في الحلقات السابقة في مضامين التعبئة الداخلية في تنظيم أو جماعة (الاخوان المسلمين) وفصيل "حماس" الفلسطيني التابع للجماعة، تحدثنا عن المظلومية ولعب دور الضحية، ثم تحدثنا عن فكر المؤامرة عليهم مع إنكار الآخر، ثم في الحلقة الثالثة من الحلقات العشر تحدثنا عن القداسة والولاء، وفي الرابعة من 10 حلقات تحدثنا عن الحصرية مقابل الإقصاء (مدرسة الفسطاطين)، وفي الحلقة الخامسة كانت عن التقية والباطنية والتبرير، اما في الحلقة السادسة فتحدثنا عن الخلط المتعمد بين العقدي-الدعوي وبين السياسي الحزبي أما بالحلقة السابعة فتحدثنا عن السمع والطاعة أو كما شبه التلمساني علاقته بحسن البنا (كالميت بين يدي المغسل) وفي الثامنة تم الحديث عن استغلال فكرة (الممانعة والمقاومة) وحصريتها بهم، وفي التاسعة وقبل الاخيرة نتحدث عن الاحتضان لفكر التطرف.

أفاض المنشقون عن أو على "الإخوان المسلمين" بتوضيح الدور الذي لعبته قيادات "الاخوان" ، ومثلهم في قطاع غزة، في آلية التعامل مع التيارات المتطرفة، حيث تذكر وتتناقل معلوماتهم في التعاطي "للاخوان المسلمين" مع التيارات الإرهابية التي تطلق على نفسها صفة " الجهادية" -والجهاد الاسلامي منها براء- أنها تتذبذب باتجاهات ثلاثة أي ما بين التسامح والتساهل معها أولا، أو التغاضي عن نشاطاتها ثانيا، أودعمها واستخدامها ثالثا.
تساهل أم استخدام؟

وقد تأتي سلاسة أو تساهل التعامل مع المتطرفين الدينيين أن بذور مثل هذا التطرف كامنة في أدبيات الحركات الاسلاموية عامة، ومنها لدى الاخوان المسلمين كحاضنة أو دفيئة، و"حماس" تحديدا التي أفاضت باتهامات التكفير والتخوين للمخالفين وقتالهم.(1) 

وفي حالة تعارضها مع السلطة أو الحكم تقوم بتصفيتها والقضاء عليها تماما كما حصل في الحالة الأخيرة في غزة من تأميم حمساوي لكافة لمؤسسات والوزارات وحتى المساجد في مواجهة نفوذ تيارات غير حمساوية ، وكما حصل كحالة فاقعة لها من القضاء الدموي على الجماعة السلفية التي قادها الشيخ عبد اللطيف موسى في مسجد ابن تيمية برفح عام 2009 عندما طالب باعلان "إمارة اسلامية" (2) اعتبرها أبوزهري حينها "انزلاقات فكرية" على حد تعبيره، وراح ضحية المجزرة 20 قتيلا و120 جريحا بيد حماس.(3) 

سؤال القوة
فى رسالة «المؤتمر الخامس»، يقول حسن البنا: «هل فى عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة فى تحقيق أغراضهم؟» فيجيب قائلا: «إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون فى كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح». 

والسؤال كما يتساءل د.محمد حبيب من قيادة "الاخوان المسلمين" في مقاله المعنون (مراجعة فكر البنا واجبة) في صحيفة المصري اليوم يتساءل متعجبا فيقول: (ألا يعطى هذا أى جماعة أخرى الحق فى الوثوب إلى السلطة متى امتلكت وسائل القوة؟!) ويضيف (وما هو الوضع الذى يمكن أن تؤول إليه الدولة، إذا حدث ذلك؟! من العجيب أنه فى نفس الرسالة، يقول «البنا»: «يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاما آخر)

إن الأصل عندهم في التعامل مع هذه التيارات هو التسامح معها الى حد اعتبارها جزء من الإخوان، وكما هو الحال مع (شكري مصطفى) زعيم التكفير والهجرة عندما تطرّف في سجنه في مصر ، وتم اقراره على نهجه المنحرف فيما يذكر ثروت الخرباوي مضيفا في ندوة (التكفير وموقف الاسلام منه) عام 2012 ومؤكدا أن الشيخ محمد الغزالي حذر منهم ومن كفرهم وأسماهم (تنظيم العشرات) مشيرا الى أن القطبيين التكفيريين بدأوا في الظهور وقيادة الجماعة بعد وفاة المرشد (الثالث) عمر التلمساني.

