تناقلت بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية ما أسمته "خطة أميركية للسلام" طرحها مبعوث الرئيس ترامب للمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات على الرئيس ابو مازن أثناء لقاءهما يوم الثلاثاء الماضي، والتي روجت لها المواقع والمنابر الإعلامية الإسرائيلية ومنها موقع "ديبكا". وقامت تلك الوسائل ومحللوها بوضع "الخطة" الوهمية تحت مبضع التحليل والتشهير بالقيادة الفلسطينية وخاصة شخص الرئيس ابو مازن. وتعاملت القوى المناهضة للقيادة الفلسطينية مع البضاعة الفاسدة، كأنها أمست حقيقة؟ وكأن الرئيس عباس وقيادة منظمة التحرير وافقت عليها؟ ولم يحاول اولئك المتعجلون للإنقضاض على الشرعية وتوجيه الإتهام لها التدقيق فيما إن كان هناك خطة او لا؟ وإذا إفترض المرء في أفضل الأحوال ولا أقول اسوأها، لإن القيادة الفلسطينية والأشقاء العرب والعالم ينتظروا بلورة الإدارة الأميركية لرؤيتها للحل السياسي، هل سأل اولئك المطبلون والمزمرون أنفسهم إن كان الرئيس ابو مازن وافق او لم يوافق على الخطة الوهمية؟ وهل طرح اي خطة للقيادة الأميركية ملزمة للقيادة الفلسطينية في حال تعارضت مع المصالح الوطنية؟ ومن قال ان قيادة منظمة التحرير لعبة أو أداة في يد أميركا او غيرها على أهمية ومركزية دورها حتى الآن في العملية السياسية؟
يمكن الإشارة لكل من تناقل الخطة الوهمية وروج لها، وقام بوضعها تحت مجهر تحليله وتشخيصه العدمي والوهمي، أن المدرسة الأمنية الإسرائيلية شاءت إلقاء بالون إختبار في الساحة الإعلامية والسياسية لأكثر من إعتبار، منها أولا إستقراء ردود الفعل على خطتها، ومدى قبولها من رفضها في الشارع؛ ثانيا خلط الأوراق في المشهد السياسي برمته، والتشويش على القراءة الأميركية للحل السياسي؛ ثالثا محاولة حرف الأنظار عن مأزق القيادة الإسرائيلية، التي منت النفس بالكثير في ظل قيادة الإدارة الأميركية الجديدة؛ رابعا التحريض على القيادة الفلسطينية عموما وشخص الرئيس ابو مازن خصوصا، لتعميق أزمة الساحة الفلسطينية.
والنتيجة مما تقدم، لا وجود لهكذا خطة من أصله وكل ما جرى بين الرئيس عباس والموفد غرينبلات على مدار الساعة والنصف، التي جمعتهما بشكل منفرد، وما تلاها من زمن مقارب مع من شارك الرئيس في اللقاء، كان الإستماع منه لموقف القيادة الفلسطينية على جملة الأسئلة، التي حملها من إدارته وعمقها من خلال لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل يوم الإثنين الماضي، ولم يحمل مستشار الرئيس ترامب اي رؤية للسلام وذات الشيء لم تتضمن مكالمة الرئيسين ابو مازن ونظيره ترامب أية مواقف محددة بشأن العملية السياسية، سوى ابداء الرغبة بإنجاز الحل السياسي، والإستماع لوجهة النظر الفلسطينية عند زيارة الرئيس ابو مازن لإميركا في الوقت، الذي تحدده إلإدارة الجمهورية.
مع ان القيادة الفلسطينية تتمنى ان تبلور إدارة ترامب رؤيتها للحل السياسي، لإن ذلك يساعد في تبادل الأراء ووجهات النظر فيما بينها، ويحديد نقاط الخلاف من نقاط الإتفاق.

وهذا يقرب المسافة الزمنية لبلوغ الحل السياسي إلآ اذا كانت نقاط الإختلاف عميقة، عندئذ لا يمكن للقيادة الفلسطينية وشخص الرئيس عباس القبول بما يتعارض وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان سيادة دولة فلسطين على اراضيها دون وجود إستيطان إستعماري فيها، وضمان تواصلها الإداري والسياسي وعاصمتها القدس الشرقية وتحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194.
لكن لا يجوز إستباق الأحداث، وإن كان على القيادة الفلسطينية أن تضع على طاولة البحث جملة من السيناريوهات الإفتراضية لإدارة الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة، والتي لا تلم بتفاصيل العملية السياسية، وترغب البدء من نقطة الصفر، وبالتالي إحذروا البضاعة الإسرائيلية الفاسدة، ولا تسمعوا من اولئك المتسرعين السباحة في شبر ماء.