باتَ انعقادُ المؤتمر السابع لحركة "فتح" حديثَ أغلب الأوساط الفلسطينية، والعربية والإقليمية، والدولية من جهة، إضافة إلى الترقُّب الشديد من قِبَل دولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى. فالجميع في انتظار مخرجاته لما سيكون لها من انعكاسٍ أولاً على الحالة الفتحاوية التي تمرُّ بحالة خاصة من الخلافات الداخلية، إذ سيُعيد على الأقل توزيع خريطة القوى، ومن ثُمّ انعكاسه على الحالة الفلسطينية عامةً بسبب جماهيرية هذه الحركة التي ينتسب لها أغلب أبناء الشعب الفلسطيني.

ويُعدُّ المؤتمر أعلى سلطةٍ تشريعيةٍ في الحركة، ويقر القوانين والأنظمة وينتخب لجانه التنفيذية وعلى رأسها المجلس الثوري الذي يُعتبر الحلقة الوسيطة بين المؤتمر وبين اللجنة المركزية التي ينتخبها أيضاً المؤتمر، وتعدُّ أعلى سلطة تنفيذية في الحركة.
وكانت حركة "فتح" قد عقدت مؤتمرها السادس للمرة الأولى داخل فلسطين في مدينة بيت لحم خلال آب 2009، وذلك بعد عشرين عاماً على المؤتمر الخامس الذي انعقد عام 1989 في العاصمة التونسية.
خروج المتجنّحين يصبُّ في مصلحة الحركة
أكَّد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، مفوّض الأقاليم الخارجية، الدكتور جمال محيسن، أنَّ المؤتمر يعتبر استحقاقاً دستورياً لتجديد شرعيات الحركة وتحديد سياساتها المستقبلية.
وقال في حديث خاص لـ"القدس": "هناك لجنة تحضيرية تنبثق عنها عدة لجان، اللجنة اللوجستيّة التي من المفروض أن تؤمِّن كل ما يتعلّق بانعقاد المؤتمر، وهناك لجنة العضوية، ولجنة الأنظمة واللوائح، ولجان إعداد التقارير سواء أكانت التنظيمية أو السياسية أو مشروع النظام الداخلي أو النظام الاجتماعي، واعتقد أنَّ تقرير النظام الداخلي أُنجِز، والتقرير السياسي موجود وتقرير البناء المجتمعي موجود، ولجنة العضوية تواصل اجتماعاتها والقضايا اللوجستية أيضاً تواصل أعمالها بشكل جيّد".
وشدَّد على أنَّ الجو الداخلي في حركة "فتح" بسبب قرارات الفصل أو المشاكل الداخلية لا يمكن أن يؤثّر على الانتخابات وانعقادها، وأضاف: "بالعكس ما يحدث يقوّي فتح، فهي لا تفصل البعض، ولكن البعض يفصل نفسه من الحركة، على سبيل المثال هناك قرار من اللجنة المركزية بقوائم موحّدة في انتخابات البلديات، وألّا يترشّح أحدٌ خارج قوائم "فتح"، ولكن البعض يعاند ويترشّح لينافس "فتح"، إذاً هذا ليس فتحاويّاً، فهل يعقل أن يبيع حركته مقابل المجلس البلدي هنا أو هناك؟!
أمَّا بالنسبة لظاهرة دحلان، فحركة "فتح" منذ انطلقت، والأنظمة العربية تسعى لاحتوائها، وعندما كانت تفشل باحتواء "فتح" كانت تسعى لإيجاد فصائل بجانبها ولكن هذه الفصائل لم تكن تقلع في أوساط الشعب الفلسطيني، لذا كانت تسعى لشقِّ "فتح"، كمثال ظاهرة أبو نضال التي كانت تجربة مبكرة في السبعينيات، وأبو نضال قتلَ العديد من سفرائنا، وقتل أبو إياد، وأبو الهول، ومحمد العمري، والعديد من قادة حركة "فتح"، ولكنه اليوم رحل كشخص والحركة احتوت جزءاً كبيراً من مجموعته، وهناك باستمرار ضغوط عربية وإسرائيلية على القيادة السياسية حتى تتخلّى عن ثوابتها، ولكنني أعود وأكرر أنَّ هذه الحركة حركة عظيمة، وشعبنا العظيم قدَّم آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وبالتالي "فتح" لا تقبل أن تكون موظَّفة عند احد، أو مرتهَنةً لقرار أحد. "فتح" موظَّفة عند شعبها تتلقّى التعليمات بما يتناسب ومصالح شعبنا، وهذه الظاهرة ليست الأولى ولا الأخيرة، وليفهم الجميع أننا عندما نذهب للمؤتمر، فهو سينظف "فتح" من بعض الطحالب التي نمت داخلها من هنا وهناك. وأعتقد أنه طالما أنَّ الرئيس أبو مازن متمسِّك بالثوابت فستستمر حملات الضغط من أطراف عربية ودولية وإقليمية".
