مرت ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية ال56 أول أمس الاثنين 11/12 الحالي في ظل حرب إبادة عاصفة ومجنونة تقودها الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع حلفائها في الغرب الرأسمالي وإسرائيل على قطاع غزة، مع أن اللحظة السياسية العسكرية الأمنية والاجتماعية الاقتصادية والصحية والتربوية والبيئية تتفاقم بشكل غير مسبوق، بالإضافة الى حرب مفتوحة على المحافظات الشمالية بدءً من القدس العاصمة الى كل مدينة وقرية ومخيم في مختلف المحافظات، وكما أن جبهة اسرى الحرية تضطرم اشتعالاً وحريقًا، وأيضًا الحرب المنفلتة من عقال الاتفاقيات والقانون الدولي على القيادة الفلسطينية عموما وشخص رئيس منظمة التحرير والسلطة الوطنية واموال المقاصة، وكذا جبهة الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة تستعر تغولاً وحشيا من قبل أجهزة الامن الإسرائيلية على أبناء الشعب المكبلين بقيود يتعاملون معها لأول مرة منذ عام النكبة. ورغم ذلك الهدير الهائل لالة حرب الإبادة الواسعة والعميقة على أبناء الشعب العربي الفلسطيني، إلا أن صوت الشعبية لم يسمع، ومازال خافتًا وضعيفًا، ولا يستقيم مع تاريخ ومكانة ودور الشعبية المجيد. 


تاريخيًا كانت الشعبية منذ انطلاقتها في ال11 من كانون اول / ديسمبر 1967 حاضرة بقوة في كل معارك الدفاع عن الثورة والمشروع الوطني، وساهمت بقسط عظيم في تلك المعارك بالمواقف الفكرية والسياسية والعمل الكفاحي الميداني، ولم تتأخر يوما، وكان عندما يتحدث الحكيم أو أبو على مصطفى أو أبو هاني يهز صدى اصواتهم المنابر الإعلامية المختلفة، والعديد من الدول تقف وتفكر في مآلات ما نطقوا به، وارتدادات ذلك على المنطقة والاقليم. وكانت تحتل بجدارة الموقع الثاني في مركبات منظمة التحرير، رغم خروجها وانكفائها عن المشاركة في المجالس الوطنية، وغيابها الارادوي عن موقع اللجنة التنفيذية والهيئات المركزية الأخرى للمنظمة مرات عدة، إلا أن أحدًا من قادة الثورة والمنظمة لم يتجاهل حضورها ومكانتها، وكانت حركة فتح تحديدًا والرئيس عرفات خاصة وأعضاء اللجنة المركزية كافة يحسبون الف حساب لزعيمة المعارضة الوطنية في المحطات التاريخية المختلفة. 


بيد أن مكانة الشعبية تراجعت كثيرًا، وتخلفت عن الحضور في العديد من المحطات الهامة، وأصاب قياداتها الوهن وشيء من الغياب غير المبرر، والان في دوامة حرب الأرض المحروقة لم يسمع لقياداتها صوت حتى لو صراخا في الهواء! لماذا؟ وهل الأزمة البنيوية وصلت الى حد الغيبوبة والانكفاء؟ لا وجود شكلي في المنظمة، ولا وجود حقيقي بالمعنى الدقيق للكلمة مع فصائل اليسار، ولا مع أقطاب المعارضة الاسلاموية، رغم وجودها وانخراطها معهم في العديد من اللقاءات الهامشية، حيث حضورها شكلي وباهت وغير مقدر، وشكل من اشكال التجميع للقوى.
56 عامًا مرت على ذكرى تأسيس احد اقطاب الحركة الوطنية الفلسطينية المركزيين، ولكن للأسف الشديد دون بهجة الحضور، ومن غير تأثير في مجرى الصراع، وانكفاء على الذات، والركض على عتبات بعض القوى الإقليمية لاستدرار وتوسل بعض فتات الدعم من قوى إقليمية ذات اهداف متناقضة مع المشروع القومي العربي، ومع مشروع التحرر الوطني، والتي تهدف لاستخدام فتات دعمها تحت يافطة "دعم محور المقاومة" لغايات وحسابات فئوية وأجندات خاصة بالنظام السياسي الفارسي. 


وهنا لا اعفي قيادة منظمة التحرير من ارتكابها خطأً فادحاً في حجب أموال الشعبية وغيرها من الفصائل الوطنية، التي هي استحقاق لتلك الفصائل، وليست منة أو محاباة لها، لأن حجب الموازنات المستحقة للفصائل دفعت بالعديد منها للبحث عن تمويل من هنا وهناك، وهذا ليس من حق احد في لي اذرع الفصائل الوطنية بغض النظر عن مواقفها السياسية توافقت مع قيادة الشرعية او لم تتوافق، فهذا حقها طالما هي في الحندق الوطني،  وتتحدث بمعايير المشروع الوطني وليس الأمر جديدًا على الشعبية، ومن هنا ادعو القيادة الشرعية للمنظمة لتحويل الموازنات للفصائل الوطنية وفق اللوائح المعمول بها تاريخيًا، لحماية تلك القوى من العوز، ولتعزيز دور الشراكة السياسية، ولتعميق الديمقراطية الحقيقية المرتكزة على حرية الرأي والتعبير وبهدف التطوير، ولاستقطاب كل قوة سياسية فلسطينية ذات رصيد كفاحي في منظمة التحرير على ذات الأرضية. لأن الشعب والمنظمة أحوج ما يكون الآن وفي كل المحطات التاريخية للوحدة الوطنية. 


تمر ذكرى تأسيس الشعبية ال56 في ظروف عصيبة وخطيرة، ولكن آمل أن تتمكن قيادتها من استنهاض ذاتها من رحم الازمة والمعاناة، وإعادة النظر بسياساتها ورؤاها الملتبسة والضبابية لتحتل مكانها الرئيس في منظمة التحرير الفلسطينية، وتخرج من دائرة الحرد والانكفاء والانعزال، لأن تلك السياسات لم تخدم يوما الشعبية، بل كانت على النقيض، مكانها ودورها في المنظمة محفوظ، وعليها أن تدافع عن استحقاقاتها السياسية والتنظيمية والمالية والديبلوماسية من داخل اطر المنظمة كفصيل مؤسس وأساس فيها. فهل تعيد النظر قيادة الشعبية بسياساتها العرجاء؟