاصرة المملكة.
ما يحصل من تحشيد للقوى وتصعيد في المواقف المتبادلة لا يبدو أنه ذاهب أبعد من حصار دويلة قطر من أجل فرض الشروط السعودية عليها وإعادتها إلى بيت الطاعة الخليجي... لا أكثر.
الموقف الاميركي من الأزمة الخليجية يبدو مشوشا وغير واضح المعالم. فمن جهة، طالبت إدارة الرئيس ترامب السلطات القطرية بعدم دعم الارهاب، وتأكيد التزامها محاربته، فيما موقف البيت الابيض الحالي يطالب المملكة العربية السعودية بتوضيح أسباب حصارها قطر والاعلان عن الاتهامات التي تدينها.
العجيب في مسألة التجاذب الجارية حاليا، تلك التقلبات غير المقنعة في الخطاب الايراني تجاه قطر، التي دعمت القوى التي تناهض سياستها بشكل مباشر، وذهبت بعيدًا في دعمها الدولة التي يؤدي قادتها دورًا بهلوانيا لا يفهمه إلا الراسخون بشؤون التنجيم وعلم الغيب، ففتحت مجالها الجوّي ومطاراتها التي أصبحت قطر بحاجة ماسة إليها إضافة إلى مدّها بحاجاتها التموينية اليومية عبر جسر يربط قطر بإيران.
وفي سياق المعمعة الجارية تحدّث المسؤولون القطريون كثيرًا عن سيادة دولتهم. كأن هذه المسألة امتياز لهم دون غيرهم. فالدول التي تدخلت إمارة قطر في شؤونها لا تعد ولا تحصى. بدءًا من سوريا، مرورًا بالعراق واليمن وليبيا ومصر. أضف إلى ذلك مسألة الاعلان الدائم من قبل المسؤولين القطريين حول عدم شرعية النظام المصري الذي انقلب على حكم جماعة الأخوان المسلمين. وهنا لا بد من سؤال: ماذا عن الاتهامات التي وجهت إلى قطر حول محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك؟ وماذا عن الاتهامات الموجهة إلى سلطات دويلة قطر حول دعمها الجماعات التي اغتالت القيادي التونسي اليساري شكري بلعيد؟
ماذا عن إيواء الدويلة مشاغبة لجماعات الاخوان المصريين الذين يقودون جماعاتٍ إرهابية تعمل ضد النظام المصري في سيناء وغيرها؟
يمثل الملف الفلسطيني مكسر عصا سياسات دول المنطقة، فجلُّ ما استطاعت قطر تنفيذه من الشروط الخليجية إبعاد مسؤولي حماس إرضاء لاسرائيل والادارة الاميركية ليس إلا.
هنا وبمناسبة مرور عشر سنوات على الانقلاب الحمساوي الدموي في قطاع غزة نسأل: ألم يكن الاجدى بمسؤولي الدويلة المشاغبة دعم مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية، وممارسة الضغوط الكفيلة بطي هذا الملف الذي أرهق القضية وشعبها، أم أن دورهم يُختصرُ بتنفيذ جريمة الانقسام لا أكثر؟
الامر الملفت جدا الآن، أنه في سياق الاتهامات التي تدين أمراء قطر الذين انقلبوا على الأمير الأب، لم يرد أبدًا أي ذكر لدعم المسؤولين القطريين مؤامرة الانقسام الفلسطيني وما جلبته من ويلات على العلاقات الداخلية للمجتمع الفلسطيني وقواه الحيّة. كم من التصدّع حصل للجانب الفلسطينين مقابل استغلال واستثمار إسرائيليَّين لتلك الحال الخطيرة؟
لم تخرج قطر عن الاجماع العربي شكلا، ولم يكن خروجها مجرد مراهقة سياسية أو عدم خبرة في الشؤون السياسية، بل هو خروج مبرمج في سياق مشروع متكامل لاتمام مهمة تمزيق الصف العربي والتلاعب بالقضايا الاكثرحساسية وتأثيرًا على صعيد مصير دول وقضايا مركزية واستراتيجية، وبخاصة القضية الفلسطينية.
