تقوم العلاقات بين الدول المختلفة، وحتى بعض التنظيمات والأحزاب والفصائل على أساس المصالح المشتركة، والمنفعة المتبادلة، وكلٌ يُغني على ليلاهُ!! فلقد تبدلت القيم وتغيرت المبادئ، واختلت الموازين، وما بينِّ غّمضةِ عينٍ، وانتباهها يغير الله من حالٍ إلى حال؛

فُّيمسي الصديق عدواً، ويصبحُ العدو صديقاً، ونحن اليوم نعيش في عالم متغير ومتبدل الأحوال بصورة سريعة.

لقد كانت القضية الفلسطينية تعتبر القضية العربية والإسلامية الأكثر ظهوراً، وقضية العرب والمسلمين الأولى، أما اليوم أصبحت القضية غير المركزية لهم، ولكن يكثر اللاعبون فيها،

حيثُ يأتي لها اللاعبون واللاهثون لرسم سياسات شرق أوسطية جديدة من كل أصقاع الأرض، بدءاً من الدول الأقوى عالمياً الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة برئيسها دونالد ترامب، ووصولاً إلى روسيا، وإيران، وتركيا، وقطر، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، والاحتلال الصهيوني وغيرهم، والقائمة تطول، وأهل فلسطين كالكرة في الملعب بين الفريقين المختلف الهوية والثقافة والديانة والجنس واللون، والمزاج، وكما يقول المثل الشعبي وبين حانا ومانا ضاعت لحانا،

وحتى لا نظلم العرب أو الغرب أو حتى الاحتلال!، فنحن في فلسطين لنا سهم كبير فيما يجري من مصائب متلاحقة علينا، أليس الانقسام الفلسطيني المتواصل منذ أكثر من عشر سنوات يعتبر نكبة لا تقل عن نكبة اغتصاب وضياع فلسطين عام 1948م؟!.

كما أن الانقسام في البيت الداخلي للتنظيمات والفصائل والأحزاب بفلسطين القت بظلالها السوداء على قضية فلسطين وشعبها وأثرت سلباً على الواقع الصعب، والخطير والمعقد الذي تحيياه قضية فلسطين اليوم، لقد بدأت بعض الدول العربية تتخطى بعض الأمور المحرمات من قبل ذلك، وتطبع مع الاحتلال جهراً وليس سراً كالسابق، ومع احترامنا لخصوصيات كل دولة وحريتها فيمن تختار وتحب وتصالح وتقارب، ولكن للأسف يأتي هذا التقارب العربي والإسلامي اليوم بلا ثمن ولو حتى كان ثمناً بخساً، على الأقل.

ولم يطلب أحد بوقف الاستيطان أو بتطبيق حل الدولتين، والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وهو الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية والعربية من قبل هذا.

يأتي ذلك كله والقضية الفلسطينية والواقع العربي عموماً يعيش أسوأ حالاته، والخطر المحذق يحيط بالجميع، ولتوصيف أحوال العرب بأنها وصلت للحضيض وقاع المحيط من الهبوط، والسقوط!، وهُّناْ على العالم لما هّانتْ علينا أنفُسنا، وجلدنا ذواتنا وبعضنا البعض بأيدينا.

ومازلنا بانتظار مزيداً من التراجع والانقسام والتشرذم؛ وقضية العرب والمسلمين المركزية فلسطين أصبحت شبه منسية بالكاد يتذكرها العالم، وفي مؤخرة الاهتمام للمجتمع الدولي، والاحتلال الصهيوني هو المستفيد الأول من الخلافات العربية - العربية ومن تلك الأزمات التي تعصف بالمنطقة، ومن صور الانقسام العربي أزمة الخليج ومهلة العشر أيام التي منحتها السعودية والامارات ومصر، لقطر، للرد على ثلاثة عشر مطلباً من تلك الدول، وفي حال لم تواقف قطر فالقادم أسوأ والأزمة متدحرجة ككرة النار الملتهبة التي ستعصف بالجميع وممكن أن تؤدي لانزلاقات خطيرة تبدأ بتفكك مجلس التعاون الخليجي، وصولاً لوقوع الحرب، لا سمح الله.

