لا بد أولاً من تسجيل علامة امتياز للإعلام الرسمي الفلسطيني، الذي يرى ويوضح الشهداء، مادون سن الـ 18 أطفالاً، ويقدمهم للرأي العام المحلي والعربي والعالمي كبرهان على استهداف إسرائيل لمستقبل الشعب الفلسطيني، في أرض وطنه فلسطين، وفي ذات المنحى لوزارة التربية والتعليم، وكذلك المؤسسات الرياضية والثقافية التي بادرت الى تبني الشهداء الأطفال والفتيان لكونهم تلاميذ وأعضاء في نواد رياضية ومراكز ثقافية، بالمقابل لدينا سؤال كبير بعلامة استفهام بحجم الوطن: من منح رؤوس حماس، مفتاح التحكم في مصائر أطفال وفتيان الشعب الفلسطيني؟ ومن ذا الذي يأمر الأطفال والفتيان، ويهيئ لهم السبل نحو مصير محتوم؟! في مخالفة صريحة لقيم العقيدة السماوية، والقوانين الانسانية، والقيم الاجتماعية، فالأصل في البطولة أن الآباء يحمون أبناءهم، ولا يزجون بهم إلى "خطر الموت"، ولا يجوز إخضاعهم لرغبات رؤوس حماس الجامحة، الفردية والفئوية واستماتتهم للتحكم بحركة الجماهير في الضفة الغربية، فهذا يعرقل اقناع الرأي العام العالمي بروايتنا الفلسطينية، وملخصها أن أطفالنا ضحايا "إرهاب دولة إسرائيل" القائمة بالاحتلال، وإن الشعب الفلسطيني يطلب الحماية الدولية وفق القانون الدولي، فجماعة إسماعيل هنية الاخوانية (حماس) تريد رؤية المزيد من الدماء الفلسطينية المسفوكة في الضفة الغربية، وحتى لو كان معظمها أطفالاً ونساء كما يحدث في غزة، لإقناع الآخرين "بشعبيتهم" وبأنهم يقودون الجماهير، لكنهم في الحقيقة يدفعون بأطفالنا وفتياننا، وحتى معظم شبابنا كأهداف بلا مقابل وطني، إلى حقول رمي جيش الاحتلال الإسرائيلي!!

فقد لاحظنا خلال الشهور الماضية عمومًا والأيام والأسابيع القريبة تحديدًا، ارتفاع وتيرة ارتقاء أرواح أطفال وفتيان برصاص جنود جيش منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية، أما الموضوع الذي نضعه أمام الرأي العام الفلسطيني في هذا المقام، فهو فظاعة الاستغلال السياسي لروح واسم "الشهيد الطفل" واسترخاص خسارته من قائمة جيل المستقبل، ويظهر ذلك بكل وضوح، في منشورات النعي التي تجرد الشهيد من خصوصيته كطفل وفتى، وتضمينها عبارات ومصطلحات يكاد لا يحصل على مثلها مقاتلون نظاميون متمرسون وضباط محترفون!

أما طغيان صور ومشاهد المسلحين الملثمين، والرايات الحزبية على صور أحزان وآلام أمهاتهم وآبائهم وأشقائهم من الجنسين، وكذلك أصدقائهم، وعلى تداعيات انسانية واجتماعية تطوى –بكل اسف– تحت وطأة الشعارات النارية، فهذا يستوجب وضع علامة استفهام وتعجب، حول دوافع المستغلين، في تقديم صور مغايرة لمعاني "الطفولة والبطولة" و"الأطفال الرجال"، ففعلهم هذا لا علاقة له بجذر ثقافي، ولا باستراتيجية حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وعنايتها المتميزة بأطفال فلسطين من الجنسين، في إطار "مؤسسة الأشبال والزهرات" حيث كان للقائد صلاح التعمري –رحمه الله– بالغ الأثر في إعدادهم وفق برامج تربية وتعبئة وطنية، وتثقيفية، ومجتمعية، ومعرفية، وتشجيعهم على الدراسة ونيل الشهادات العلمية العليا ليكونوا رديفًا لمسيرة الكفاح الوطني، ولم يحدث أن زجت القيادة بالأشبال في معارك ميدانية مع قوات الاحتلال، لكنهم في لحظات فارقة قدموا صور بطولات مشرفة، أرغمت جنرالات جيش الاحتلال على الاقرار بكفاءتهم على تكبيد قواتهم خسائر منظورة ومهمة بالجنود والعتاد.