حوار: ولاء رشيد

خاص مجلة القدس/ لأنَّ الشعب الفلسطيني شعب جبار لا يقبل الهزيمة ولا الاستسلام، فلا ريْبَ أن يخرج من لدنه الموهوبون والمبدعون ذخر فلسطين والشاهد على أن النضال مستمر وبكافة الأشكال، مجسَّداً بالحريصين على إرث الوطن ثقافةً وفناً تماماً كحرصهم على أرضه. ومن مبدعينا الفنانة التشكيلية والكاتبة والباحثة الموهوبة هيفاء داوود الأطرش، التي خلَّفت بصمتها المتميزة كامرأة فلسطينية في أكثر من فن من الفنون الجميلة.

والأطرش من مواليد عام 1972. من سكان مخيم اليرموك، ولكنها نزحت إلى لبنان منذ حوالي ستة أشهر. تخرَّجت من المعهد المتوسط للفنون التطبيقية-قسم النحت، وهي عضو في الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين وفي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، إلى جانب عضويتها في جمعية القصة القصيرة وفي نادي فتيات فلسطين.

من إصداراتها: سلسلة القرى المدمرة، ومخطوط لون فلسطين، ومخطوط لون الانتفاضة ورحلة العودة، ومخطوط لون القدس، وعروس المطر.

كما أقامت الأطرش دورات فنية وأشغال يدوية ونحت لليافعين على مدار خمس سنوات، وتشارك منذ أكثر من ثلاثة عشرَ عاماً في العديد من المعارض في جميع محافظات سورية منها معارض الكرامة والأرض السنوية. كما شاركت في المعرض الفني المرافق لمهرجان الشباب العالمي في الجزائر عام 2001.

للاطلاع على مسيرتها وأبرز ما أثرَّ في أعمالها كان لنا هذا الحوار معها.

أنت فنانة متعددة المواهب. فمتى لاحظت هذه المواهب لديك؟ وكيف عملت على تطويرها؟

للحقيقة فإن موهبة الكتابة بدأت لدي منذ الصغر على شكل خواطر، وكنت أحتفظ بكل ما أكتبه، وحتى أن ابنتي الآن تفعل الشيء ذاته. وبعد أن كبرتُ، بدأت أحضر أمسيات أدبية، وأقرأ العديد من الكتب. وكانت بدايتي مع الكتابة بالقصة القصيرة وقصص الأطفال، وقمت بالاشتراك مع مجموعة من الكتَّاب بإصدار سلسة القرى المدمرة وهي مجموعة قصصية لإحياء ذكرى الإرث الحضاري، إضافةً إلى قصص وكتابات أخرى كنت أعدها ليتم إعطاؤها في المدرسة. ثمَّ بدأت بكتابة محاولات شعرية وكنت أتطرق إلى نضال المرأة والأسرى والمعاناة الفلسطينية. كما كان لي شرف كتابة قصيدتين في رثاء الشاعر محمود درويش.

وبالنسبة لتطور موهبة الكتابة لدي فقد أسهم الجو العائلي المثقَّف في دعمي، حيثُ أن عائلتي عائلة فاضلة ووالدي كان أسيراً مما دفع أعمامي للاهتمام بنا أكثر. كذلك فللقراءة أثر كبير في تنمية موهبة الكتابة، حيثُ أنهَّا تفعِّل المهارات وتزرع بذور الثقافة في العقل الباطني، الذي يترجم هذه المكتسبات في الكتابة. أمَّا بالنسبة للفن، فقد كانت أسرتي تُشجِّعني دائماً على ارتياد المعارض الفنية، وهكذا كنت أتلَّقى عبر الرؤية منذ الصغر، فكبرتُ ولدي مخزون أدبي وفني.

إذا كانت نشأتك هي التي لعبت الدور الأكبر في ظهور مواهبك وصقلها، فما هي إذاً العوامل التي تؤثر على أعمالك الفنية والأدبية؟ وما هو الموضوع الذي تتمحور حوله كتاباتك ومنحوتاتك.