وشنّ د.محيسن هجوماً حاداً على "المتجنّحين" بالحركة مؤكّداً أنَّ: "قرارات الفصل الأخيرة التي تلت مؤتمر العين السخنة والأمعري، لن تؤثّر على سير أعمال المؤتمر، فالشجرة التي نقصقصها تنمو أقوى، وبالتالي نحن نمر بامتحانات بين فترة وأخرى تُظهر مَن هو مع المشروع الوطني والقرار الفلسطيني المستقل، ومَن يبيع نفسه لهذا النظام أو ذاك، وبالنهاية الناس تستفيد من تجارب من انشقوا سابقاً، أيام انشقاق أبو خالد أو انشقاق السبعينيّات، وهذه الحركة سفينتها سارية، ونأمل من الله أن تحقِّق مشروعها الوطني. ما حصل بعد مؤتمر الأمعري هو فصل شخص واحد هو الأخ جهاد طملية الذي دعا إلى هذا الاجتماع، وبالتالي مَن يرغب بالبقاء بالحركة ويتمسّك بقرارها وأنظمتها ولوائحها أهلاً به، ومَن يرغب ببيع نفسه فليذهب، فخروج هؤلاء من الحركة مصلحة لها، إذ يجب تنظيف الحركة من أناس باعت نفسها للأنظمة العربية أو غيرها، ولا يغيب عنّا أنه في العام 1948 ضاعت قضيتنا لأنَّه لم يكن لنا قرار مستقل، وكانت الأنظمة العربية تتلاعب بالقضية، والشهيد أبو عمار قادَ معارك على مدار عقود للحفاظ على القرار المستقل، بالتالي القرار لا يُباع لهذه الدولة أو تلك مقابل بترول أو مال أو غيره، بل القرار خاضع لشعب عظيم لديه هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى والأسرى".
المؤتمر تمثيلي والعدد محدّد
حول محدودية عدد أعضاء المؤتمر قال د.محيسن: "هذه حركة عمرها خمسون عاماً، ولو أنّها عقدت  المؤتمر بـ5000 أو 10000 عضواً فسيبقى هناك من يعتبر أنَّ له حق العضوية، ولكن هذا المؤتمر تمثيلي، وهناك جهات ثابتة وهي المركزية والثوري والاستشاري والباقي عبارة عن تمثيل للأقاليم، للأسرى، المرأة، العسكريين العاملين، كفاءات، عاملين بالدولة والمنظمة، بمجموع 1300 عضواً".
وعن إتمام عقد مؤتمرات الأقاليم الخارجية التي سيكون لها تمثيل في المؤتمر، قال: "الأقاليم الخارجية عقدت مؤتمرها مرتين بعد المؤتمر السادس، أي أنَّ من سيأتون هم أناس منتخَبون، وهناك ساحات رئيسة يتم التعامل معها كما يتم التعامل مع أقاليم الوطن، كالأردن وسوريا ولبنان والولايات المتحدة، وهناك أقاليم رئيسة يأتي عدد من أعضائها وليس كلها، وهناك أقاليم يأتي أمين السر فقط، وخاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا. وبالتالي مُتَّفَق على تمثيل الأقاليم بحيث يكون للداخلية 198 عضواً، ولغزة 129 عضواً، وللأقاليم الخارجية 127 عضوًا".
أمَّا عن الوضع  في ساحة غزة فقال د.محيسن: "ما زال هناك مؤتمرات يجب عقدها في غزة مثل مؤتمر الشمال ومؤتمر رفح بالجنوب، والنظام يقول إن لم نستطع عقد مؤتمر في أحد الأقاليم لاعتبارات تنظيمية أو أمنية، فعلى اللجنة المركزية تعيّن ممثلين لهذا الإقليم في المؤتمر".
