وعبر هذه الرؤية، أنجزت الحركة الفلسطينية الاسيرة عبر تاريخها المجيد انتصارات مذهلة، حين حولت عنابر السجون وزنازينه اي ميدان وجبهة مواجهة على صعيد الاهتمام بالسجين وتثقيفه، وتعليمه، وانخراطه في واجبات لاخراجه من السجن مؤهلا لاستئناف العمر واستئناف النضال في تجليات أخرى، وكانت إضرابات الاسرى وسيلة من الوسائل المستخدمة في هذا الأفق الكبير، ولذلك كان النكوص الإسرائيلي عن اتفاق الافراج عن ابطالنا الاسرى قبل أوسلو سببا رئيسيا لوقف المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي العاجز عن الالتزام بماعليه من استحقاقات.
اضراب اسرانا الذي يصعد الى يومه الحادي والأربعين، حقق سلسلة من النجاحات الكبرى بكل المعايير، فهو بالإضافة الى تجلياته بمكانة الاسرى في اولوياتنا الوطنية، رغم بعض التشويش من جهات كانت تمارس الإضرابات الفردية ولم يستطع عقلها استيعاب الوصول الى هذا الاضراب الشامل، الذي اصبح جزءا من الحياة اليومية لشعبنا، وانا لا اريد أولئك الذين ينعقون كالبوم ويقولون ان الشعب ليس متفاعلا كما يجب، فتجاوب الشعب في الوطن والشتات اكثر من رؤية هؤلاء، وهذا التفاعل يأتي باشكال عميقة ومنضبطة، وليس بمظاهر من الصراخ الاجوف والفوضى الضارة، ومن حسن الحظ ان اضراب الاسرى جاء ضد حالة من الصعود الفلسطيني، فقد طرح الرئيس موضوع الاسرى على اهم المنصات الدولية، مرتين مع ترمب في البيت الأبيض وفي بيت لحم، والمواقع الدولية الأخرى، وحجم التفاعل العربي والإسلامي والعالمي يفوق الحدود.
ونجح الاضراب في احداث هذا الانكشاف للدولة الإسرائيلية، عجزها عن الاستجابة لمطالب إنسانية مئة في المئة، وسقوط اسرائيل في ممارسات تعود الى بشاعات التاريخ الاستعماري، مثل إذاعة شريط فيديو تافه، فانقلب السحر على الساحر، وتحول جلعاد اردان المتهم بالانحطاط الأخلاقي، ومثل سقوط وجه المستوطنين الذين اقاموا حفلات شواء امام السجون المحتشدة بالاسرى المضربين، هذه صورة بشعة للاحتلال، وانسان الاحتلال ومجتمع الاحتلال، ومثل المناورات القائمة منذ فترة حول اين يبدأ بالاستجابة، مصلحة السجون بمفاوضات مع الاسرى، ام الاسرى يفكون اضرابهم أولا، وهذا مأزق كبير للذات الإسرائيلية، فعنادها مزيد من السقوط ليس إلا.
الانتصارات والنجاحات كل يوم، تتوالى، وذكاء الاسرى وخبراتهم تثبت فعاليتها، ولذلك يحاول العدو احداث اختراق باي ثمن، ولكن المعركة، معركة الارادة والذكاء، يمسك فيها الاسرى بزمام المبادرة، وكل دقيقة تسجل إسرائيل خسائر فادحة لصورتها كدولة وهشاشتها كشعب، ونهوض الأسئلة الكبرى عن المصير.
يا اسرانا البواسل، انتم خلاصة الشعب، انتم من علامات القضية، انتم فرسان المشهد، فلكم المجد والحرية والانتصار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها