وحدي
 أراوغُ زنزانتي الموحّشة
فألمُّ خرز الحَنين من حاراتِ الغسق
أكدّسُها في أحلامي الرطبة
وفي بكاءاتِ البراعِمِ المغلولةِ من طراوتِها.
وحدي
أكتب على الرغيفِ مرثاتي
وأصومُ دهرًا..
نكايةً بعصفورٍ يغرّد قرب نافذتي.
أصابعي نقرُ الحنينِ على جهاتي المظلمة
كأنها استعارتْ حاسَّة تنجدني:
أنا الكفيفُ العابرُ أثلامَ الجفاف في حقول أمتي.
تطلُّ من شرفةِ العُمرِ غمّازتُها
وترشَحُ الإبتسامةُ  الضئيلة
مضيئة... كشمعةِ الميلاد
أحسبُها أمّي الساهرة على غفوتي
وأحسبُني... لم أزل عالقًا في سرير طفولتي.
للبجعِ في عينيهِ مرايا
صفحاتٌ بيضاءُ لقصيدةٍ أخيرة
وأريكة في الليلِ
سُمّارُها قلمُ وبقايا خاطِرةٍ
على ورقةٍ تنتظرُ غريبًا...
كي تصيرَ أغنية.
يا لجنوني...
لم يزل فوق السّحابِ رفُّ البجع
وأنا... أين أنا من أجنحةِ تداعبُ الغيم؟
 كنت وحدي...أطوفُ الحدائِقَ
كي أقطفَ الحكاياتِ من ثغورِ الصّبا
وأحصي مدامعَ أحزانِ الوردِ
أحضنُ باقاتِ الدمع الغضّةِ
وأصغي لأسفارِ الأنينِ في خلايا الأرحامِ المهزومة.
لا حاجة للتأويلِ في سدرةِ الوضوح
فالنايُ يعزفُ غصَّة أمٍّ ورثتْ من مَرثاتها.
والألمُ العنيدُ في براري الوَزّالِ
ينوءُ تحت مخالبِ الأعذار المنتصبة
فترتدُّ إلى عمقِ الصدرِ...
شظايا وهلةٍ عمياء.
 أتكىءُ على ثقبٍ في خاصرتي
فتندلقُ أوراقٌ صفراءُ ذابتْ قِدَمًا.
لا قطارَ يؤوي متسكّعٍ مقدارَ غفوةٍ
والمحطّات باردة في ليلِ المذعورينَ أمثالي...
أنا... المقيمُ في برج الزنزانة.
أراني تخفَّفتُ من نميمةِ القلقِ
فرميتُ العفّةَ في سلَّةِ المُحرَّمات
وقصصتُ ضلعَ النطقِ من لساني
أرقتُ في القمقمِ عفريتَ الحبرِ
وانزَويتُ وحيدًا...
أمضغُ الاحتضارَ بعفّةِ السجناءِ.
هي النهاية تتسلَّلُ إلى ذاكرتي
تمحو سقسقة الكلامِ عن أوراقي.
نمْ يا جوعُ... نمْ
أيُّ خدَرٍ يتأنّقُني كمريولِ طفلِ اليمام
أيُّ عصا تتلقفني في برجِ الزنزانةِ؟
كأني اخترتُ الوقوفَ أمامَ صيّادٍ لا يخطئ
كي أموت شهيّا...
كطرائِدِ اليمام.

بقلم/ محمد سرور