تجربة "الأخوان" في حكم مصر
أما استخدام التنظيمات المتطرفة ودعمها فلقد تجلى ذلك في تجربة "حماس" في حكم غزة أحيانا (وتصدت لهم في أحيان أخرى حين تقاطعهم وتصادمهم مع سلطتها) وذلك (منذ عام 2007 حيث استولت "حماس" بالقوة العسكرية المميتة، وفتاوى التكفير من مروان أبوراس وياسين الأسطل على القطاع) ، وتجربة حكم الاخوان في مصر، حيث رقدت التيارات المتطرفة في غزة وسيناء دون أي ايذاء أو معالجة من قبل "الاخوان" في الطرفين ، بل كان يتم غض الطرف عن تمددها والسماح لها بحرية الحركة عبر الحدود، وكما اشارت المصادر المصرية جميعا الممكن الرجوع لها بسهولة لمن يشاء على الشابكة.

إن غض الطرف والاستخدام للمتطرفين يأتي من خلال التسامح معهم أولا دون الحوار أو تبيان مجال الخلط لديها كتنظيمات لأهمية ابقائها ضمن "السلطة" التي تستخدمها في حالات التضييق أو الحصار أو في المواجهة مع المخالفين، تماما كما كان النظام المصري يستخدم "الاخوان المسلمين" في مساوماته وتبريد جبهته الداخلية انتقل هذا التكتيك السياسي ليصبح لدى الاخوان المسلمين سراطية (استراتيجية) في تعاملها مع تيارات التطرف الاسلاموية سواء وهم خارج السلطة في السجون أو عندما تسلموا السلطة على فرضية ان (الاسلاميين) كل واحد، ومهما اختلفوا فإنهم سند لبعضهم ما لم تصدقه الأيام.

إن الدعم الذي تلقاه المتطرفون من حكومة الرئيس مرسي وهو في الحقيقة من "مكتب الارشاد" الذي كان يحكم البلاد أصبح ظاهرا للجميع وسطر فيه الكثيرون الأحبار، أما الاستيعاب الحمساوي لهذه التيارات في غزة فلقد أدى لتغوّلها من جهة ولنشرها أفكاراَ أكثر تطرفا في القطاع.

كشفت مذكرات وتقارير استخباراتية اطلعت عليها صحيفة «الشرق الأوسط» (4) في القاهرة، عن وجود مخاوف من قيام التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة ميليشيات المتطرفين في شمال أفريقيا. ويدير التنظيم عملياته من مبنى جديد يقع بالقرب من السفارة الليبية في إحدى الدول الإسلامية المطلة على البحر المتوسط. وحذرت جهات أمنية وخبراء عسكريون في مقابلات أجرتها معهم «الشرق الأوسط» السعودية من اتساع شبكة المتشددين بالمنطقة.

وقالت التقارير حسب "الشرق الاوسط" إن الإخوان سهّلوا انتقال متطرفين وأسلحة إلى كثير من المدن الليبية والمصرية، خاصة سيناء، وقاموا بالتنسيق مع متشددين من تونس والجزائر وبلدان أفريقية، مشيرة إلى حصول الجماعة على تقنية متقدمة في الاتصالات والتجسس بملايين الدولارات.

وأبرزت التقارير أن التنظيم الدولي للإخوان، طلب من زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، إرسال 3 آلاف مقاتل إلى سيناء لمحاربة الدولة، وأنه جرى رصد مكالمتين هاتفيتين معه، وكان المتصل، وهو قيادي إخواني، يقول للظواهري: «يا مولانا»، وذلك خلال المحادثتين اللتين استغرقت كل واحدة منهما عدة دقائق.

