خلال الساعات القادمة ستؤدي حكومة د. محمد مصطفى يمين القسم بعدما تمت المصادقة على أسماء وزرائها لتمارس مهامها وفقًا للبرنامج، الذي تقدم به رئيس الحكومة المكلف لرئيس دولة فلسطين، محمود عباس، ووافق عليه أول أمس الخميس 28 مارس الحالي، ومن أبرز ملفاته أولاً إيلاء الوضع الإنساني أولوية قصوى بما يشمل وضع خطة شاملة للمساعدات الإنسانية، والإغاثة الفورية لأهلنا في قطاع غزة، وإعادة الإعمار في كل من القطاع والضفة، وتركيز الجهود الهادفة الى تثبيت استقرار الوضع المالي، وانعكاسه على الوضع الاقتصادي؛ ثانيًا إعادة هيكلة وتوحيد المؤسسات بين شطري الوطن، ومحاربة الفساد، ورفع مستوى الخدمات، والتحول الرقمي؛ ثالثًا تعزيز سيادة القانون ونزاهة القطاع المالي، بما في ذلك تمكين الجهاز القضائي، وتعزيز الامن والأمان، وضمان الحريات العامة؛ رابعًا تعزيز الصمود في القدس العاصمة والأغوار والمناطق المهشمة، ومواصلة الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الحوض المقدس، وإعادة ربط العاصمة الأبدية لفلسطين بالكل الفلسطيني سياسيًا وقانونيًا وجغرافيًا وإداريًا، ومحاربة عمليات التطهير العرقي الإسرائيلية فيها. هذه وغيرها من الملفات ألقيت على كاهل حكومة الكفاءات/ التكنوقراط ال19، وأكد البرنامج على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المرجعية الوطنية والسياسية لها ولكل الشعب، وأقرت الالتزام ببرنامجها والتزاماتها الأممية. 


وبداية وقبل الحديث عن التحديات والتعقيدات، أود المباركة لرئيس الحكومة وللوزراء كل باسمه على الثقة التي أولاها الرئيس عباس لهم، وأتمنى لهم النجاح والتوفيق في التمكن من ترجمة برنامج الحكومة على أرض الواقع، كما يطمح الشعب والقيادة الفلسطينية، وأن لا تضيع تلك الثقة في متاهة التفاصيل والتعقيدات غير المسبوقة في تجربة الحكومات الفلسطينية السابقة. 
وعود على بدء، إذا دققنا النظر في كل ملف على انفراد بالنظر الى الواقع الملموس والمعاش، نشعر بضخامة وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق الوزارة. لا سيما وان مكونات الحكومة العتيدة جديدة في حقل العمل العام، ولا اعرف الى أي مدى يستطيع الوزراء المقاربة بين شهاداتهم العلمية، ومهامهم في العمل الخاص السابقة مع العمل العام، ليس تجاه موظفي القطاع العام فقط، وانما تجاه الشعب كل الشعب، لأنها حكومة الرئيس عباس والشعب في آن. ولإن البرنامج في كل ملف يتعلق بالشعب مباشرة وخاصة في قطاع غزة. 
كما أن الوزارة الجديدة تشكلت وشرعت بعملها في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة والضفة بما فيها القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية، ولم تضع الحرب أوزارها بعد، ومازالت تحمل في طياتها تداعيات خطيرة تمس مستقبل الشعب والقضية والمشروع الوطني برمته والنظام السياسي حديث الولادة والضعيف، والذي يعمل تحت سيف وسطوة الاستعمار الإسرائيلي النازي العامل الأخطر على الوجود والكينونة الفلسطينية. ليس هذا فحسب، بل إن جُل حكومة الكفاءات غير منغمسة في تجربة الكفاح التحرري مع استثناءات محدودة في قوامها، قد تتأثر قدراتها سلبًا في تنفيذ البرنامج المعلن والموافق عليه، ليس طعنا في وطنية شخوصها، ولكن بحكم ارتباطات شخوصها السابقة بالعمل الخاص او مع مؤسسات المجتمع المدني ال NGO,s والمؤسسات الدولية، بيد أن الرهان على معايشة معظمهم وحشية وهمجية الاستعمار الإسرائيلي في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، إن كان بينهم من أبناء المخيمات، وهذه المعايشة يفترض ان تؤهلهم لمجابهة التحديات الإسرائيلية. 
ولا أضيف جديدًا، إن مطلق حكومة بدأت عملها في ظل ازمة مالية شاملة وعامة على المستويات كافة، لا تقتصر على بند رواتب الوظيفة العمومية فقط، إنما تشمل الازمة كل الملفات ذات الصلة، وهو ما أشار له برنامج حكومة مصطفى لن تنجح. لأن المهام ضخمة وكبيرة وتحتاج إلى المال أولاً وثانيًا ... وألف، وبالتالي لن تقلع الحكومة مهما كانت قدرات وكفاءات الوزراء. لأنه لا قيمة للشهادات والكفاءات دون توفر المال، والامن والأمان، والوحدة الوطنية. ولهذا الحكومة بحاجة ماسة لمشروع مارشال عربي وعالمي جديد يؤمن السيولة المطلوبة للإغاثة والرعاية وإعادة تأهيل السكان والمستشفيات والمدارس والجامعات وأماكن العبادة الدينية والكهرباء والمياه والطاقة والبنى التحتية وغيرها، لذا دون المال يصبح تشكيل الحكومة كالمثل الشعبي "كأنك يا أبو زيد ما غزيت"!


ويحتل ملف الوحدة الوطنية عنوانًا أساسيًا في نجاح عمل الحكومة، لأنه دون تجسير الهوة بين القوى السياسية الفلسطينية المختلفة وترتيب شؤون البيت الفلسطيني، لن تتمكن الوزارة من العمل في جناحي الوطن، وستبقى تراوح مكانك عد في الضفة الفلسطينية. أيضًا لن تتمكن من الشروع في الملف الأول والاهم المتعلق بإغاثة ورعاية أبناء الشعب في قطاع غزة. ولن تتمكن بالضرورة من استقطاب تأييد الرأي العام الفلسطيني والالتفاف حولها. 
باختصار شديد لا برنامج الحكومة، ولا تشخيص الوضع وتحديد الأولويات، ولا الكفاءات والشهادات واللغات الاجنبية، التي يتقنونها، ولا المقيمين في هذا الجناح او ذاك، جميعها لن تساعد الحكومة على النجاح، والتقدم في ترجمة مهامها وبرنامجها مالم تؤمن المال الكافي، والوحدة الوطنية، وتتمكن من فرض الامن والأمان للشعب، وما لم يفتح الأفق نحو الحل السياسي وتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران يونيو 1967. المستقبل المنظور سيحمل بالتأكيد الجواب بشأن مستقبل الحكومة الوليدة، التي اتمنى نجاحها وتفوقها على كل المعيقات والعقبات التي تعترض طريق عملها.