مضت اليوم عشرة أعوام سوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني، هي عمر انقلاب حركة "حماس" على الشرعية الوطنية في محافظات الجنوب. عشرة أعوام عجاف، مريرة، كالحة، مأساوية وحزينة. وهي توازي في حجم وثقل مآسيها عام النكبة 1948. لأنَّ الانقلاب على الشرعية الفلسطينية دوَّن بأحرف قبيحة ولقيطة حدثاً خطيرًا استهدف وحدة الوطن والشعب والقضية والنظام السياسي الفلسطيني التعدُّدي، وصبَّت نتائجه جميعها في مصلحة إسرائيل الإستراتيجية، وأدَّى لمصائب ارتقت لجرائم حرب دولة التطهير العرقي الإسرائيلية في حياة الشعب الفلسطيني من حيث الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية.

دون التوقف أمام تفاصيل أعداد الضحايا من الشهداء والجرحى والمعتقلين والفظائع الوحشية والويلات والأوجاع والفقر والفاقة والباطالة وإطلاق يد القوى التكفيرية للعبث وتشويه المجتمع الفلسطيني نتاج العقد الماضي من الانقلاب الأسود. وحتى لا يبدو المرء، وكأنَّه ينكأ الجراح، مع أنَّ بؤس ووحشة ولعنة وظلامية الانقلاب الحمساوي جاثمةٌ على أنفاس أبناء الشعب في قطاع غزة والضفة والقدس والـ48 والشتات، وتداعياته تطال كلَّ تفاصيل الحياة والمجتمع الفلسطيني وخاصة السياسية، وحتى يتم دفع الأمور خطوة للأمام لإصلاح شأن البيت الفلسطيني بالاستفادة من دروس وعِبر التطورات والأزمات، التي تعيشها الساحة العربية بطولها وعرضها، ووسط تراجع وانهزام مشروع الإخوان المسلمين العام والخاص، فإنَّ الضرورة تُملي على قيادة حركة "حماس" أن تتوقَّف مليًّا أمام تجربتها خلال الأعوام العشرة الماضية، وتعيد النظر ببرنامجها الإخواني، وترتقي لمستوى الانسجام مع ما جاء في وثيقتها السياسية، التي أقرَّتها مع مطلع أيار/ مايو الماضي، وعليها إصدار بيان عام على الملأ، تعلن فيه الآتي: أولاً، التزامها الأكيد والجدي بتطبيق جميع الاتفاقات والإعلانات ذات الصلة بالمصالحة الوطنية؛ ثانيًا، الاعتذار للشعب -كلّ الشعب- عمَّا اقترفته من انتهاكات وخطايا بحق نفسها وحق الشرعية والحركة الوطنية والشعب عموماً؛ ثالثًا، فتح الأبواب على مصاريعها لتولي حكومة التوافق الوطني برئاسة الدكتور رامي الحمدلله مسؤولياتها في إدارة محافظات الجنوب، وقبل ذلك حل ما يُسمَّى اللجنة الإدارية (حكومة الظل)؛ رابعًا، تفعيل دور لجنة الإصلاح الاجتماعي؛ خامسًا، الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين من سجونها؛ سادسًا، إلغاء كل ما يتعارض مع النظام الأساسي من قرارات وتشريعات وقوانين وضرائب؛ سابعًا، حل اللجان والمؤسسات والهيئات والأجهزة المدنية والأمنية كافةً، التي أنشأتها حركة "حماس" خلال الأعوام الماضية؛ ثامنًا تسليم كل المعابر لمكونات وأجهزة الرئاسة والحكومة الشرعية.

يتبع ذلك خطوات من قيادة منظمة التحرير لتكريس المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية تقوم على الآتي: أولاً، الدعوة لعقد دورة عاجلة للمجلس التشريعي بعد شهر من شروع حكومة التوافق بممارسة مهامها على الأرض ليؤكد على عودة الروح للحياة التشريعية؛ ثانيًا، الدعوة لعقد دورة عادية للمجلس الوطني بحضور ومشاركة حركتي حماس والجهاد، تتمثَّل مخرجاتها في تجديد الهيئات المركزية؛ الاتفاق على تركيبة المجلس الوطني الجديد، واشتقاق برنامج وطني توافقي؛ ثالثًا، تشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني خلال فترة زمنية تتراوح بين ستة أشهر وسنة؛ رابعًا، الشروع الجدي وعلى الأرض في تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين الكل الوطني.

هذه الخطوات، هي المقدمة الطبيعية لطي صفحة النقلاب الأسود، والرد المباشر والفوري على خيار التمزق. لأنَّه لم يعد هناك ما يدعو لبقاء الانقلاب. كفى انقلابا وتمزُّقًا وتشرذمًا. لم تعد شعارات "المقاومة" تُسمن او تُغني من جوع. المواطن الفلسطيني كفر بعملية الانقسام، ووصل إلى لحظة انسداد أفق غير مسبوقة، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة لا تحمد عقباها. فهل تتدارك حركة حماس الموقف وتعيد النظر بخيار الإمارة وتنحاز لخيار وحدة الوطن والشعب والنظام السياسي التعددي؟ الكرة في مرمى القيادة الجديدة لحماس.