عن التعاون بين "الاخوان" والجماعات السلفية الارهابية تحت عنوان "سيناء بين الدولة والإرهاب والتعاون السلفي الإخوانى" مؤخرا أي ومنذ الأعوام 2012 يكتب عبدالرحيم علي (5) قائلا:(صفقة الإخوان وأهل السنة والجماعة في سيناء: انتهى لقاء خيرت الشاطر-القيادي بالاخوان- بقيادات السلفية وقد تبلورت طبيعة التعاون الذى سيجمع الطرفين، فقد اتفقا على أن يضمن لهم توقف الملاحقات الأمنية في المستقبل، وأن يهيئ لهم الأرض للعمل الدعوى والسيطرة على المساجد بمدن العريش والشيخ زويد ورفح، بعيداً عن مساجد جماعة "التوحيد والجهاد" والتي تخضع لسطوة الإرهابي "أبو منير"، والذي لقى حتفه وولده في مواجهة مع قوات الأمن، وتنتشر تلك النوعية من المساجد بمدن الشريط الحدودي، وترتادها عناصر الجماعات الجهادية والتكفيرية، وطلب أعضاء جماعة "أهل السُنة والجماعة" من الشاطر، أن يمنع تدخل وزارة الأوقاف في المساجد، وألا يهاجمهم المشايخ المعينون من قبل الوزارة، كما اتفق الطرفان على تهيئة المجتمع لتقبل تطبيق الشريعة، وأن يتيح لهم الشاطر مصادر دعم اقتصادي، تمكنهم من كسب المال الوفير، لتوفير دخل شهري "مرتب" للقواعد السلفية، وضم المزيد من الشباب والرجال للتيار السلفي الداعم لجماعة الإخوان في سيناء، عن طريق زيادة العمل المجتمعي وتأسيس جمعيات أهلية لتوفير سلع غذائية ومرتبات رمزية للأسر الفقيرة).
ويضيف أنه (تم وضع خطة يتم تنفيذها مرحلياً على 3 سنوات، على أن تكون سيناء إمارة إسلامية تُحكم بالشرع، وتكون النموذج الذى يتم تطبيقه على باقي الدولة بنفس المنهج "كتاب يهدى وسيف ينصر"، على أن دعوة "أهل السُنة والجماعة" سلمية بمنهج "كتاب يهدى"، وأن تتولى الجماعات التكفيرية والجهادية مهمة الدفاع عن الشريعة والشرعية وتطبيق الحدود بمنهج "سيف ينصر".)
ويضيف (رأى قيادات التيار السلفي، أنه لابد من توفير مصادر تمويل دائمة، بجانب التمويل المباشر من جماعة الإخوان، وعرضوا على الشاطر في لقاء خاص عقد في القاهرة، أن يسمح لهم بفتح قنوات اقتصادية مع حركة "حماس"، عن طريق تخصيص عدد من الأنفاق ، يقومون خلالها بتوريد البضائع للقطاع، مثلهم مثل الآلاف من أصحاب الأنفاق، ولأن حركة "حماس" هي المسئولة عن تحديد الأشخاص الذين يتعاملون معها عبر الأنفاق، فقد منحت حكومة حماس أعضاء التيار السلفي ما يقرب من 60 نفقًا، يهرب خلالها مواد مختلفة......)

دفيئة للتطرف، دون ممارسته
مارس "الاخوان المسلمين" عبر تاريخهم عمليات الاغتيال والقتل من التنظيم السري بحياة حسن البنا، والتي أدانها البنا ذاته مع ذلك قائلا عن القتلة (لا اخوان ولا مسلمين) ما هو ايجابية تحسب للبنا، وفيها يقول د.محمد حبيب -نائب المرشد السابق للاخوان محمد مهدي عاكف- (كان إنشاء التنظيم الخاص أو السرى للإخوان فى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضى لمواجهة عصابات بنى صهيون التى كانت تتدفق على أرض فلسطين، لكن التنظيم الخاص تورط فى بعض عمليات الاغتيال؛ كاغتيال القاضى الخازندار، والنقراشى رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك، وتفجير محكمة باب الخلق، فضلا عن أعمال كثيرة يضيق المجال عن ذكرها.. فى تلك الفترة، كانت الظروف والأوضاع السياسية فى مصر ملبدة بكثير من الغيوم..) (6)

ومارسوها في فترة الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير ما حصل في الجزائر ضمن "العشرية السوداء" وصولا للانقلاب الدموي الذي حصل في غزة-فلسطين، وفي ليبيا، ومؤخرا حدوث التعاون والتنسيق-ربما من فئة فيهم وهم يغضون النظر- في سيناء.