أما عن التفاهمات الأخيرة التي رشح عنها مؤخراً في القاهرة من الاتفاق بين حماس، ودحلان، تزيد المشهد الفلسطيني الداخلي والأمور المعقدة أصلاً تعقيداً! واستمرار الانقسام، وصولاً للانفصال وهو أسمى أهداف الاحتلال ويصب مباشرة في صالح الاحتلال، لأن هذا يوصلنا إلى الانفصال التام، وفيه السُم والموت الزؤام!، فهل يعقل أن تصل الأمور إلى الانفصال بين الضفة وغزة وتدمير المشروع الوطني وحلم حل الدولتين؟، وهل يتحقق حلم الاحتلال الذي تمناه منذُ عقود من خلال قيام دويلة غزة!، تطبيقاً لخطة (غيورا لاند)، التي طرحت قبل عقود في السبعينات من القرن الماضي؛

من خلال طرح حل القضية الفلسطينية على حساب سيناء؟ هل ستقبل مصر بذلك؟ وبالمُجمل فإن ما يجري في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام هو رسم خارطة جغرافية جديدة للمنطقة تنتهي بتقسيم كل دولة لعدة دويلات متناحرة ومتصارعة ومفككة وضعيفة لأنها قامت على أسس طائفية ونعرات مذهبية وحزبية وقبلية؛ خدمة للاحتلال، وإن الهدف من وراء التسريب الأخير ما سمي باتفاق حماس- دحلان ، هو الضغط على الرئيس محمود عباس، وثنيه عن اجراءات حماية المشروع الوطني التي شرع بتنفيذها لحمايتهِ؛ وهناك احتمالًا بأن تتخلص إسرائيل من الضغط الداخلي والخارجي وتقبل بقيام دولة غزة الفلسطينية، وهو أمر بات ممكناً وغير مستغرباً فساحل قطاع غزة ثبت احتواؤه على الغاز والنفط، وسكان غزة بعد حصار دام لأكثر من عشرة سنوات هم كالغريق الذي يتعلق بالقشة لإنقاذه من الغرق، كما أن غزة ليست محل ارتباط فكري في العقيدة الصهيونية، فاليمين الإسرائيلي يقبل بدويلة في غزة وليس الضفة الغربية، والقدس الشريف، ولذلك انسحاب شارون من غزة عام 2005م، كان مخططاً له لنصل لما وصلنا له اليوم من انقسام سيؤدي للانفصال لو استمر لا سمح الله، وبالطبع فإن حماس في موقف لا تحسد عليه وهي تتحمل مسؤولية كبيرة لما يحدث في غزة وجرنا إلى سياسة المحاور الإقليمية الضارة بقضيتنا العادلة، إننا نعيش في زمان كل شيء متوقع ومستباح وغير مستبعد، وكل متوقع يمكن أن يصبح غير صحيح، وبالرغم من خطورة كل ما يجري، ممكن أن تنقلب الأمور وتأتي الرياح عكس ما تشتهي السفن.

وأما عن سوريا واتفاق استانا الذي يتكلم عن قوات لخفض التوتر كما يتبين للعلن، أما الهدف المخفي وراء ذلك هو تقاسم النفوذ بين روسيا وحلفائها بالمنطقة (إيران) وتركيا، والنظام السوري، وبين الولايات المتحدة ومن لف لفيفها بالمنطقة تمهيداً لتقسيم سوريا، وأما عن الرئيس الأمريكي ترامب رجل المال والأعمال فهو يهدف لجر المنطقة العربية لمزيد من الحروب والدمار والخراب ويلعب على التناقضات ويزكي ويعزز الخلافات العربية والإسلامية ويشعل فتيل الحرب ويقف متفرجاً، بل يجني ثمارها هو وكيان الاحتلال الغاصب، والخاسر الأكبر في تلك الاوقات العصيبة هم العرب والمسلمين.