لمخيم نور شمس له من اسمه نصيب من زاويتين، الأولى أنه نور الشمس الوضاءة والدافئة والحاضنة أبناء المخيم ال18 ألف نسمة الأبطال المرابطين في أرض الوطن حتى يعودا لمدنهم وقراهم في قضاء حيفا، التي هجروا منها في عام النكبة 1948، والثانية نور الشمس الحارقة والملتهبة، التي تكوي بحرارتها المستعمرين الإسرائيليين من جيش وقطعان المستعمرين، وهو أحد مخيمات مدينة ومحافظة طولكرم البطلة في شمال غرب الضفة الفلسطينية. 
للمرة ال30 يقتحم جيش الموت والجريمة المنظمة الإسرائيلي يوم الخميس الفائت مخيم الحرية وعلى مدار ما يزيد عن 50 ساعة بقوات واليات عسكرية مختلفة تقدر ب100، وعاثت تخريبًا وتدميرًا وتجريفًا للبنى التحتية والصرف الصحي والبيوت والمحال التجارية، في محاولة من القوة المهاجمة للمخيم لاستحضار ما يجري من تدمير وابادة جماعية في قطاع غزة العظيم، وبهدف وأد روح الدفاع الوطنية المتجذرة في أبنائه الميامين، وكي وعيهم للقبول بمعادلة دولة النازية الإسرائيلية، واستنزاف وتجفيف مصادر رزقهم وأبسط مقومات حياتهم، لإرغامهم على الهجرة القسرية، ولإرسال رسائل للمدن وقرى ومخيمات المحافظات الباسلة كلها، وتفكيك أواصر التكافل والتكامل بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني. 


لكن كما فشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وأجهزتها الأمنية ومؤسستها العسكرية وقطعان المستعمرين الصهاينة على مدار العقود الماضية في تحقيق أهدافهم على صخرة صمود وايمان وإرادة سكان المخيم والمحافظة عمومًا، ستفشل الف مرة جرائم حربهم القادمة، ولن تثني الشعب العنيد عن مواصلة طريق وخيار الدفاع المستميت عن حقهم في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير مهما كانت التضحيات الجسام، التي يقدمونها على مذبح الأهداف الوطنية العادلة. 
14 قمرًا سقطوا من الأطفال والشباب العزل خلال الأيام ال3 حتى مساء السبت أول أمس دون سبب يذكر إلا لإيمانهم بحقهم في الحياة الحرة والكريمة على أرض وطنهم الأم فلسطين المحتلة، ورفضهم الاستسلام لإرادة الاستعمار الغازي الإسرائيلي المدعوم بشكل كامل من قبل الولايات المتحدة الأميركية ومن يدور في فلكها، وإصرارهم على نيل حقوقهم الوطنية وفق برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد. 

ومع ذلك، لن يفت في عضد أبناء المخيم خصوصًا، وأبناء الشعب عمومًا في الوطن والشتات والمهاجر، ولن يرفعوا راية بيضاء أي كانت التضحيات والمعاناة والضغوط، ووحشية ونازية المستعمر الصهيوني وسادته في واشنطن، لإدراكهم ان ثمن الحرية غالي ومكلف من دماء وخسائر على الصعد كافة، وكونهم قبضوا على جمر الالتزام والثبات بالروح الوطنية الحقة إسوة بكل الشعب وقواه الحية، الذين دفعوا أثمانًا باهضه على مدار عقود الصراع الطويلة الماضية.

 
معركة مدينة ومخيمات طولكرم خلال الأيام الماضية، لن تكون الأخيرة. لأن العدو الصهيوني مصر على مواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الكل الفلسطيني، ولن يهدأ له بال الا باستمرار دوامة العنف والإرهاب والتطهير العرقي وحرب الإبادة الجماعية. الأمر الذي يحتم على القيادة الفلسطينية استخلاص الدروس والعبر من كل المعارك الوحشية التي يقودها قطعان النازية الصهيونية ومن خلفهم اليانكي الأميركي وأضرابه، والعمل على اشتقاق برنامج سياسي وكفاحي يتماهى مع روح التحدي للتغول الهمجي الإسرائيلي. لا سيما وأن حرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية بأشكالها وأساليبها المتعددة قتلاً وتجويعًا وأمراضًا وحصارًا واعتقالاً وتدميرًا وتخريبًا، وانتفاء أي بارقة امل بإمكانية وجود شريك لصناعة السلام الممكن والمقبول على أساس خيار حل الدولتين على حدود 4 يونيو 1967، لأن البيت الأبيض والمؤسسات النافذة والمقررة في الدولة العميقة الأميركية تغطي عار وبشاعة وانفلات دولة إسرائيل من عقال القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والمعاهدات الدولية ذات الصلة بالاستعمار.

 
وبعد استخدام واشنطن حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار الجزائري قبل أيام، نيابة عن المجموعة العربية، وتقديم مساعدات مالية وعسكرية تزيد عن 26 مليار دولار أميركي لإسرائيل، ومنحها الضوء الأخضر لمواصلة الحرب الجهنمية على أبناء الشعب في محافظات الوطن المختلفة وخاصة في غزة لليوم 199، التي أودت بحياة ما يزيد عن 34  الف شهيد و77 ألف جريح وجلهم من الأطفال والنساء والشيوخ والتدمير غير المسبوق للوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمؤسسات وأماكن العبادة والبنى التحتية، والحرمان من المياه الصالحة للشرب والكهرباء والاتصالات وتقنين المساعدات الإنسانية، لم يعد أمام الشعب الفلسطيني وقيادته الا اشتقاق برنامج نوعي وجديد، وبالاعتماد على الذات الوطنية لتغيير قواعد الصراع مع الأعداء، رغم موازين القوى المختلة لصالحهم، وهذا ما أكده سيادة الرئيس محمود عباس وهو ما يستدعي عقد جلسة عادية للمجلس المركزي لمنظمة التحرير لإجراء مراجعة سياسية ونضالية وتنظيمية ولوجستية، والشروع بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي للمنظمة ولا بديل عن ذلك.