الإجراءات لعقد المؤتمر تسير على قدمٍ وساق
أكّد د.محيسن أنَّ اللجان المختصة تواصل أعمالها على قدم وساق لعقد المؤتمر قبل نهاية هذا العام وتحديدًا في نهاية شهر تشرين الثاني المقبل، ولفتَ إلى أنَّ اللجان أنجزت الجزء الكبير من الإجراءات، وأضاف: "في نهاية الشهر الحالي سيكون هناك اجتماع، ومن المفروض بهذا التاريخ أن تكون كل اللجان أنجزت أعمالها، وبالتالي يُحدَّد موعد انعقاد المؤتمر الشهر القادم. ولكن هناك أيضاً لاعبون في الساحة لا يمكن تجاهلهم، فإسرائيل لاعب أساسي مثلاً، وإذا أرادت التعطيل ستعطّله، وذلك بمنع أعضاء المؤتمر من الحضور من غزة أو من أقاليم الخارج، ولن يُعقَد مؤتمر بدون مشاركة غزة والخارج، إذ يجب أن يُعقَد المؤتمر في مكان واحد تحت سقف واحد بمشاركة الضفة وغزة والشتات، إضافةً إلى أنَّه من الممكن ألّا تسمح حماس للأعضاء من ساحة غزة بالخروج إلى الضفة الغربية. ولكننا بدأنا بأخذ القرار بانعقاد المؤتمر في رام الله، وسيُحدَّد موعده في 29 الشهر الجاري حتى يُتاح المجال لاستخراج تصاريح للأعضاء وللضيوف من الأشقاء العرب والأصدقاء من الأحزاب في الخارج وإلى حينه لكل حادث حديث. إلّا أنه في حال منعت حماس أعضاء المؤتمر من ساحة غزة من الدخول إلى الضفة الغربية، فلن تكون هناك انتخابات عبر الهاتف ولا "الفيديو كونفرنس"، نحن نتكلم وسنعمل على أساس أن أعضاء غزة سيشاركون تحت سقف المؤتمر برام الله".
وعن أهمِّ الملفات التي ستُناقَش في المؤتمر وخصوصًا ضمن الظروف التي نعيشها حالياً كفلسطينيين وكحركة "فتح" قال د.محيسن: "عقدُ فتح لمؤتمرها السابع لن يكون من أجل تغيير أشخاص، بل لتقييم المرحلة والتطورات التي حصلت بين المؤتمرَين، ووضعِ برنامج سياسي يواجه المشروع الإسرائيلي، وسيتم التركيز على القرارات السياسية والإستراتيجية للمرحلة القادمة. فالبرنامج السياسي وتعديل النظام الداخلي يؤدّيان دوراً أساسياً ومهمًّا في المؤتمر، إذ يجب بين كل فترة وأخرى تعديل النظام الداخلي بما يتناسب مع المتغيّرات التي تحدث داخل الحركة، ومن ثُمَّ يجب تجديد شرعيات الحركة بانتخاب ممثّلين للحركة سواء في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري".
وتابع د.محيسن للـ"قدس": "المؤتمر سينتخب المجلس الثوري وسينتخب اللجنة المركزية، فنحن ما زلنا بمرحلة تحرُّر وطني، ويجب أن تكون اللجنة المركزية منتخَبة من قطاع أوسع، والمجلس الثوري أيضاً منتخَب من المؤتمر. وكل عضو في المؤتمر من حقِّه الانتخاب، وهناك شروط لمن سيترشَّح للجنة المركزية إذ لابدَّ أن يكون قد مرَّ على عضويّته في الحركة 20 عاماً، والمرشّح للمجلس الثوري لابدَّ أن يكون قد مرَّ على عضويته 15 عاماً، أمّا أعضاء المؤتمر فيمكن أن يكون عمرهم بالحركة 10 أعوام".
وأكّد د.محيسن أنَّه سيرشّح نفسه للجنة المركزية قائلاً: "عضوية المركزية عبارة عن موقع نضالي نقدِّم فيه عملاً نضالياً، وآملُ من المؤتمر أن يقف في وجه المرتزقة الذين يبيعون أنفسهم لهذا النظام أو ذاك، لذا يجب أن ينتخب المؤتمر قادة يمثلون الشعب الفلسطيني، ولا يخضعون لأيّة أنظمة في العالم، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية وحتى جزر القمر، وهذا لمصلحة الحركة ومصلحة الشعب التي تأتي فوق كل اعتبار وليس لمصالح شخصية. وعلى المؤتمر الابتعاد عن رجال السمسرة والمال الذين يبيعون قضيّتهم لأجل المال والوجاهة. إنَّ شعبنا الفلسطيني حر، والحركة اليوم تتعرّض لمؤامرة تشارك بها أطراف عديدة إسرائيلية بل وعربية إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لذا مطلوب اليوم من هذه القبيلة الفتحاوية الالتفاف حول شعار (غلّابة يا فتح يا ثورتنا غلّابة) والحفاظ على وحدة الحركة وفاءً للشهداء والأسرى والجرحى".