وإذا اضفنا مصر إلى معادلة التلاعب القطري، فلأنها ورغم ثقل أزماتها الداخلية، كانت ولم تزل العمود الفقري للكينونة العربية. وتمثل أيضًا نوعًا من الضامن الاحتياطي الكبير للجم جموح العديد من الدول والقوى المغامرة والمراهقة التي تعمل على تدمير الهيكل على كل من فيه. المصيبة الكبرى هنا تتلخص في غياب القوى والاحزاب القوية ذات البرامج التي تؤهلها قيادة المرحلة الدقيقة والحرجة، بحيث تخلو الساحات لقوى التشدد والظلام التي جربنا مآسي وجودها وجرائمها التي لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها. وهنا لا بد من إشارة هامة يجب إبرازها: لقد نجحت هذه القوى في غسل الضمير الصهيوني المدان والمنبوذ على صعيد الغالبية من دول العالم جراء الإنتهاكات والمذابح التي نفذها المحتلون الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني وإنكاره حقه بتقرير مصيره، وتم بموازاة ذلك إسقاط غيمة سوداء فوق عواصم العالم ومدنه إسلامية السموم وعربية النطق والهوى، فانحرف العار عن مساره التاريخي، بحيث نسي العالم أمر إسرائيل المجرمة وباتت الأصابع كلها تشير إلينا... دون استثناء.
السؤال الذي يحيّر كل ذي بصر وبصيرة: لماذا قبلت دويلة قطر دور دعمها هذه الجماعات، وما هي الفائدة التي تحصل عليها؟
في الجزء المتعلق في الشأن الفلسطيني، وإذا تحاشينا الدبلوماسية قليلا، لا بدّ من ذكر قطر- للأسف- كواحدة من جملة معوّقات أصابت القضية الفلسطينية في نحرها. المعوّق الأول هو الاحتلال ومشروعه الرافض للقسمة على اثنين. المعوّق الثاني هو صبري البنّا، الذي خدم المشروع الصهيوني اكثر من الصهاينة أنفسم... وعلى مدار سنواتٍ طويلة. بالطبع كان ضمير بعض القادة العرب هو المعوّق الثالث، وفي ثلاجة الاستبداد والقبض على عنق القرار الوطني الفلسطيني، فأسهموا بحصصهم التي ترضي العدوّ وتفرحه وتحزن الصديق...
لم يعد ينفعنا البكاء على الاطلال، ولا سوق الاسباب التي تشجعنا على تبرير الاخفاقات التي منيت بها القضية الفلسطينية على مساحة تاريخها المثقل بالبذل والتضحية. لكننا بالمقابل ملزمون بواجب معرفة وتحديد الصديق من العدو في مجال اللا يقين المصيري الذي يعانيه الشعب الفلسطيني منذ سنوات طويلة ولم يزل.
إن كان البعض عاجزًا عن تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وقضيته، فإن من واجبنا مناشدة هذا البعض كفَّ يده، ووقف تماديه، واحترام سيادة وخصوصيات الشعوب التي لا تحتاج إلى محفل اخواني فوق أرض فلسطين. ولا تحتاج إلى دعم متغطرسين وجلادين وقتلة، يحكمون العباد بالحديد والزنازين والتصفيات الجسدية، والسحل وإلقاء المناضلين عن الأسطح... علينا أن نقول لهم: وصلتنا رسالتكم... نحن بخير ما دمتم بعيدين عنا. ما يعني: اقفلوا سفارتكم التي تؤدي دورًا مشبوها في قطاع غزة... مع تمنياتنا لكم بلعب دور الصديق والشقيق تجاه قضايانا، إن استطعتم إلى ذلك سبيلا. لم يعد يشفي أحداً ذلك التكرار الممجوج عن الصمود وأننا لن نركع... وأننا مقاومة...
اعتقد أن في الفم الفلسطيني ماء كثير تجاه دويلة "الأخوة القطريين"، لكن قيادة الشعب الفلسطيني تأبى أن تتساوق مع الحملات الكبرى التي تستهدف قطر، بحيث يظهر الأمر شبيها بالتساوق مع تلك الحملات مما يفقدها جديتها وأهميتها في مثل هذه الظروف الصعبة.