أكثر ما تأثرتُ به كان حضارتنا الكنعانية كفلسطينيين لأنها هي مصدر الفن التشكيلي، حيثُ أن الكنعانيين تركوا العديد من الرسومات على جدران المغارات، وحتى في مصر فهناك العديد من الآثار التي تحمل رسوماً تعود للكنعانيين. ففي مدينة طيبة المصرية مثلاً نجد رسومات على الجدران يظهر فيها التطريز الفلسطيني على ملابس الأشخاص. ومن الجدير بالذكر أن الفنان الكنعاني كان يعبَّر في رسوماته عن الرمز والقرابين، وكان يُعتبَر موثِّقاً للعلاقات الدبلوماسية التي نشأت بين الشعوب والحضارات. وهنا أرغب في تسجيل عتبي على المؤسسات والباحثين لأن بعض آثارنا الكنعانية تُنسب للفينيقيين والفراعنة وغيرهم، رغم أنها خاصة بنا كفلسطينيين وواجبنا توثيق هذا التراث للمحافظة عليه.

أمَّا حول موضوع كتاباتي، فهي مستوحاة من الواقع الفلسطيني. فالكاتب لا يمكن أن ينسلخ عن واقعه بل يعمل على إيصال هموم ومشاكل مجتمعه. وبالنسبة للأعمال الفنية فمعظم النحت الذي أقوم به استخدم فيه خشب الزان والزيتون إضافةً إلى الرخام. وفي المنحوتات كما الكتابات أُركِّز على موضوع نضال المرأة ووحدة الشعب الفلسطيني وفي الوقت نفسه أحافظ على الشكل الجمالي للمنحوتات.

ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك في مسيرتك الفنية والأدبية؟

إن الصعوبات التي واجهتني هي مثلها مثل أية صعوبات يواجهها اللاجئون، بسبب غياب الدعم الحقيقي من قِبَل المؤسسات. ورغم أن البعض كانوا يتذرعون بأن الناس في مجتمعنا العربي لا يفقهون معنى الفن أو لا يقدِّرونه، ولكنني لمست بنفسي وفي أكثر من معرض ومناسبة الوعي الكبير والحس الفني العالي الذي يتمتع به أبناء شعبنا ومجتمعنا العربي وهذا يعود إلى أن تراثنا وحضارتنا التي نتحدَّر منها في الأصل غنية بالفن، وهذا يظهر جلياً في الأغاني الوطنية وفي أعمال التطريز، لذا فمن الطبيعي أن يلقى الفن هذا الاهتمام.

كذلك فنحن نفتقر للمؤسسات التي تدعم شبابنا المثقَّف، لا سيما أن حالة اللجوء تُعيق الفنان عن الإنتاج بسبب الوضع المادي السيِّئ، إضافةً إلى نقص المنظمات الأهلية الداعمة لنا، ونحن دائماً نتوجه للمعنيين ونطرح هذه المسائل، لكن مؤسَّساتنا في حالة سُبات وتولي اهتمامها للقضايا السياسية عوضاً من الفنية والأدبية، رغم أنه بحكم قضيتنا فيجب أن يتم إيلاء الاهتمام لكافة الاتجاهات التي تُسهِم في نهضة الشعب ثقافياً.

كما أننا عندما نقوم بمعرض ما فإنه يكون على نفقتنا، في ظل ارتفاع كلفة المواد التي نستخدمها.

هل أنتِ بصدد أي عمل جديد حالياً؟

بحكم حالة النزوح فحالياً لا جديد لدي. ولكنني أقوم بجولات للتعرُّف إلى الفنانين الفلسطينيين الموجودين في لبنان والتعاون معهم، ولكن دعم المؤسسات لا زال ينقصنا.

ما هي رسالتك للقراء والمعنيين؟ 

رسالتي الأولى والأهم هي أن عودوا للقراءة. فمهما بلغت سرعة العصر ووتيرة التطورات تبقى قراءة الكتاب الملموس أفضل من تصفحه على شبكة الانترنت لما في ذلك من إغناء للحواس وحميمية يحس بها الكاتب وهو يمسك أوراق الكتاب. أمَّا رسالتي الثانية فهي ضرورة تشجيع المواهب الشابة والأخذ بيدها لأن بناء دولة لها مستقبل يحتاج في المقام الأول لبناء وإعداد كادر مثقَّف.

من جهة أخرى، فإن الإعلام العربي والفلسطيني عموماً مقصر من ناحية تسليط الضوء على المواهب، لذا أدعوهم لِئلا يُهملوا هذه المواهب لأنها قاعدة فعَّالة تُبنى عليها دولة فلسطين بإذن الله.