عادت بي الذاكرة لمسرحية "ناطورة المفاتيح" التي عرضت عام 1972 في بعلبك اللبنانية والعاصمة السورية دمشق، وتميز الحوار بين بطلي المسرحية: الملك ( أنطوان كرباج) وممثلة الشعب زاد الخير (فيروز) بالابداع، الذي كشفا فيه هشاشة ممالك الظلم والفجور، وعظمة الشعب مهما كان حجمه. لان صدى مقولة "ملك مملكة سيرا" (كرباج) التي دعا فيها سكان مملكته الهاربين من ظلمه "خبوا حريتكن بجيابكن .. أهربوا ... أهربوا !"، مازال حاضرا للان، وبودي توجيه صرخته للإسرائيليين الصهاينة أعداء السلام والتعايش، المتخندقون في خنادق الحرب والاستيطان والموت والتطهير العرقي للفلسطينيين من وطنهم الام، المتسلحون بالحماية والرعاية الأميركية والغرب الرأسمالي، لادعوهم لأن يهربوا قبل الانفجار، خذوا ما شئتم وارحلوا، أهربوا ... أهربوا قبل فوات الأوان، خبوا حريتكن بجيابكن، وعودوا الى اوطانكم التي جئتم منها لفلسطين. ومن يريد السلام والعيش المشترك في دولة ديمقراطية واحدة ليبقى، فالشعب الفلسطيني كان ومازال شعب التسامح، رغم انه لا ينسى، ولن ينسى ويلات الدولة الإسرائيلية اللقيطة وحكوماتها الفاشية المتعاقبة.

وقيمة ما ورد أعلاه يكمن في الرد على دعوات العديد من غلاة الحكومة والمعارضة الإسرائيلية بالتهجير القسري للفلسطينيين من وطنهم فلسطين، وطالبوا بعض الدول الأوروبية بعد ان فشلوا مع العرب بتسهيل "هجرة الفلسطينيين لاسباب إنسانية!" أي مفارقة هذه؟ وأي إنسانية التي يتحدثون عنها وحرب إبادة مملكتهم الظالمة تتواصل لليوم الاربعين؟ ان وقاحتهم وفجورهم يفوق كل منطق عقلاني. وهذا ما عكسه عضو الكنيست، رام بن براك، من حزب المعارضة "يش عتيد" بالاقتراح الذي طرحه على الدول الأوروبية الغربية ب" نقل (تهجير) سكان القطاع الى" دولهم، لان ذلك حسبه "إنساني ومطلوب، ولأنهم أصلا لاجئين". وبودي اسأل عضو حزب لبيد، ومن الذي طردهم من مدنهم وقراهم عام 1948؟ ولماذا هم لاجئون حتى الان؟ ومن الذي يعطل السلام، وينتج الفوضى والحرب والإرهاب؟ وبإصرار وقح عاد لتأكيد اقتراحه على شاشة القناة الإسرائيلية 12 بالقول "اذا كان سكان غزة لاجئين بمعظمهم، فلتستوعب كل دولة من دول العالم 20 الفا منهم، ومن المفضل أن يكون الانسان لاجئا في كندا، على ان يكون لاجئا في غزة، واذا كان العالم يريد حل المشكلة فهو يستطيع حلها بهذه الطريقة!."

ويتجاهل او يتناسى بغباء فاضح، انه واضرابه من الصهاينة اليهود جاؤوا من تلك الدول، ويحملون جنسياتها وجنسية اميركا الشمالية، لماذا لا يرحل هو وامثاله الى بلدانهم وقومياتهم التي جاؤوا منها؟ ايهما اقرب للمنطق والواقعية، صاحب الأرض الفلسطيني العربي يهاجر من وطنه الام، ام الطارئ والغازي المستعمر من الخزر؟

ولم يكتف بذلك، انما نشر مقالا مشتركا مع داني دانون، عضو الكنيست من الليكود، وكلاهما عضوا في لجنة الخارجية والامن في الكنيست في "وول ستريت جورنال" دعيا فيه الدول الأوروبية الى استيعاب اللاجئين من غزة على غرار ما فعلت في يوغسلافيا وما فعلته خلال الحرب في سورية، واشارا الى ان المانيا وحدها استوعبت أكثر من مليون لاجلاء سوري. ولحق بهم سموتريتش وبن غفير وديختر وغيرهم، الذين دعوا لذات هدف التطهير العرقي الاستعماري لطرد الفلسطينيين من ديارهم، واحداث نكبة جديدة، اسماها وزير الزراعة ب"نكبة 2023". وتجاهل هؤلاء ان قضية الشعب العربي الفلسطيني تختلف عن كل القضايا آنفة الذكر. لانه قاوم بثوراته المتعاقبة كل مشاريع تصفيته وتصفية قضيته.

وهذا المشروع ليس جديدا، بل هو مشروع قديم جديد، حيث طرح منذ العام 1949 و1953 بالإضافة لمشاريع التوطين المتعددة في سيناء وليبيا وغيرها من الدول العربية والأوروبية بما فيها مشروع غيورا آيلاند، مستشار الامن القومي عام 2012 الداعي لاقتطاع 720 كيلو متر من سيناء وتوسيع القطاع بحيث ينى في مدن للاجئين الفلسطينيين من الضفة والقطاع، الذي وافق عليه آنذاك الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي. لكنه اصطدم بالموقف الفلسطيني الذي مثله الرئيس محمود عباس، ورفضه جملة وتفصيلا.

ورغم ويلات حرب الأرض المحروقة الدامية على عموم الوطن وخاصة في محافظات الجنوب، وحرمان المواطنين من ابسط مقومات الحياة، وفرض العقاب الجماعي عليهم والحصار الظالم، الا ان الشعب الفلسطيني، كما افشل كل المشاريع السابقة، سيفشل المشروع الجديد القديم. ولم ولن يمر مشروعهم مهما كانت التضحيات. وبالنتيجة فإن مخطط الدولة اللقيطة الفاشية سيتحطم على صخرة الصمود الوطني، وإصرار الشعب وقيادته الوطنية الممثلة بمنظمة التحرير على البقاء والتجذر في أرض الوطن، ولن يسمحوا بتكرار النكبة، وسيهزم الغزاة الصهاينة ومن يقف خلفهم. وعليهم أن يهربوا ويعودوا لأوطانهم قبل أن يطالهم الندم والهزيمة المرة.