الجهود مبذولة على كل الصُعُد لإنجاح المؤتمر
قال رئيس لجنة الإعلام، الناطق الرسمي باسم اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام السابع لحركة "فتح"، فهمي الزعارير في تصريح صحفي: "العضوية في المؤتمر العام للحركة، غاية منطقية لمناضلي الحركة وقياداتها الذين ناضلوا في صفوف الحركة منذ نصف قرن ويزيد"، مؤكدًا أنَّ "العضوية لا تزيد من وطنية أحد، وغير الأعضاء لن ينقص من فتحاويتهم ووطنيتهم شيء، ولكن المؤتمرات تعتمد الجانب التمثيلي (مندوبي الأطر والقطاعات)، وهو ما يتفهّمه غالبية أبناء الحركة الذين سجَّلوا ملاحظاتهم على العضوية شبه المفتوحة في المؤتمر السادس، والتي أثَّرت على سير أعمال المؤتمر من ناحية البرامج والسياسات، وعدم إقرار النظام في المؤتمر والذي اعتُبِر (سابقةً لن تتكرّر) بإحالته للمجلس الثوري لإدخال التعديلات عليه".
وأوضح الزعارير أنَّ: "التعديلات التي سيتم إدخالها على النظام الداخلي، ستأخذ بالأساس الاحتياجات التي تطلّبتها عملية بناء التنظيم والمكاتب الحركية وفق العملية القائمة حاليًا في الأقاليم والمكاتب الحركية، وكذلك إدارة الحركة لملفات وطنية أخرى، والتي واجهنا فيها التباسات، وتطلَّب الأمر تصنيفاً دقيقاً وتشريعات محدّدة في النظام لم يكن ممكنًا إدخالها بعد إقرار النظام"، لافتًا إلى أنَّ ورشات مُحدّدة ستنعقد مع الشرائح والأطر المختلفة لغاية إدخال التعديلات المطلوبة وطرحها للتصويت أمام المؤتمر".
 وأكَّد الزعارير أنَّ "النُّظم تُعدَّل وفق حاجة الحركة ككل لا حاجة فرد أو مجموعة في الحركة، ولذا فإنَّ المؤتمر العام فقط يمتلك الحق بإدخال التعديلات وبثلثي أعضائه وفق المادة، مستندًا إلى الحاجة العملية، لبناء نظام قادر على معالجة أي إشكاليات نتجت وتسهيل عمل الأطر القيادية وإطلاق قدرات الأعضاء والأطر القاعدية، بانخراطها في العمل".
وأشار إلى أنَّ اللجنة اللوجستية تعمل على مدار الساعة لتوفير كل الإمكانيات لانعقاد المؤتمر في موعده، وقد قطعت شوطاً كبيرًا في التحضيرات المطلوبة للمؤتمر، مؤكّدًا أنَّ اللجنة تسعى إلى تجاوز كل النواقص التي أصابت المؤتمر العام السادس، الذي انعقد في ظروف مختلفة، وبعد 16 عاماً على موعده النظامي، وبالتالي كان أقرب لمؤتمر انتقالي منه لمؤتمر اعتيادي.
 ولفت الزعارير في تصريحه إلى أنَّ عقد المؤتمر السابع سيُشكِّل سابقة تاريخية منذ المؤتمر الثالث، وأنه بالعدد المقرَّر سيكون الأكثر انضباطاً منذ المؤتمر الرابع.
 وبيَّن أنَّ المؤتمر العام لحركة "فتح"، سيشكِّل رافعةً للعمل الوطني الفلسطيني بشكل كامل، إذ إن عافية "فتح" تنعكس على الحركة الوطنية كلها، وهذا يتطلّب من الجميع الإسهام الإيجابي لإنجاح المؤتمر لتعزيز مكانة ودور حركة "فتح"، على طريق تحقيق الأهداف الوطنية والمتمثّلة في الحرية والاستقلال والعودة.
الوضع السياسي والنظام الداخلي وغيرها... ملفات ستُناقش في المؤتمر
يرى أمين سر حركة "فتح" إقليم القدس عدنان غيث أنَّ المؤتمر السابع للحركة يجب أن يرتقي إلى مستوى التحديات التي تُحاك ضد القضية الفلسطينية برمّتها، كونَها قضيه شعب بأكمله، مضيفاً: "المؤتمر سيبحث بالتأكيد القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي يعتبر مطلباً حركياً واستحقاقاً تنظيميّاً ديمقراطياً يجب أن يُمارَس على مستوى الحركة بشكل عام".