نقول نحن أنه رغم هذه الممارسات العنيفة (المحدودة) التي بالحقيقة لا تعبر برأينا عن تاريخهم الطويل، فهم يواجهون بالانتقاد الشديد من تنظيمات مثل: "الدولة الاسلامية" و"القاعدة" وتلك التنظيمات القتالية السلفية.

ومع ذلك ظلوا دفيئة للأفكار المتطرفة يغضون النظر أحيانا-خاصة التيارات أوالشخصيات المتطرفة فيهم- عن تناميها فيهم، أو يستسهلون وجودها، أو يدعمونها سرا أو علنا دون أن تتلطخ أيديهم بشكل مباشر-غالبا- في الفعل العنيف ما هو أسلوب استغلالي واضح المعالم من هذه الفئات داخلهم.

هذا الوضع أي بعدم لجوئهم عامة للعنف المادي جعل الكثير من التيارات أوالشخصيات المتطرفة تتخذ بيئة الاخوان المسلمين مساحة للاستقطاب مستندة لذات الأدبيات مع ما خالطها من أدبيات التنظيمات القتالية السلفية.

الحواشي
(1) يقول المفكر الاسلامي د.ناجح ابراهيم (الفكر التكفيري فكر استعلائي...قد يكفرون به أهل الأرض جميعا، والعقل التكفيري لا يظهر إلا في الصراعات السياسية)-قناة الحياة المصرية في 23/10/2013
(2) قال السلفي أبو محمد المقدسي في مقال له منشور على الشابكة وموقع الرحمة arrahmah حول مقتل الشيخ عبد اللطيف آل موسى (أبو النور المقدسي) وصحبه من قبل حماس تحت عنوان (أليس منكم رجل رشيد) (إن الدماء الزكية التي نزفت من الشيخ أبي النور المقدسي وإخوانه اليوم، ودماء الإخوة في جيش الإسلام التي نزفت من قبل لا لذنب إلا أن يقولوا ربنا الله وحده؛ ولا نرضى بحكمه بدلا؛ لن نتناساها ولن نغفرها لمن أراقها لأننا لا نملك ذلك أبدا؛ فلله فيها حق، ولأصحابها فيها حق، ولأوليائهم فيها حق، وعلى حماس أن تؤدي لكل ذي حق حقه). مضيفا (لقد حاولنا جاهدين ولا زلنا نسعى إلى درء فتنة الاقتتال في غزة بين إخواننا وبين حماس ؛ ولكننا لا نرى من حماس السعي في ذلك بل نرى منها السعي في الاتجاه المعاكس ..وعليه فهي المسئولة عن الفتنة أولا وآخرا ؛ ولن ينفع حماس والمدافعين عنها والمرقعين لها رد هذه الحقائق بالكذب والبهتان)

(3) (CNN) في 14/9/2009 -مقتل عبد اللطيف موسى، زعيم حركة "جند أنصار الله"، بعد أربعة وعشرين ساعة من إعلانه "إمارة إسلامية" في رفح، بالإضافة إلى 19 آخرين السبت، بعد اشتباكات مسلحة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وفق تقرير. وأوضحت وزارة الداخلية في الحكومة الفلسطينية المقالة في تصريحٍ السبت أن عشرين شخصا: ستة منهم من أفراد الشرطة، وستة مواطنين، وثمانية من أنصار الجماعة، لقوا مصرعهم في الاشتباكات المسلحة، إضافةً إلى نحو 120 جريحًا. وفي وقت سابق قال الناطق باسم "حماس"، سامي أبو زهري، إن إعلان إمارة إسلامية في رفح ما هي إلا "انزلاقات فكرية".واضافة للخبر الموثق أعلاه نقول أن موقع تنظيم الشيخ عبد اللطيف آل موسى نشر أن خلافات مالية وأخرى تتعلق بالسيطرة كانت السبب وراء قتل حماس للشيخ عبد اللطيف موسى وأتباعه.