في معارك الدفاع عن الثوابت الوطنية، وصد جرائم الحرب والاعتداءات الاجرامية التي ترتكبها حكومات إسرائيل الفاشية ضد الشعب الفلسطيني وقوى الثورة تتمظهر النتائج والظواهر الإيجابية والسلبية، ويتم فرز الغث من السمين، ودحض الأكاذيب، وفضح المزاودات الديماغوجية، وكشف المستور امام عامة الشعب، وفي أوساط شعوب الامة العربية، وإبراز القوى الأكثر جدارة وثقلا في المواجهات، التي لا تقاس بعدد الشهداء، وإن كان ذلك يعتبر أحد المعايير، لكنه ليس الأهم، وإنما الصمود في الميدان، والقدرة على المبادرة في اتخاذ القرار في اللحظات الحرجة، والصمود البطولي، ومعالجة الأخطاء والخطايا، والتركيز على وحدة الصف، وحماية الجبهة الداخلية من التآكل. رغم كل النواقص والعيوب والفضائح والخذلان والجبن والتآمر من البعض على رواد التحدي والإصرار على حماية روح المقاومة البطولية، والتكامل مع إرادة الشعب في المواجهة، والتقييم الدقيق لاليات سيرورة المعارك مع العدو. 

معركة "ثأر الاحرار" التي فجرها العدو الصهيوني فجر الثلاثاء الماضي الموافق التاسع من أيار / مايو الحالي في ذكرى النصر العالمي على الفاشية ال 78، وعشية ذكرى النكبة ال75 باغتيال ثلاثة من قادة سرايا القدس قبل ساعات قليلة من سفرهم للقاهرة للقاء الاشقاء المصريين المعنيين بالملف الفلسطيني، واستمرت حتى الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل أول أمس السبت الموافق 13 أيار / مايو الحالي، بعد مرور خمسة أيام طوال من معارك الدفاع عن الذات الوطنية، والتي لعبت فيها حركة الجهاد الإسلامي دورًا مركزيًا، وقادت التحدي لكسر شوكة دولة التطهير العرقي الفاشية وجبروتها، رغم اختلال موازين القوى لصالح العدو الإسرائيلي الفاشي، وشاركتها ضمن إمكانياتها كل من الجبهتين الشعبية والديمقراطية وبعض اذرع المقاومة والمتمردين على قرار قيادة الانقلاب الحمساوي في محافظات غزة من كتائب عز الدين القسام. 

وتمكنت قيادة وكوادر حركة الجهاد من تكريس نفسها للمرة الثالثة خلال الأعوام الثلاثة الماضية كعنوان ورقم أساسي في ميدان المواجهة مع جيش الموت الإسرائيلي المجوقل، واحد أهم واقوى جيوش الإقليم، وحتى عالميًا، وفرضت نفسها على قيادة الانقلاب الحمساوية، وعلى أطراف الساحة الفلسطينية المختلفة، وعلى دول الجوار العربي، وقطعت الطريق على هدف تصفيتها واجتثاثها وفق السيناريو الصهيو أميركي المعد لذلك، اعتقادًا منهم أن قوة وحجم الضربة لرؤوس ثلاثة من قيادات السرايا، سيفقد الجهاد القدرة على المواجهة، بالتلازم مع تركها وحدها في الميدان سيضاعف من إمكانية استسلامها، وفرض رؤية قادة الانقلاب الإخوانية الاستسلامية عليها تنفيذًا لأجندة الاسياد. 

كما أن تبخر شعار "وحدة الساحات" ضاعف من حدة الضغوط والصعوبات الكفاحية، وترك محافظات الجنوب بقيادة حركة الجهاد تواجه مصيرها تحت الهجوم الإسرائيلي الوحشي، حتى أولئك إدعاء غرفة العمليات المشتركة (حركة حماس الانقلابية)، الذين لم يتوقفوا عن اصدار البيانات الوهمية، خالية الدسم والمفضوحة، واصلوا الأكاذيب والافتراء على الحقائق، وادعوا موقعًا ودورًا ليس لهم، كذبًا وافتراءًا على الله والشعب والوطن والقضية، ليس هذا فحسب، بل إنهم مارسوا العكس، مارسوا الضغوط على حركة الجهاد لثني سرايا القدس عن مواصلة الدفاع عن الشعب والمشروع الوطني، وهددوا وتوعدوا ولاحقوا مقاتلوا الجهاد لتعطيل دورهم الشجاع. لكن تصميم وبسالة أبناء السرايا وكتائب أبو علي مصطفى والكتائب الوطنية/ عمر قاسم وغيرهم أفقد قيادة الانقلاب الإخوانية السيطرة على قرار المواجهة، ووضعهم في الزاوية، رغم الجعجعات المتواصلة طيلة ساعات وأيام المعارك. 

النتيجة أظهرت غياب كلي لوحدة الساحات الفلسطينية، وتبين أنه شعار وهمي لا أساس له من الصحة، حتى المظاهرات الشعبية الداعمة لصمود الأهل في قطاع غزة نضبت، ولم تخرج سوى مجموعات متواضعة، وغابت فصائل العمل الوطني عن الميدان، وبقيت أيضًا أسيرة إصدار بيانات ترقيعية لا أكثر ولا أقل، ولا تعبر عن وحدة إرادة الشعب وقواه الوطنية. كما أن أمين عام حزب الله السيد حسن لم يتوقف عن الثرثرة عن محور المقاومة، وعن إمكانية المفاجآت ودخوله للميدان، وتبين أنه ليس أقل بؤسًا من جماعة الإخوان المسلمين، حيث اكتفى بترديد الشعارات الغوغائية دون رصيد. 

وعليه كانت معركة "ثأر الاحرار" التي قادتها باقتدار، رغم كل الملاحظات والنواقص التي شابت الأداء والارباك في البداية، وحتى لاحقًا نتاج سقوط اعداد متزايدة من قيادات وكوادر حركة الجهاد الذين بلغ عدد شهداءها لوحدها أحد عشر شهيدًا من مجموع 33 شهيدًا، و190 جريحًا في مواجهة حرب الفاشيين الصهيونية "درع وسهم" أو "السهم الواقي"، معركة هامة لها ما بعدها في المشهد الفلسطيني، وستدون في صفحات الكفاح التحرري البطولية بقيادة حركة الجهاد. 

لكن من الواجب تنبيه حركة الجهاد من الآن، إن معركة تقليم الأظافر لهم ستتضاعف في محافظات الجنوب لأن سادة الانقلاب الحمساوي لن يسمحوا بوجود شريك قوي ومنافس في عقر بيت الإمارة. وقادم الأيام كفيل بالجواب.