وعن المعيقات التي تواجه انعقاد المؤتمر قال غيث في حديثه للـ"القدس": "بالتأكيد عندما نتحدَّث عن مؤتمر عام لحركة "فتح" والذي ستكون مخرجاته هي تجديد الشرعيات للقيادة، ولمن يحالفه الحظ لأن يكون جزءاً من هذه القيادة الشرعية، فهناك طموح لدى الكثيرين بأن يكونوا موجودين سواء أكان في المجلس الثوري أو على مستوى اللجنة المركزية للحركة، لذا كانت هناك بعض المعيقات التي لها علاقة بالوضع الإقليمي بشكل عام، وبعض الخلافات التي نشأت بعد عملية فصل عضو حركة "فتح" محمد دحلان، إلّا أنَّنا اليوم في نهاية المطاف نتعامل بتنظيم، وبالتالي قرارات التنظيم وشرعيته تحكم كل الأطر القيادية والتنظيمية، واعتقد أنَّ أحد المعيقات كان له علاقة بعدد أعضاء المؤتمر، ولكن الأمر حُسِم الآن من فخامة الرئيس، وأصبحت 90% من أوراق المؤتمر مُعَدةً وجاهزة، والقيادة على مدار 24 ساعة تعقد جلساتها في اللجنة التحضيرية".
وتابع غيث: "هناك العديد من الإشكاليات، أولها واقع الاحتلال، فبالتأكيد القيادة الفلسطينية وعلى رأسها فخامة الرئيس استطاعت الانتصار في كثير من الجولات السياسية والدبلوماسية، والعالم كله يشهد ويتابع العُزلة الدولية التي فُرِضَت على حكومة الاحتلال، وخصوصًا رئيس وزراء حكومة اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو، بسبب حنكة وذكاء الرئيس محمود عبّاس، وأيضًا كشفت الغطاء عن مَن يدعي أنه راعٍ وداعٍ لعملية السلام، حيث يقوم باستخدام حق النقض "الفيتو" في العديد من القضايا التي لها علاقة بإقرار واقع حقوق شعبنا".
وعمّا سيتم مناقشته في المؤتمر قال: "بالتأكيد ستتم مناقشة الوضع السياسي ومن أهم تفاصيله ما له علاقة بكيفية التعامل مع الاحتلال ومواجهة التحديات التي يفرضها هذا الاحتلال على واقع شعبنا تحديدًا في مدينة القدس المحتلة، والهجمة الشرسة التي تتعرَّض لها القدس وبالتحديد المسجد الأقصى المبارك، وحالة الإمعان في التنكيل بحق شعبنا الفلسطيني، ومحاولة الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع. كذلك أعتقد أنه ستتم مناقشة تعديل النظام الداخلي أو تعديل بعض البنود فيه ممّا له علاقة بممارسة حقنا في الانتخابات، سواء أكان على مستوى المناطق أو على مستوى الأقاليم أو على مستوى قيادة اللجنة المركزية والمجلس الثوري، بالإضافة لمناقشة واقعنا الإقليمي، فهو جزءٌ لا يتجزّأ من المجتمع العربي الكبير، وبالتالي لا يمكن لنا أن نفصل أنفسنا عن هذا الواقع العربي".
وأضاف: "الأهم فيما سيتم مناقشته موضوع قرارنا الوطني الفلسطيني المستقل، فقيادتنا الشرعية وشعبنا الفلسطيني دفعوا ثمناً باهظاً من أجل أن يكون هناك ممثّل شرعي لهذا الشعب الفلسطيني، وبالتالي هذا الجسم، منظمة التحرير، يجب أن نحافظ عليه بكل إمكانياتنا وبكل طاقاتنا، ولن نسمح لأيٍّ كان، مع احترامنا لكل أخواننا العرب، بالتدخُّل بشؤوننا الداخلية، كما أنّنا لا نسمح لأنفسنا بالتدخل بالشؤون الداخلية لأي قطر عربي أو دولة عربية، ومن ضمن القضايا أيضًا التي سيتم مناقشتها على طاولة المؤتمر إنهاء الملف الذي له علاقة بموضوع محمد دحلان، وهو فعلاً انتهى، ونستطيع القول أنَّ موضوعه أصبح وراء ظهورنا، فهذه الحركة ليست شركة، بل هي حركة تحرر وطني انطلقت من الأساس لإبعاد الظلم عن شعبنا ودحر الاحتلال من الأراضي الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف، وكل مَن يحرف بوصلته فليذهب، فشعبنا الفلسطيني وحركة "فتح" لن يسمحا بأن يأتي أيٌّ كان لا على ظهر دبابة عربية، ولا على ظهر دبابة إسرائيلية، ولا دولية".
