(في كامب ديفيد تمسَّك ياسر عرفات بالثوابت الوطنية المعهودة في معالجة القضايا النهائية).

في 28/9/2000 إندلعت الانتفاضة الثانية، حيث اشتعلت شرارتها الأولى عندما دخل شارون بحماية ثلاثة آلاف من الجنود ورجال الامن إلى باحة المسجد الأقصى، متحدياً بذلك مشاعر المسلمين، ومستفزاً الفلسطينيين لحملهم على الاستسلام للأمر الواقع الإسرائيلي الداعي إلى تقسيم المسجد الأقصى. في ذلك اليوم قام المصلون في المسجد بالإشتباك مع جنود الاحتلال، ورجال الأمن الذين استخدموا الرصاص الحي، والقنابل، واستشهد يومها ثلاثة عشر شاباً فلسطينياً من أراضي العام 1948، كما جُرح عدد آخر، واعتقل العشرات.

إنطلقت الشرارة الأولى للانتفاضة الثانية "إنتفاضة الأقصى" بعد مرور سبع سنوات على توقيع إتفاق أوسلو التعاقدي بين دولة إسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولم يتحقق خلال السنوات السبع ما تم الاتفاق عليه مع الجانب الاسرائيلي بإقامة الدولة الفلسطينية وانسحاب الاحتلال في حدٍ أقصاه 1999.

لا شك أن هناك أسباباً عديدة أدت إلى إنطلاق الانتفاضة الثانية وأهمها:

أولاً: إستمرار الاستيطان في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار خطة منظمة ومدروسة لمصادرة الأراضي وتهويدها.

ثانياً: هدم بيوت الفلسطينيين بحجة أنها بنيت بطريقة غير شرعية وبدون ترخيص، وهذا يعني تشريد الفلسطينيين من القدس وأحيائها خارج جدار الفصل العنصري.

ثالثاً: إنّ فشل اتفاقية السلام في إسترجاع حقوق الفلسطينيين بعد سبع سنوات من الالتزام الفلسطيني بالاتفاقيات ولّد غضباً فلسطينياً، خاصة أن ذلك ترافق مع عمليات الاعتداء والقتل.

رابعاً: إنّ قمة كامب ديفيد التي دعا لعقدها الرئيس الاميركي كلينتون في أميركا، في (كامب ديفيد) بحضور الفريقين الفلسطيني برئاسة الشهيد ياسر عرفات، والاسرائيلي برئاسة باراك إستمرت على مدى أسبوعين لمناقشة كافة القضايا المصيرية والدائمة، ومورست فيها ضغوطات هائلة على الوفد الفلسطيني، وتحديداً على الرمز ياسر عرفات بخصوص قضايا القدس واللاجئين والحدود والمياه والسيادة.

ولكن الرمز ياسر عرفات تمسّك بالثوابت الوطنية المعهودة، واكد أنه لن يتنازل عن حبة تراب من تراب القدس، ولا عن حق اي لاجئ فلسطيني في العودة.

وعندما عاد إلى قطاع غزة، وانتشرت نتائج الحوارات القاسية، وقفت كل الفصائل الفلسطينية تستقبل الرئيس ياسر عرفات وتحييه على شجاعته ووفائه لشعبه.

نتائج كامب ديفيد الفاشلة أثارت غضب الشعب الفلسطيني، وزادت من حالة الاحتقان ضد الاحتلال الإسرائيلي، وضد السياسة الاميركية التي كانت منحازة تماماً إلى الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً كان الغضب لأن الدول العربية والاسلامية لم تؤدِ دوراً مطلوباً إلى جانب الوفد الفلسطيني، وخاصة فيما يتعلق بالقدس.

هذه الأسباب شكّلت حالة الاحتقان والغضب المتراكم عند الشعب الفلسطيني، والذي انفجر بوجه الاحتلال الإسرائيلي انتفاضة عنيفة بدأت في الشهر الأول شعبية تستخدم الحجارة، والجيش يستخدم الرصاص الحي، وكان يترأس هذا الحراك الشبابي التنظيمي الأسير القائد مروان البرغوثي، ومعه مجموعة من القيادات الشابة في الضفة، لكن سرعان ما تحولت الانتفاضة الشعبية إلى إنتفاضة مسلّحة، وعمل عسكري وصلت إلى حد العمليات الاستشهادية من خلال التزنّر بالعبوات المتفجرة، وتفجير الأحزمة الناسفة بما وبمن حولها في أماكن محددة لاستهداف الجانب الإسرائيلي في المطاعم، والحانات، ومحطات الباصات، وتجمعات للجنود. وفي هذه الاثناء نشأت كتائب شهداء الأقصى التي تسلّحت، وتدربت، وتموّلت، ثم قاومت بشدة واستخدمت السلاح، والعملية الإستشهادية، أسوة بباقي الفصائل إلاّ أن حركة فتح كانت تسعى دائماً لإقناع الفصائل بممارسة هذه المقاومة ضد الاحتلال في  الأراضي المحتلة العام 1967 لأنه حق مشروع لشعبنا، ومحاولة تجنب هذه العمليات في مناطق العام 1948 حتى لا يتسبب ذلك بنقمة دولية علينا. هذه الانتفاضة إستثمرها الاعلام الاسرائيلي بشكل معاكس واستطاع إقناع العالم عبر الاعلام الصهيوني المنتشر في كل بقاع الدنيا أن الفلسطيني إرهابي لأنه يفجر نفسه ويقتل الأطفال والنساء.