واستدرك: "من أهم الملفات أيضًا التي يجب مناقشتها في هذا المؤتمر هو ملف الانقلاب، حيث أنَّ هناك مَن يحاول أن يخطف القضية الفلسطينية برمتها، إلى وجهة غير معروفة ومشبوهة".
وأكَّد غيث أنَّ: "شعبنا الفلسطيني وحركة "فتح" تستطيع اختيار قيادتها عبر مؤتمراتها وعبر أطرها القيادية، وهذا الشيء الذي سيتم مناقشته في المؤتمر السابع، ونسأل الله تعالى أن يوفّقنا في عقد هذا المؤتمر، وأن تكون مخرجاته محصّنة وطنيًّا، فحركة "فتح" تمتلك كفاءات، وقيادات، وبالتالي تستطيع أن تحمل همَّ شعبها، وأنا أثقُ تمامًا بأنَّ حنكة القيادة وحنكة أطرنا القيادية العُليا تستطيع بنهاية المطاف أن تكون في هذا المؤتمر محصّنة وطنيًّا بكل ما تحمله الكلمة، وكما قلت بالسابق لنرتقي بما يحدث على الأرض".
وتابع عن التحضيرات للمؤتمر: "الكمال لله وحده والخطأ وارد بكل نواحي الحياة، لكنّنا نسعى لأن نصيب، وثِقتنا بالقيادة ثقة عالية، وثِقتنا بالقائد العام لهذه الحركة ثِقة ليس لها حدود، هذا الرجل الذي ائتمنَهُ شعبنا الفلسطيني وائتمنتهُ الحركة على مصير شعب بأكمله، واستطاع أن يكون خير خلف لخير سلف، نحن نثق بأنَّ إخواننا في اللجنة المركزية على قدر عالٍ من المسؤولية، وهم الآن بصدد الانتهاء من كل الملفات العالقة، التي لها علاقة بموضوع أوراق المؤتمر العام. حركة "فتح" تحتضن في جوانبها الآلاف من القيادات والكفاءات الحركية التي قد يعيقها السقف العددي للمؤتمر، ولكننا كأبناء لهذه الحركة تعلّمنا الالتزام والانضباط بقوانين وقرارات الحركة، ومَن تنطبق عليه معايير ومواصفات عضوية المؤتمر سيكون جزءاً لا يتجزّأ من المؤتمر، وشريكاً في صناعة القرار، ومَن سيقود هذه المرحلة القادمة، وبرأيي أنّنا سواء أكنا في هذا المؤتمر أو لم نكن، مَن يكن سيمثّلنا في فرز أو انتخاب هذه القيادة، فالمؤتمر نخبوي عضويته تخضع لمعايير ونُظُم، وأنا أتمنّى من كل أبناء الحركة الالتزام بما يخرج عن هذا المؤتمر، وكلي ثقةٌ أنَّ الهدف الأساسي هو تجديد الشرعية الفلسطينية، وأنَّ الذين سيمثّلون أبناء الحركة في هذا المؤتمر سيُحكِّمون ضمائرهم عند الصندوق، لأنّنا نعي تمامًا حجم المؤامرة والاستهداف الذي تتعرَّض له حركة "فتح" على وجهه التحديد، ويتعرّض له الوطن عموماً".
ووجَّه غيث عدة رسائل قائلاً: "لكل مَن يحاول أو يجتهد بالقول أنّ هذه الحركة عجزت أو شاخت، أنا أقول إذا صلحت "فتح" صلحت كل قوى العمل السياسي على هذه الأرض، ففتح هي عمود الشعب الفلسطيني، وواجبنا المحافظة على هذه الحركة العظيمة، التي لا ننكر أنها الرائدة والطليعة وهي رأس حربة في مواجهة التحدّيات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا، وإذا نظرتم سواء أكان في هذه الهبّة الشعبية الحالية، أو في انتفاضة الأقصى أو الانتفاضة الأولى، أو عندما كانت القيادة تشتعل في الخارج، لوجدتم أنَّ كل قيادات الحركة قدَّموا نفسهم من أجل حرية شعبهم، لذا هذه الحركة تستحق منا أن نكون أوفياء لها، وبجانبها، وأوفياء لقادتها الذين هم تحت التراب، والذين يُمثَّلون بكل فخر الآن فوق التراب، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تبقى هذه الحركة شوكة في حلق مَن يحاول أن يتآمر عليها".
عقد المؤتمر ضرورة ملحّة
يتّفق أمين سر حركة "فتح" إقليم رام الله موفق سحويل مع أمين سر إقليم القدس على أن انعقاد المؤتمر ضرورة ملحّة لها علاقة بالوضع الداخلي للحركة، وبالوضع العام، وبكثير من التحديات.
وعن المطلوب لإنجاح المؤتمر من قِبَل الأعضاء والمرشّحين يقول سحويل للقدس: "الحديث عن المرشّحين مبكر، وبالنسبة للأعضاء فهو مؤتمر تمثيلي يمثّل كل قطاعات الحركة، وعبر تلك الأطر سيتم اختيار مَن يمثل الحركة في المرحلة القادمة، في ظل الصعوبات التي تواجها القضية الفلسطينية والداخلية بشكل عام".
وتابع سحويل: "حركة فتح ستبقى صمام الأمان للشعب الفلسطيني وللمشروع الوطني الفلسطيني حتى وإن حاول البعض حرفَ البوصلة عن الهدف الرئيس، والعدو الرئيس وهو الاحتلال الإسرائيلي. من الطبيعي أن توجد خلافات في وجهات النظر وخلافات داخلية، ولكن الشعب الفلسطيني وجميع قطاعاته وتوجهاته لا تختلف، وهي أنَّ الاحتلال هو العدو والخلاف الرئيس، وإذا كان هناك شيء يمكن أن يكون الهدف من عقد المؤتمر فهو تجديد الوفاء للقضية الفلسطينية وتجديد العهد والقسم للشهداء والأسرى ومواصلة مسيرة الكفاح والنضال بمختلف أشكالها التي أحقَّها لنا القانون الدولي والشرائع السماوية من أجل مقاومة الاحتلال لنيل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".
ويأمل سحويل أن يتمَّ تدارُك الأخطاء التي حدثت خلال المؤتمر السادس وتجاوزها في السابع موضحًا: "جرى المؤتمر السادس في أجواء عالية ومساحة هائلة من حرية التعبير والديمقراطية، وكانت الملاحظة الوحيدة أنَّ إعلان النتائج استغرق فتره تزيد عن 10 أيام إلى أسبوعين، لذا نتمنّى في هذا المؤتمر أن تكون قد استُخلِصَت العِبَر في هذا الموضوع، حتى لا يفسح مجالٌ للتشكيك في نتائج المؤتمر. بالتأكيد سيحرصون على أن تكون النتائج خلال فترة قصيرة، بالإضافة إلى أن العمل جارٍ في أوساط الحركة واللجنة التحضيرية لتكون هناك رقابة من أجل نتائج تمتاز بالشفافية والنزاهة، والأهم من ذلك في أوساط الحركة وأوساط أعضاء المؤتمر العام الجميع حريصٌ على أن تكون مخرجات المؤتمر وطنية من الدرجة الأولى".
وبسؤاله حول رأي البعض عن كون بعض الشخصيات المنتخَبة في المؤتمر السادس غير مؤثّرة على الوضع الفتحاوي بشكل إيجابي قال سحويل: "برأيي معظم فعاليات وأُطر الحركة كانت وما زالت فاعلة وناشطة، سواء أكان على الصعيد الداخلي أو على الصعيد العام أو الوطني بشكل عام إقليمياً أو دولياً أو محليّاً. ولكننا بشر ومن الطبيعي أنه ليس كل الأشخاص يقومون بأعمالهم بنفس الفعالية الكفاءة والقدرة والاستمرارية في العطاء، وإذا أردنا الحديث عن مختلف الفعاليات إن كانت داخلية ولها علاقة بفتح أو في غير فتح أو حتى في مؤسسات نقابية أو حركية نجد أنه يتم اختيار 10 أو 15 شخصاً وجزءٌ لا بأس فيه من هؤلاء غير فاعلون أو غير عاملون، وهذا أمرٌ  طبيعي".
وختم سحويل حديثه قائلاً: "في الأطر الداخلية ستكون هناك اقتراحات حول مختلف القضايا التي لها علاقة بموضوع النظام الداخلي والبرنامج السياسي، ولكن ليس لأجل تناوله عبر وسائل الإعلام، فهذا الموضوع يتم نقاشه والحديث فيه عبر الأطر الداخلية للحركة، وأنا قلتُ لك في سياق حديثي أنه سواء أكان قبل المؤتمر أو أثناء الاستعداد لموضوع المؤتمر فهناك ورشات عمل للحركة سيكون عنوانها النظام الداخلي والبرنامج السياسي للحركة، وستكون هناك مقترحات في مختلف القضايا حول البرنامج السياسي، والخطاب السياسي، والنظام الداخلي".