أيضاً في هذه الانتفاضة سقط عدد كبير من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وعددٌ لا بأس به قتل وجُرح من الاسرائيليين، وذلك بسبب إستخدام الاشتباكات العسكرية.

ولا ننسى أن القصف الإسرائيلي الجوي والبري أدى إلى تدمير البنية التحتية للسلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد تم استهداف المؤسسات والمباني العسكرية، والمنشآت الاقتصادية. كما تم تدمير البنية التحية للشوارع والمحطات وغيرها، وذلك بعد انتهاء القمة العربية في بيروت في 29/3/2002.

في الانتفاضة الثانية حصل إنقسام حاد بين الفصائل في إستخدام الأساليب والوسائل، وكانت الآراء متفاوتة، ولذلك تمت عسكرة الانتفاضة كحل لا بد منه وحتى لا يحصل صراع داخلي، وكان الثمن غالياً، لأن الاحتلال كان يرغب في تحويل الصراع مع الفلسطينيين الى صراع عسكري، من أجل أخْذ ذلك مبرراً لاستخدام كل قوته العسكرية، وهذا ما حصل، ودمر كلّ ما بنته السلطة الوطنية.

في الوقت الذي اشتد فيه القصف والتدمير في الضفة طال أيضاً المقاطعة وتحديداً مقر الرئيس أبو عمار ومن معه، حتى دُمّرت المقاطعة ولم يبق سوى المكان الذي يقيم فيه ياسر عرفات، والذي كان قد بدأ يشعر بالمرض، ورغم شدة المرض رفض مغادرة المقاطعة للعلاج لأنه لا يضمن العودة إليها.

ونحن نحيي هذه الذكرى ينتظر من الرئيس أبو مازن خطاباً موضوعياً وطنياً هادفاً، يطرح برنامجاً واضحاً حول القضايا المركزية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، والتي تحتاج إلى معالجة سريعة ونخص بالذكر ما يلي:

أولاً: العمل على أخذ قرار من مجلس الأمن يقضي بإزالة الاحتلال من أرضنا.

ثانياً: الحصول على قرار دولي يقضي بتأمين الحماية لشعبنا من الجرائم الاسرائيلية.

ثالثاً: العمل على تنفيذ قرارات المجلس المركزي المتعلقة بوقف الارتباط مع الإحتلال.

رابعاً: تعزيز وضع الدولة الفلسطينية كإنجاز سياسي ودبلوماسي يجب تطويره وتكريسه، خاصة بعد الاعترافات السابقة.

خامساً: الضغط دولياً على كافة المرجعيات لرفع يد الاحتلال الاسرائيلي عن القدس الشرقية، والتي هي أرض فلسطينية عربية واسلامية، وإنهاء كافة الممارسات العدوانية إبتداءً من الاستيطان، ومروراً بالتهويد ومصادرة الاراضي، وتدمير البيوت، والحصار الاقتصادي، ومنع البناء، ومصادرة البطاقات ثم الطرد خارج القدس.

سادساً: لا بد من تحريك العالم بأسره للضغط على الجمعية العمومية، وعلى مجلس الأمن تحديداً لإستصدار قرار يمنع التدخل الإسرائيلي بشأن المسجد الأقصى وتقسيمه مكانياً وزمانياً.

سابعاً: إعطاء الاهتمام من أجل الوصول إلى إنهاء الانقسام، واتمام المصالحة، وتوحيد الوطن والشعب، وبالتالي فتح المعابر، ومعالجة الأزمات التي سببّها الاحتلال لأهلنا في قطاع غزة.

ثامناً: نأمل الاستمرار في بذل الجهود المباركة على كافة الأصعدة من أجل تخفيف المعاناة عن الأسرى، وخاصة الأسرى المضربين عن الطعام، والاسرى المرضى، والنساء، والاطفال، وأصحاب الأحكام العالية.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار الذين عبَّدوا طريق النضال والحرية أمامنا.

الحرية للأسرى الابطال الصامدين بوجه الجلادين الصهاينة

وإنها لثورة حتى النصر

قيادة حركة فتح- إقليم لبنان 28/9/2015