ترتيب الوضع الفتحاوي أولاً، ثُمَّ الذهاب للمؤتمر
على ما يبدو فإنًّ ساحة غزة لها ما لها من ملاحظات حول انعقاد المؤتمر، ففي حديثه للـ"القدس" قال أمين سر حركة "فتح" إقليم غرب غزة زياد مطر: "أولاً يجب تهيئة الأجواء الفتحاوية الداخلية ثُمَّ عقدُ المؤتمر، فالأجواء غير مهيّأة لعدة أسباب، أهمُّها الوضع الداخلي الفتحاوي، والتجاذبات الداخلية، واعتقد أن الذهاب باتجاه لملمة شتات الحركة أولاً أهم، ومن ثُمَّ الذهاب للمؤتمر موحّدين، لأنّنا بذلك فقط نستطيع مجابهة خصومنا".
وتابع: "إذا كان المؤتمر لتغيير شخوص فقط، فنحن لا نريده، أمّا إذا كان يهدف لبرنامج سياسي لتوحيد الحركة ومصلحتها فنحن معه".
وانتقدَ مطر بعض آليات الإعداد للمؤتمر مفصِّلاً: "هناك قضايا هامة يتم تجاوزها، مثلاً إذا كان النظام الأساسي للحركة يمنع أعضاء اللجنة التحضيرية في أي مؤتمر من ترشيح أنفسهم كلجنة تحضيرية، لماذا تترشّح التحضيرية إذاً للمركزية؟! أيضاً بالنسبة للالتزام بالنظام الأساسي، وفيما يخص بعض النقاط مثل الكفاءات ما هي معايير اختيار الكفاءات؟ ومَن يحدِّدها ومن أين وكيف؟ علماً أنَّ هؤلاء عددهم نحو 130 تقريباً".
واستطرد: "وبالحديث عن أزمة الانقسام وحماس، كيف يتم الإعداد لمؤتمر حركي ونحن غير متصالحون مع حماس؟ ومَن يضمن أن تسمح لنا حماس بالخروج؟ وما المقابل؟ أعتقدُ أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة تدفيع ثمن"، مؤكّداً أنَّ "غزة تسعى للذهاب للمؤتمر موحَّدين ولو بنسبة %70 أو 80%".
وأضاف مطر: "أتمنّى على القيادة أن يجنّبونا سياسة المحاور والجغرافيا بالمؤتمر، وأن تكون فتح واحدة موحَّدة، وأن نبتعد عن سياسة الاستزلام، فإلى متى سنبقى هكذا؟".
ويطالب مطر بتعديل بعض المواد بما ينسجم والمصلحة الفتحاوية العامة وتدافع الأجيال، ففي السابق كان ممنوعاً على المكلَّف باللجنة المركزية أن يحمل مهمّة ثانية، فيما الآن هو يحمل أكثر من حقيبة، مشدِّداً على أنَّ "على اللجنة المركزية أن تتفرّغ بشكل كامل للحركة وحل إشكاليّاتها"، وآملاً أن يكون هناك مجال لاستيعاب الطاقات الموجودة في الأقاليم والمناطق من أجل تدافع الأجيال وتجديد الدماء في المراكز القيادية.
وتابع مطر: "غزة ستذهب للمؤتمر موحّدة فهي ظُلِمَت على مدار 10 سنوات من الأخ وغيره، وكل هموم وملفات الناس تعرَّضت للتهميش بفعل فاعل، لذا سنذهب موحَّدين للتحدث عن هموم الناس واستحقاقاتها من العامل للفلاح للموظف لابن فتح".
وأردف مطر: "فيما يتعلَّق بمسألة المتجنّحين، نحن ضد التجنُّح، ولسنا معهم، ولكن ليس فقط دحلان وجماعته المتجنحين، بل إنَّ هناك أشخاصاً يديرون دكاكين تتبع لأعضاء في اللجنة المركزية لا يلتزمون بالأُطر التنظيمية".
وختم مطر قائلاً: "هناك صحوة فتحاوية تجاه ما يحدث، ويدور في خلدنا السؤال المهم ماذا بعد المؤتمر؟ هل نحن ذاهبون لتغيير وجوه؟ أم سياسات؟".